** التلميذ يدفع ضعف الحكومة ** ميراث من الإهمال..فهل من مغيث؟ ** الفقر يعيد أم زهرة لقريتها تحقيق- ياسمين سنبل "أم زهرة" .. زوجة حارس عقار بمنطقة الوايلي لديها 3 بنات في المرحلة الابتدائية، أكبرهم زهرة، تكافح أم زهرة لكي تعلم بناتها، وذلك رغم عدم اقتناع زوجها بفكرة التعليم خاصة للبنات، والذي يرى ان الافضل ان يساعدوه في الحصول على "لقمة العيش". والد زهرة يتحصل على 200 جنيه ، دخل شهري مقابل حراسة العقار ويعمل هو وزوجته حسب الظروف في تحميل بضائع أو تنظيف سيارات، بالاضافة لبعض المساعدات. وتقول "أم زهرة" التي تبلغ من العمر 32 عاما إن مصروفات مدرسة ابنائها الحكومية "بين الجناين" بمنطقة الوايلي- تبلغ 55 جنيها للطالب وتتبرع للمدرسة لدى قيد الطالب لأول مرة كل حسب مقدرته "بمقشة أومروحة او جرادل"، بالاضافة الى اللبس المدرسي ويكلفها 70 جنيها للطاقم الواحد بخلاف ملحقاته من الشنطة المدرسية والحذاء والكشاكيل. وتضيف "المدرسون يتعمدون عدم الشرح في الفصول مما يزيد الحمل عليا ،فاضطر لإعطاء دروس لبناتي الثلاث في جميع المواد عدا مادة الدين وتبلغ تكلفة المادة في المراكز 70 جنيها للاربع حصص بالاضافة الى 3 جنيهات عن كل حصة يحصلها المركز من الطلبة رسوم او دمغات ..الله اعلم." زهرة حصلت هذا العام على شهادة الابتدائية بتفوق كبير ولكن رغم تفوقها إلا ان الابتدائية قد تكون اخر مراحل زهرة التعليمية لضيق يد والديها. التلميذ يدفع ضعف الحكومة زهرة وغيرها ملايين الطلبة يعانون بسبب ضعف ما تخصصه الحكومات المتعاقبة من إنفاق على التعليم حتى أن حكومة "الإخوان" خصصت للتعليم في العام المالي (2013/2014) نحو نصف دعم المواد البترولية الذي يذهب معظمه لمصانع رجال الاعمال المصريين والاجانب، وتبتلع الأجور نحو 83.5 % من اجمالي المخصص للتعليم، فيما يحصد التعليم قبل الجامعي 55 مليار جنيه من اجمالي 80.86 مليار جنيه. وتقول دراسة لمعهد التخطيط إن ذلك يعكس درجة عاليةً من الهدر وعدم الكفاءة في الانفاق العام في مجال التعليم في مصر عن الحدود المقبولة عالميا، كذلك فإن الإنفاق على بند "شراء السلع والخدمات"، وهو أحد البنود الهامة بالنسبة لجودة التعليم، لم يستحوذ سوى على 6.2 % من جملة الانفاق على التعليم. ويبلغ نصيب الطالب في مرحلة ما قبل التعليم الجامعي (وعددهم 18.55 مليون طالب) من مخصصات التعليم خلال عام 2013/2014 نحو 2970 جنيها. ويرى الدكتور كمال مغيث الخبير والباحث بالمركز القومى للبحوث التربوية ان نصيب الطالب المصري من الانفاق الحكومي على التعليم هزيل ويقل عن البلدان العربية المجاورة ولا يقل عنه سوى الطالب في بعض الدول الفقيرة مثل الصومال مثلا، مشيرا الى انه في اسرائيل يبلغ نصيب الطالب 3000 دولار، وفي الدول المتقدمة يتراوح ما بين 5000/6000 دولار – مع استبعاد بند التجهيزات. ونتيجة ضعف الانفاق الحكومي، يضطر المصريون إلى إنفاق نصف جنيه أمام كل جنيه تنفقه الحكومة على التعليم، وذلك في شكل مصاريف مدرسية، حتى يتمكن