طالما طالبت مؤسسات حكومية وباحثون وإعلاميون في مصر بتجديد الخطاب الديني، لكن لماذا لا يحظى هذا المفهوم باتفاق، ولا سيما في قضايا مجتمعية خلافية مرتبطة بالدين؟ ومن هذه القضايا: ولاية الرجل على المرأة والمساواة بين المرأة والرجل في الميراث وزواج القاصرات فضلا عن بروز دعوات للتخلي عن أحاديث النبي محمد والاكتفاء بالقرآن عند استنباط الأحكام الشرعية وغيرها. وفي مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، خلال مؤتمر الشباب الذي انعقد بشرم الشيخ، تحدث الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، عن ضرورة تجديد الخطاب الديني، قائلا: “تصحيح الخطاب الديني أحد أهم المطالب، التي نرى أننا بحاجة إليها، في مصر والعالم الإسلامي على الإطلاق”. كما دعا علماء الدين المسلمين إلى البحث في فكرة عدم الاعتداد بطلاق الزوج لزوجته شفهيا، وذلك كوسيلة لعلاج مشكلة تزايد حالات الطلاق في مصر، لكن الأزهر رفض الفكرة وأكد على أن الطلاق الشفهي يعتد به. في ذكرى مولد النبي محمد في العشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ألقى شيخ الأزهر كلمة في الاحتفال الرسمي بهذه المناسبة، هاجم فيها من دعوا للتخلي عن السنة النبوية والاكتفاء بما جاء في القرآن من نصوص وأحكام. وأكد الطيب أن المسلمين أجمعوا على “ضرورة بقاء السنة إلى جوار القرآن جنبا إلى جنب، وإلا ضاع ثلاثة أرباع الدين”. وفي كلمة للسيسي في المناسبة ذاتها علق قائلا: “الإشكالية الموجودة في عالمنا الاسلامي حاليا ليس في اتباعنا لسنة النبي محمد من عدمه، لكن المشكلة الحقيقية هي القراءة الخاطئة لأصول ديننا”. وتساءل السيسي عن من أساء أكثر للدين الإسلامي؟ أهم من دعوا إلى التخلي عن سنة النبي محمد، والاكتفاء بما جاء في نصوص القرآن فقط، “أم الإساءة الناتجة عن الفهم الخاطئ والتطرف الشديد، التي أسات لسمعة المسلمين في العالم”؟ وعلق سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، في وقت لاحق على مسألة استبعاد السنة النبوية، قائلا إن: “الأحاديث المروية يتعارض بعضها مع بعض”. وأضاف: “حينما يكون كل حديث يقابله حديث، وكل تفسير يقابله تفسير آخر، فعلينا أن نختار ما يناسبنا في عصرنا، ونعيش مستقبلنا وحضارة العصر، لكي لا نكون أقل من أوروبا، واليابان والصين، الذين عرفوا كيف يديرون بلادهم بأريحية، دون الاتجار بالدين”. “مفهوم فضفاض“ وعن تجديد الخطاب الديني، يقول الدكتور عبد التواب سيد، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، لبي بي سي، إن هذا المصطلح يعني “مخاطبة الجمهور بلغة العصر، وتطبيق الأحكام الشرعية بما اصطلح عليه الناس الآن”. ويضيف: “التجديد هو تجديد في اللغة والأسلوب، وتجديد في الفتوى، لأن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان، وبما يناسب العصر”. وتابع: “الأحكام لا تتغير، وإنما الفتوى أو طريقة تطبيق الأحكام هو ما يتغير”. بينما يرى الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقة المقارن بجامعة الأزهر، أن المصطلح الصحيح هو “تجديد الخطاب الإسلامي، ومعناه تجديد فهم العلماء للقرآن والسنة الصحيحة”. وقال كريمة لبي بي سي: “التجديد يتناول فهم المستحدثات، والمستجدات والنوازل في قضايا معاصرة، سواء كانت فكرية أو عملية أو فقهيه، لكنه لا يتناول أبدا القطعيات والمسلمات الشرعية”. لكن هناك مفهوما “أكثر تحررا” لتجديد الخطاب الديني، يتبناه الدكتور سعد الدين الهلالي، الذي يقول إن: “الفقهاء أو القائمين على الخطاب الديني يظنون أن الفقه دين، والحقيقة أن الفقه رأي بشري ينسب لصاحبه، وهو مقدم كخدمة منه، وليس للإلزام بالضرورة”. ويشير الهلالي إلى تغير كبير، طرأ على آراء الفقهاء في الحكم الشرعي على بعض المسائل، مثل خروج المرأة للعمل، وتوليها الوظائف العامة بما فيها رئاسة الدولة، وقبول شهادتها معادلة لشهادة الرجل، وغير ذلك. وكتب الهلالي في مقال بصحيفة الأهرام: “يبدو أن دعوات السيسي لإصلاح الخطاب الديني لم تصل إلى قاعدته”، وجرى الاكتفاء بإقصاء أصحاب الخطاب “المسيئ للوحدة الوطنية” عن المشهد الإعلامي”حتى لا تظهر أفكارهم الرجعية”. وأضاف: “ولا يجب أن يحتكر إصلاح الخطاب الديني، طائفة ولا جماعة ولا مؤسسة”. بينما يرى الدكتور أحمد كريمة أن “قضية تجديد الخطاب الديني لا يجب أن تطرح على الجمهور عبر منابر الإعلام، وإنما مكانها قاعات البحث، بين الفقهاء والعلماء المتخصصين”. ويقول الإمام أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في لقاء تلفزيوني عن تجديد الخطاب الديني: “كلنا مقصرون وخائفون من التجديد، هناك من هو خائف من أتباعه، وآخر يخاف من الجمهور، وآخر يخشى من المسؤولية أمام الله يوم القيامة”. وأضاف: “هناك مثبطات كثيرة. لكن يجب أن نضرب عرض الحائط بكل ذلك، وننزل إلى أرض الواقع ونرى واقع الناس، لأن الشريعة جاءت لإسعاد الناس”. وتابع: “لا بد أن نقدم الشريعة التي تسعد الناس، في ضوء ضوابط ما جاء به النص الصريح والنص القاطع وضوابط المقاصد العليا للشريعة، والضوابط الأخلاقية التي جاءت بها الشريعة”. وفي النهاية، تبقى مسألة تحديد النص الصريح والقاطع أو ما يسميه الفقهاء ما هو “قطعي الثبوت قطعي الدلالة”، والنصوص الأخرى القابلة للتأويل، نقطة الخلاف.