باحث سياسي: قانون الإجراءات الجنائية الجديد خطوة تاريخية نحو عدالة أسرع    صلاح حسب الله: المال السياسي لا يمكنه صناعة نجاح في الانتخابات    رئيس الوزراء يتابع جهود جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية    المستشارة أمل عمار تستقبل المديرة الإقليمية للتنمية البشرية    تراجع أسعار العملات الأجنبية في ختام تعاملات اليوم 13 نوفمبر 2025    أمين عام الشيوخ يستقبل سفير الجمهورية الصينية    وزير الداخلية يستقبل نظيره التركي لبحث التعاون الأمني المشترك    حزب الله: المساعي الأمريكية لتشديد الحصار المالي على لبنان تهدف لمنع إعادة الإعمار    ماذا قدم منتخب مصر تحت قيادة حسام حسن قبل مواجهة أوزبكستان    الإيطالي مانشيني مديرًا فنيًا للسد القطري    خالد مرتجي يتحرك قانونيًا ضد أسامة خليل بعد مقال زيزو وأخلاق البوتوكس    ضبط 600 كيلو لحوم وأسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي بكفر الشيخ    كشف ملابسات مقتل مهندس بالإسكندرية وزعم ارتباطه بالكيمياء النووية    150 دولار رسوم التقدم لامتحانات «أبناؤنا في الخارج» 2026    بتهمة قتل مسنة.. السجن المشدد لعامل بقنا    اليوم.. «ضايل عِنا عرض» يفتتح عروض «الجالا» بمهرجان القاهرة السينمائي    محمد صبحي يشكر الرئيس السيسي: «قدمت لوطني الانتماء فمنحني الاحتواء»    «بعد نفاد تذاكر المتحف الكبير».. تعرف على قائمة أسعار تذاكر 5 أماكن بالأهرامات    وزير الصحة يبحث مع نظيره العراقي تدريب الكوادر الطبية العراقية في مصر    وزير الصحة يبحث مع نظيره العراقي سبل تعزيز التعاون المشترك    وزير الصحة: امتلاك مصر أكثر من 5400 وحدة صحية يعكس صمود الدولة وقدرتها على توسيع التغطية الصحية    «الجمعة ويوم عرفة».. خالد الجندي: «العباد المجتهدين» يباهي الله تعالى بهم ملائكته (تفاصيل)    مصطفى حسني: تجربتي في لجنة تحكيم دولة التلاوة لا تُنسى.. ودوّر على النبي في حياتك    مدير التعليم الفني بالمنوفية يتابع سير العملية التعليمية بعدد من المدارس    عون: نرحب بأي مشاركة أوروبية في حفظ الاستقرار بعد انسحاب "اليونيفيل"    الشيخ خالد الجندي: كل لحظة انتظار للصلاة تُكتب في ميزانك وتجعلك من القانتين    بعد القبض على قاتل مهندس الكيمياء النووية.. مصطفى بكري: وزير الداخلية يعمل في صمت    «مش بتحب الخنقة والكبت».. 3 أبراج الأكثر احتمالًا للانفصال المبكر    بأوامر الرقابة المالية.. حسام هنداوي ملزم بترك رئاسة شركة الأولى بسبب أحكام قضائية    وزير الأوقاف: بنك المعرفة المصري أداة لتمكين الأئمة ودعم البحث العلمي الدعوي    بسبب فشل الأجهزة التنفيذية فى كسح تجمعات المياه…الأمطار تغرق شوارع بورسعيد وتعطل مصالح المواطنين    سر رفض إدارة الكرة بالزمالك لتشكيل اللجنة الفنية    محمد عبد العزيز: ربما مستحقش تكريمي في مهرجان القاهرة السينمائي بالهرم الذهبي    الدقيقة الأخيرة قبل الانتحار    جراديشار يصدم النادي الأهلي.. ما القصة؟    