أبناؤهم من الالتحاق بالمدارس الحكومية (هذا بالإضافة إلى الدروس الخصوصية)، بحسب ما اكتشفه محمد عادل سليمان محامي بالمركز المصري للحقوق الاجتماعية والاقتصادية. وهو ما دفع سليمان لرفع دعوى لإلزام الحكومة بإلغاء الرسوم المحصلة من الطلبة خلال مراحل التعليم قبل الجامعي لمخالفتها دستورية التعليم المجاني. ويشير سليمان الى ان الطالب يدفع أكثر من نصف مخصصات الحكومة لتعليمه ففي العام المالي2010/ 2011 بلغ اجمالي ما تخصصه الحكومة للطالب ما قبل الجامعي نحو 1.50 مليار جنيه في المقابل يدفع اولياء الأمور رسوما بنحو 844 مليون جنيه. ووفقا لمشروع الموازنة للعام المالي 2014/2015 زاد الانفاق على التعليم إلى 105.349 مليار جنيه وهو ما يعني زيادة نسبة الانفاق على التعليم إلى 13 %من اجمالي الانفاق مقابل 12.5% في العام المالي 2013/2014 الذي أوشك على الانتهاء. في المقابل فان دول مثل المغرب وتونس تخصص أكثر من 25 % من الانفاق على التعليم، وفقا لدراسة أعدها مؤخرا معهد التخطيط. وينص الدستور على زيادة الانفاق على التعليم والصحة من الناتج المحلى الإجمالي، ومن المقرر ان تصل مخصصات التعليم الى 205 مليارات جنيه خلال عام 2016/2017 . ميراث من الإهمال..فهل من مغيث؟ ولكن ما هي أسباب تدهور التعليم وهل هناك حل لهذه الازمة، يقول الدكتور كمال مغيث الخبير والباحث بالمركز القومى للبحوث التربوية "وصلنا الى مرحلة تدهور غير مسبوقة، فأصبحنا نرى تلاميذ بعد عشر سنوات في التعليم لا يجيدون القراءة والكتابة". وفي بعض الدول النامية، فان ما يتراوح بين ربع ونصف عدد من أتموا المرحلة الابتدائية لا يستطيعون قراءة جملة واحدة، وفقا لدراسة للبنك الدولي. واضاف الخبير التربوي "التعليم صناعة ثقيلة بغرض تأسيس أي نشاط خدمي أو إعلامي أو سياسي والنظر إليه بانه مجرد خدمة نوع من انواع العبث." ويوضح الباحث بالمركز القومى للبحوث التربوية ان تدهور العملية التعليمية يرجع الى 40 عاما مضت حيث بدأ بخطابات الرئيس الراحل أنور السادات والتي كانت تتحدث عن التعليم كأنه خدمة للمجتمع واستمر الامر حتى وقتنا الحاضر، فحتى الثورة لم تنصف التعليم حيث تحول الوضع الى صراع إيديولوجي فاخذ "الاخوان" على عاتقهم "أخونة المناهج" دون الاهتمام بالمحتوى التعليمي. وقال مغيث إن اهتمام الدستور بزيادة مخصصات التعليم الى 4 % من الدخل القومي أمر جيد وان كان غير كاف، لافتا الى انه بالرغم من ابتلاع بند الأجور لأكثر من 80 % من مخصصات التعليم الا ان أجور المعلمين مازالت هزيلة لا تجعلهم يراعون العملية التعليمية، وفقا لمعايير ثابتة. ويطالب الباحث بالمركز القومى للبحوث التربوية الدولة بزيادة تمويل التعليم وتوفير مصادر مختلفة، مقترحا إضافة ضريبة للتعليم تزيد للشرائح الاعلى دخلا. وبينما يرى البعض أن زيادة الإنفاق ليس وحده الضامن لتحسين جودة التعليم، يقول حلمي الراوي المدير التنفيذي لمرصد الموازنة العامة وحقوق الانسان " زيادة الانفاق ليست دائما هي الحل الأمثل ولكن فاعلية الانفاق