حديدة (اليمن): اندلعت حرب شوارع للمرّة الأولى، الأحد، في حيّ سكني في شرق الحديدة اليمنيّة بعدما تمكّنت القوّات الموالية للحكومة من دخوله في خضمّ معارك عنيفة مع المتمرّدين، في المدينة التي تضم ميناء يشكّل شريان حياة لملايين السكّان، في وقت دعت الولاياتالمتحدة إلى وقف الأعمال القتالية. وأبدت منظّمات إنسانيّة مرارًا خشيتها من سقوط ضحايا مدنيّين في هجوم الحديدة. ودعا وزير الخارجيّة الأميركي، مايك بومبيو، خلال اتّصال هاتفي مع وليّ العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، الأحد، إلى "وقف القتال" في اليمن وإلى أن "يأتي جميع الأطراف إلى الطاولة من أجل التفاوض على حل سياسي للنزاع"، بحسب ما قالت المتحدّثة باسم الخارجية الأميركية هيذر نويرت في بيان. وقالت مروة التي تسكن في جنوبالمدينة إنّ أصوات الاشتباكات والانفجارات لم تتوقّف طوال الليل، وقد تكثّفت منذ صباح الأحد. وأوضحت مروة التي طلبت تغيير اسمها خوفًا من الملاحقة "تمّ إسعاف ثلاثة من جيراننا خلال نهاية الأسبوع (الجمعة والسبت) بعدما أصيبوا بشظايا"، مضيفةً "نحن متعبون جدًا. الوضع غير آمن، ولم نعد نملك المال". وتابعت "هذه المرّة، لا يقدر أحد على المغادرة. لا نستطيع تحمّل تكاليف ذلك والوضع خطير جدًا". منذ 2014، تخضع مدينة الحديدة لسيطرة المتمرّدين، وتحاول القوات الحكومية بدعم من تحالف عسكري تقوده السعودية استعادتها منذ حزيران/يونيو الماضي بهدف السيطرة خصوصاً على مينائها الاستراتيجي. واشتدّت المواجهات في الحديدة في الأوّل من تشرين الثاني/نوفمبر، ونجحت القوات الموالية للحكومة، الخميس الماضي، في اختراق دفاعات المتمرّدين والتوغل في شرق وجنوبالمدينة المطلة على البحر الأحمر. وقالت منسّقة عمليّات منظمة "سيف ذي تشيلدرن" في مدينة الحديدة، مريم الدوغاني، إنّ "القتال مستمرّ، والوضع صعب جدًا. هناك خوف كبير بين السكان". وقُتل في هذه المعارك 443 مقاتلاً من الطرفين غالبيتهم متمرّدون، بينهم 43 حوثيًا و18 جنديًا في القوات الموالية للحكومة لقوا مصرعهم في الساعات ال24 الأخيرة، بحسب مصادر طبية وعسكرية. وقال مسؤولون عسكريّون في القوات الموالية للحكومة، الأحد، إنّ هذه القوات عملت الأحد على "تطهير" المناطق السكنية التي دخلتها في شرق المدينة من المتمردين الحوثيين. وهذه المرّة الأولى، التي تندلع فيها معارك في حيّ سكني في مدينة الحديدة منذ بداية العملية العسكرية على ساحل البحر الأحمر. ويقع حيّ 22 مايو السكني جنوب مستشفى "22 مايو"، الأكبر في المدينة والذي سيطرت عليه القوات الموالية للحكومة، السبت، وشمال طريق سريع رئيسي يربط وسط المدينة الساحلية بالعاصمة صنعاء. وفي الحيّ، سوقٌ كبير للخضار والفواكه تسعى القوات الحكومية إلى السيطرة عليه، كما أنّه يقع قرب حيّ آخر يُطلق عليه اسم "سبعة يوليو" ويمثّل معقل المتمردين الرئيسي في المدينة. في جنوب غرب المدينة، اشتدّت مساء الأحد المعارك مع سعي القوّات الحكوميّة إلى التقدّم على الطريق الساحلي شمالاً نحو الميناء، حسب المسؤولين العسكريين. ووفقًا للمسؤولين، فإنّ المتمرّدين يستخدمون القنّاصة ويعتمدون على الألغام والقصف المكثّف بقذائف الهاون لوقف تقدّم القوات المهاجمة. وقال سكان إنّ الحوثيين يستخدمون أيضا المدفعية. في المقابل، تشنّ القوات الموالية للحكومة هجماتها بدعم من طائرات ومروحيات التحالف العسكري، خصوصًا الإمارات، الشريك الرئيسي في قيادة التحالف والتي كانت جمعت في بداية العام ثلاث مجموعات عسكرية لمهاجمة الحديدة. وعبرَ ميناء الحديدة تمرّ غالبيّة المساعدات والمواد الغذائية التي يعتمد عليها ملايين السكان للبقاء على قيد الحياة في بلد يواجه نحو نصفه سكانه (27 مليون نسمة) خطر المجاعة، وفق الأممالمتحدة. لكن رغم الهجوم، لا يزال الميناء الخاضع لسيطرة المتمردين يعمل "بشكل طبيعي"، بحسب نائب مديره يحيى شرف الدين. وقال المسؤول "الميناء مفتوح حتى الآن، الجميع هنا ونحن نعمل بشكل طبيعي". بدوره، قال هيرفيه فيرهوسيل، المتحدّث باسم برنامج الأغذية العالمي "على الرّغم من أنّها استهدفت في الأيام الأخيرة بأكثر من 50 صاروخاً فإنّ أهراءات (المرفأ) لم تصب، وعلى ما يبدو نحن لم نخسر شيئاً من مخزوننا الذي يزيد عن 50 ألف طن من القمح". وأوضح المتحدّث أنّ هذه الكمية كافية لإطعام 3,5 ملايين نسمة. بدأت حرب اليمن في 2014 بين المتمرّدين الحوثيين والقوات الموالية للحكومة، ثم تصاعدت مع تدخّل السعودية على رأس تحالف عسكري في آذار/مارس 2015 دعماً للحكومة المعترف بها دولياً بعد سيطرة المتمردين على مناطق واسعة بينها صنعاء. وأبدت مفوضة الأممالمتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، السبت، غضبها إزاء "الخسائر غير المعقولة" نتيجة تصاعد الأعمال القتالية في الحديدة والتي استهدفت سكانا "خائفين للغاية من الجوع" في اليمن. وتهدّد المعركة من أجل السيطرة على الحديدة إمدادات الغذاء لملايين السكان في حال تعطّلت الحركة في ميناء المدينة أو في حال فرضت القوات المهاجمة حصارًا على كلّ مداخل المدينة ومخارجها. وقال نائب مدير الميناء "لا يمكننا أن نتنبّأ بما يمكن أن يحدث في المستقبل، لكن في الوقت الحالي لا يوجد أي إشكال". على وقع التصعيد في الحديدة، أعلن التحالف الذي تقوده الرياض، ليل الجمعة/السبت، أنه طلب من الولاياتالمتحدة وقف عمليات تزويد طائراته بالوقود في الجو، مؤكدا أنه بات قادرا على تأمين ذلك بنفسه. وتزامن التصعيد مع دعوة الولاياتالمتحدة ومبعوث الأممالمتحدة، مارتن غريفيث، إلى إجراء مفاوضات في تشرين الثاني/نوفمبر. لكنّ غريفيث عاد وقال إنّ المفاوضات قد لا تنعقد قبل نهاية العام. والأحد، أكّد وزير الخارجية اليمني، خالد اليماني، المهلة الجديدة لعقد المفاوضات. وقال حسبما نقلت عنه وكالة الأنباء الرسمية "سبأ" إنّ حكومته ملتزمة "بدعم جهود المبعوث الأممي (…) لعقد دورة المشاورات القادمة قبل نهاية العام الحالي". في الرياض، أعلن "وزير" الإعلام في حكومة المتمردين، عبد السلام جابر، انشقاقه عن الحوثيين، في مؤتمر صحافي الأحد، قائلا "شعبنا سيلتحم للخلاص من هذا الظلام"، داعيا إلى "الالتحاق بركب الشرعية"، في إشارة إلى الحكومة المعترف بها دوليا.