عاجل- أشرف صبحي: عائد الطرح الاستثماري في مجال الشباب والرياضة 34 مليار جنيه بين 2018 و2025    القسام تستأنف البحث عن جثث جنود الاحتلال    نيويورك تايمز: أوكرانيا تواجه خيارا صعبا فى بوكروفسك    فاز بانتخابات العراق.. السوداني من مرشح توافقي إلى قطب سياسي    4 ديسمبر.. بدء تلقي طلبات الترشح لانتخابات نقابة الأطباء البيطريين وفرعية قنا لعام 2026    محافظ الغربية: كل شكوى تصلنا نتعامل معها فورا.. ومتفاعلون مع مطالب المواطنين    نيابة الحامول تأمر بانتداب الطب الشرعي لتشريح جثمان عروسة كفرالشيخ    مصر تمد التزام خليج السويس ودلتا النيل مع إيني الإيطالية حتى عام 2040    التنسيق بين الكهرباء والبيئة لتعظيم استغلال الموارد الطبيعية وتقليل الانبعاثات الكربونية    إجراء 1161 عملية جراحية متنوعة خلال شهر أكتوبر بالمنيا    وزير الصحة يُطلق الاستراتيجية الوطنية للأمراض النادرة    في قلب الشارع.. قتل مهندس كيمياء نووية مصري ب13 رصاصة في الإسكندرية    رئيس جامعة قناة السويس يكرّم الفائزين بجائزة الأداء المتميز عن أكتوبر 2025    الغنام: إنشاء المخيم ال17 لإيواء الأسر الفلسطينية ضمن الجهود المصرية لدعم غزة    باريس سان جيرمان يحدد 130 مليون يورو لرحيل فيتينيا    موعد شهر رمضان 2026.. وأول أيامه فلكيًا    ندب قضاة ومنفعة عامة.. قرارات جديدة لرئيس الوزراء    الداخلية تلاحق مروجى السموم.. مقتل مسجلين وضبط أسلحة ومخدرات بالملايين    والدة مى عز الدين الراحلة حاضرة فى فرحها بال Ai.. عشان الفرحة تكمل    مواعيد مباريات اليوم في جميع البطولات والقنوات الناقلة    المصرية للاتصالات: تحسن التدفقات النقدية الحرة يعكس قوة الأداء المالى    10 صيغ لطلب الرزق وصلاح الأحوال| فيديو    نقابة الموسيقيين تنفى إقامة عزاء للمطرب الراحل إسماعيل الليثى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الرازق أحمد الشاعر يكتب عن :ماركيز وعزلته الأخيرة
نشر في الزمان المصري يوم 08 - 07 - 2012

أراد جابرييل جارسيا ماركيز أن يخلد ذكرى إقامته مع جديه في إحدى القرية الكولومبية المتواضعة في رواية تستحق أن تُقرأ، لكن الفكرة تأبّت عليه أشهرا، حتى زهد فيها ونزع يده منها دون أن تخرج بيضاء أو تلطخ بحبر الكلمات. لكنه ذات يوم، وأثناء مرافقته لأسرته إلى قرية أوكابولكو، صعقته الفكرة بلا استئذان، فأدار دون وعي عجلة القيادة بين يديه وكر راجعا. وبدأ نقيع فكره ينساب على الصفحات البيضاء ليضخ دماء حياة في عروق أول جنين أدبي له.
صحيح أنها لم تكن التجربة الأولى لرجل ترك كلية الحقوق عن سابق تخطيط وكامل وعي ليلتحق بمهنة الشقاء الصحفي، إلا أنها كانت أول سابقة روائية لماركيز الذي قرر فور الإمساك بذيل الرواية التفرغ التام لشهوتها، فباع سيارته كي تنفق أسرتها من ثمنها ريثما ينتهي هو من إفراغ شحناته الوجودية في رواية من العيار الثقيل. ولبث الرجل في صومعته ثمانية عشر شهرا حتى وضع القلم. وحين خرج على زوجته يزف إليها نبأ اكتمال رائعته "مئة عام من العزلة"، لم تصدق المرأة بعلها.
وكان على ماركيز أن يواجه إثر خروجه من عزلة اختيارية قضاها رهين غرفة بعيدة عن ضوضاء العالم وصخبه أن يسدد ديون الجزار والخباز وإيجارا تراكم عليه وفشلت كل محاولات التدبير المنزلية في تسديده. لكن خروج القصة إلى النور خفف كثيرا من حدة الألم النفسي التي نكَّصت علي ماركيز أيام وحدته. فقد شقت له هذه الرواية طريقا في بحر الشهرة يبسا، ومكنت الرجل من تسنم أعلى القمم الأدبية بنيله جائزتين أدبيتين يسيل لهما لعاب كل أديب. فنال الرجل جائزتي روميلو جاليجوس وجائزة نوبل للأدب عن جدارة واستحقاق. ونال شهرة عالمية واسعة بعد أن تعرض أدبه الليبرالي (الذي غرس بذوره في أعماقه جده الجنرال الذي كان يدافع عن الحريات ولا تأخذه في الحق لومة لائم من إرباب السياسة الكولومبية) لمئات المقالات النقدية بكافة الأحرف الكونية.
