مما ابتليت به الدعوة الإسلامية في السنوات الأخيرة تقدم الجهلاء وأنصاف العلماء الذين لا يعرفون صحيح الدين الإسلامي ومع ذلك يتصدرون المشهد الدعوي في الفضائيات, تارة لوعظ الناس ودعوتهم إلي الله, وأخري للإفتاء والرد علي تساؤلاتهم, وكانت النتيجة أن خرجت العديد من الفتاوي الغريبة التي لا تتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية, ونظرا لأن هؤلاء يخاطبون العامة من خلال وسائل الإعلام والمنابر العامة, فانتشرت تلك الفتاوي بين عامة الناس وأصبحت تشكل نوعا من التشويش علي الأفكار والمعتقدات الراسخة لدي الناس. الدكتور عبدالفتاح إدريس رئيس قسم الفقه المقارن جامعة الأزهر يقول: أخطر ما تعاني منه الدعوة الإسلامية في الوقت الحالي يتمثل في الخلاف الشديد والتعصب الأعمي بين من يقومون بها, فكل طرف يتحيز لرأيه ويراه الصواب ويسفه رأي الطرف الآخر, وهذا يؤدي إلي تشتيت الأفكار والمعتقدات ويصيب الناس بالحيرة لموقف الدعاة وعلماء الدين من بعضهم البعض, ويؤكد إدريس أن التعددية الفقهية ضرورة شرعية لأن الدين الإسلامي جاء لجميع الناس ويناسب كل العصور والمجتمعات وما يصلح لمجتمع قد لا يصلح لآخر, وما يناسب شخصا قد لا يناسب آخر, فالإسلام يدعو للاجتهاد ويؤمن المجتهد, وهذا يتطلب احترام الرأي طالما لم يكن مخالفا لأحكام القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. ويلفت د. إدريس إلي مسألة أخري لا تقل خطرا عن فوضي الفتاوي, وهي التناقض في الآراء في المسألة الواحدة بين من يتصدون للفتوي, فنجد مثلا رأيا لمن يقدم تلك الفتاوي يناقض رأي شخص آخر حول القضية نفسها في فضائية أخري, وكل منهم يكيل الاتهامات للآخر ويصفه بالجهل والبعد عن الدين, وهنا يقف الشخص العادي حائرا بين تناقض تلك الفتاوي, وهذا يصيب المجتمع بالهوس الديني, والمؤكد أن الاختلاف في الفتوي وارد بين العلماء المتخصصين لكن كل منهم لا يهاجم الآخر ولا ينكر عليه ما يقول لأنهم يدركون مقولة الإمام الشافعي رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب, هذا بالإضافة إلي أن إجماع العلماء علي قضية معينة لا يمنع الاجتهاد فيها وفقا للضوابط المحددة, وهنا نحذر من الاصطدام في المسائل والخلافات الفقهية طالما أنها مسائل فقهية وليست نصوصا شرعية, فالحكم الشرعي دائم ولا يتغير, لكن الحكم الفقهي يتغير, وهذا ليس تناقضا ولا تذبذبا. وأشار إدريس إلي أن هناك الكثير من القضايا والمفاهيم التي تغيب عمن يتصدون للدعوة الإسلامية فيقعون في هذه الحالة التي قد تصل أحيانا لتكفير من يختلفون معهم في الرأي, وهنا نقول لهم إن هناك فرقا بين مفهوم الحكم الشرعي ومفهوم الحكم الفقهي, فالحكم الشرعي هو خطاب الله عز وجل المتعلق بأفعال المكلفين بما فيه من أمر ونهي وتخيير ويراعي في الوقت نفسه الأوضاع التي يكون عليها الإنسان ولا يوجد أي حكم شرعي لا يراعي تلك الأوضاع, والفقيه هو الوحيد الذي يستنبط الحكم الفقهي من الحكم الشرعي, وعليه فيجيب أن يأتي بالحكم في المسائل الدينية التي تعرض عليه طبقا لحالة السائل وظروفه, فالحكم الذي يتفق مع شخص قد يختلف مع آخر, وهذا لابد أن يكون واضحا أمام المخالفين له حتي لا ينتقدوا هذا الحكم. كما طالب الدعاة بنقل أقوال الفقهاء عند الحكم في المسائل وعدم الإفتاء برأي واحد وضرورة توسيع دائرة الفهم وعليهم ألا يقولوا حكم الدين في هذه القضية كذا, لكن الصحيح عند التصدي للقضايا أن يكون ردهم أقوال الفقهاء في هذه القضية كذا, وطالما أن الفقهاء تختلف قدراتهم ودرجاتهم فإننا هنا نجد اختلافا في الأحكام بين الفقهاء, وهذه قضية إيجابية وتعد رحمة للمسلمين طالما أن الذي يتصدي للفتوي من رجال الدين ويستنبط الأحكام طبقا لمعايير وقواعد وليست بعشوائية, فالدين الإسلامي دين عالمي وليس لقبيلة أو فئة محددة.