وكيفية ترشيده وكفاءته والرقابة المستقلة". ويرى الراوي انه يجب إتخاذ عدة إجراءات أهمها هيكلة النفقات بما يضمن توزيع عادل بين الهيئات والقطاعات التعليمية، فمثلا قطاع الجهاز الإداري يستحوذ على النصيب الاكبر من مخصصات التعليم بالرغم من انه اذا ضخت أموال أكثر في الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد نضمن توفير مجموعة من البرامج تقلل أعباء المدرسين وربما يشعرون ببعض الرضا بالاوضاع المالية مقارنة بمجهودهم. ويضيف المدير التنفيذي لمرصد الموازنة العامة وحقوق الانسان "يجب هيكلة الاجور في مبنى وزارة التربية والتعليم والذي يحتضن عددا كبيرا من وكلاء الوزارة ومديري ادارات تعليمية يحصلون على مكافآت وبدلات كبيرة، فمثلا مكافآت الامتحانات في الوزارة تصل الى 500 يوم وباقي الاماكن التعليمية لا تتعدى 200 يوم. واحتلت مصر المرتبة الأخيرة بين الدول فى جودة التعليم الأساسى وفقا لتقرير التنافسية العالمية لعام 2013/ 2014، الذى يصدره المنتدى الاقتصادى العالمى سنويا، ويعلق الدكتور كمال مغيث الخبير والباحث بالمركز القومى للبحوث التربوية قائلا " ربما ظلم التقرير مصر باحتلالها المرتبة الاخيرة ولكنها تستحق مركزا متاخرا في القائمة". الفقر يعيد أم زهرة لقريتها الفقراء لا يكملون تعليمهم ومن لا يكمل تعليمه يبقى فقيرا، فوفقا لدراسة أعدها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرارات عام 2004، فان هناك علاقة عكسية بين مستوى الفقر والمستوى التعليمي حيث ان معظم الفقراء الذين التحقوا بالتعليم لم يحصلوا سوى على التعليم الاساسي. وتؤكد الدراسة ان الاثر الاكبر يظهر على الاناث أكثر من الذكور حيث اثبتت الدراسة ان الاناث الفقراء يمثلون نسبة كبيرة من المستويات المنخفضة من التعليم ويرجع ذلك الى ان الاسر الفقيرة ترى ان تعليم الاناث تكلفة زائدة لا مردود لها ومن ثم لا تفضل تلك الاسر التحاق بناتها بالتعليم. ويشكل الطلبة المنتمون للاسر الفقيرة 25 % من اجمالي الطلبة في المرحلة الابتدائية بينما تصل نسبتهم الى 14 % في المرحلة الثانوية ولا يتعدى عددهم 4 % في المرحلة الجامعية،وفقا لدراسة أعدت من قبل معهد التخطيط حول تقييم سياسات الإنفاق العام على التعليم في مصر عام 2010 . وفي ظل تزايد الأعباء وعدم انصاف المدارس الحكومية لها، ستضطر" أم زهرة" الى العودة لقريتها الصغيرة في مركز اسنا بالأقصر لكي تلحق أختى زهرة باحدى المدارس هناك رغم علمها المسبق بعدم كفاءة المدارس هناك. وتقول "أم زهرة" "العيال هناك مبيعرفوش يكتبوا ولا يقروا وبيغششوهم وينجحوا وخلاص، بس هناك الدروس الخصوصية أسعارها مهاودة عن هنا كتير والمعيشة أرخص ويمكن أقدر احقق حلمي وأكمل علام زهرة وتدخل اعدادي". جدير بالذكر ان نصيب الطالب في القاهرة – شامل الأجور- يبلغ نحو 3223 جنيها، بينما يبلغ نصيب الطالب في الأقصر – شامل الأجور- حوالي 4105 جنيها، وفقا لبيانات الكتاب الإحصاء السنوي لعام 2013 / 2014 الذي تصدره وزارة التربية والتعليم.