لكن ما يؤخذ على جابرييل الذي لم يستسلم قلمه العنيد لاثني عشر ألف دولار من الديون أنه غض طرفه عن أفعال صديقه الحميم فيديل كاسترو الذي ارتكب مآس بالغة القسوة في حق الإنسانية، بل واعتبره صديقا يُستنصح، فكان يعرض عليه مقالاته قبل أن ينشرها ويستمع إلى ملاحظاته الأدبية بكل توق، ويعيد صياغة أفكاره لتتماهى مع أفكار الديكتاتور الكوبي. لكن أحدا لا يستطيع أن يجزم أن ما فعله الرجل كان ضريبة ولاء دفعها الكاتب عن طيب خاطر لرجل أغرق ستوكهولم بألف وخمسمئة زجاجة من الخمر فور حصول صديقه على جائزة نوبل للأدب عام 1982.
للكاتب الحق أن يصاحب من يشاء من الدكتاتوريين، لكن من حق قرائه عليه أن يدافع عن مظالمهم بمداد يسبق ألسنتهم ويعلو فوق هتافاتهم. من حق الناس على سفراء الكلمات أن ينوبوا عن آلامهم ويترجموا مآسيهم، ولا يبادلوا زجاجات الروم المسكرة بزجاجات دماء لزجة تسيل على محيط البلاد من أقصاها إلى أقصاها. ومن حق البلاد على أصحاب الرأي فيها أن يزرعوا كلماتهم الصادقة في باحات الميادين وساحات الحكام دون أن تأخذهم في الحق لومة فاجر أو عتاب رفيق. فالكلمة أمانة عند حاملي الأقلام لابد وأن يستردها أهل البلاد وقت الحاجة. والصمت عند الحاكم الظالم خيانة وعند أهل الباطل من المعارضين ممالأة للباطل لا يستحق صاحبها الانحناء حتى وإن لُف حول جيده أنواط التكريم من كافة العواصم.
مع انحسار ثورتنا الكوبية الملهمة، حملت الصحوة هوام الكتاب على قشرتها ورمت بهم فوق مستنقع جرائد رخيصة تهدف إلى التهييج والإثارة والتصفيق وإن على حساب الفكرة والانتماء والحقيقة. وتحول بغاث الكتاب إلى فريقين متخاصمين يمجد أحدهما رئيس البلاد ويمتدح أفعاله التي لم تُختبر، وفي الجهة الأخرى من الجهالة وقف فريق من الكتاب يقدح الأفعال ويحاسب على النوايا وما حوت الصدور. وبينهما انقسم الشعب إلى ضدين لا يلتقيان وخصمين لا يعرف خصومتَهما شرف. بينما اعتكف فريق ثالث وانطوى على ذاته إيثارا للسلامة وتجنبا لأسلاك النقد الشائكة وصونا للذات من التجريح أو التعديل. فسلكوا سبيل ماركيز الذي أنسته نشوة الجائزة وصداقة الديكتاتور ذات يوم حقوق المطحونين واستغاثات الملهوفين من أبناء وطن يتعرض للذبح من الوريد إلى الوريد.
لكن عزلة ماركيز الاختيارية التي أسهمت في ارتقائه أعلى منصات الأدب، فنصبته كأول كولومبي يحصل على جائزة نوبل ورابع من يحصل عليها من بين روائيي أمريكا اللاتينية، إلا أنها باعدت بينه وبين منصات الحقيقة، رغم ميله للاعتماد على أدب الواقع في رواياته. وها هو اليوم جابرييل جارسيا ماركيز يعود اليوم إلى عزلته بعد أن بلغ 85 عاما من حياة حافلة بمئات المعازل، لكنه يعود إليها اليوم مرغما بعد أن أصيب بخرف الشيخوخة الذي حال بينه وبين تمييز أقرب الأصوات إليه. يجلس الرجل اليوم مرغما على كرسي الحياة غير المتحرك في انتظار وعي جديد تاه عنه يوم تخلى طواعية عن منصة كانت أحوج ما تكون إلى كلماته، لكن المؤكد أن الرجل لن يعود من عزلته هذه المرة، لأن الوعي الذي يتخلى الكاتب عنه مختارا ذات إغراء لا يعود أبدا على بغلة عمر وخطه المشيب وفارقه الوعي إلى غير رجعة.
أديب مصري مقيم بالإمارات
هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.