سقطت أمطار قليلة على وسط القاهرة قبيل فجر السبت لكنها لم تكن كافية لغسل آثار المعركة التي شهدها ميدان التحرير الرئيسي قبل ساعات بين المحتجين المطالبين بإنهاء حكم الرئيس مبارك وقوات الأمن. وكانت مركبات للجيش بينها مدرعات ودبابات تنتشر في أنحاء الميدان الذي تركزت فيه أغلب الاحتجاجات المتواصلة على مدى أربعة أيام في العاصمة المصرية فضلا عن مدن أخرى في أنحاء البلاد. وتناثرت في أرضية الميدان قطع حجارة وشظايا زجاج وحطام حواجز للشرطة وعدد قليل من السيارات المحترقة احداها مركبة للجيش. لكن المقر الرئيسي للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في مصر كان المبنى الوحيد الذي تندلع فيه النيران على مقربة من الميدان. ويطل المبنى على نهر النيل ولا يفصله عن وسط ميدان التحرير سوى مجمع المتحف المصري الذي انتشرت قوات للجيش حوله وبداخله. وقال شهود إن المحتجين نهبوا محتويات المجمع الذي يضم مقر الحزب الحاكم وبينها أثاث وملفات ورقية قبل أن يضرموا فيه النيران. وخلال احتجاجات يوم الجمعة التي توجت أربعة أيام من المظاهرات المناوئة لحكم مبارك أصبحت مقار الحزب الحاكم في العديد من المدن هدفا لغضب المحتجين الذين اقتحموها أو أضرموا فيها النيران. ويسيطر الحزب على الحياة السياسية في مصر في حين تعاني أحزاب المعارضة من الضعف والتفكك. واكتسح الحزب الانتخابات البرلمانية في وقت سابق هذا العام وحصل على 424 مقعدا من 508 مقاعد في البرلمان. وانسحب حزب الوفد وجماعة الاخوان المسلمين اكبر حركة سياسية معارضة في البلاد من الجولة الثانية احتجاجا على ما اعتبروه تزويرا للانتخابات. وخلال جولة ثلاثة صحفيين ومصور من رويترز في شوارع وسط القاهرة قبيل الفجر كانت مشاهد الحطام ورائحة الدخان أمرا مألوفا. وانتشر شبان يحملون العصي في الشوارع استوقف بعضهم سيارة رويترز ثم سمحوا لها بالمرور بعدما علموا انها تقل صحفيين. ووقف بعض الرجال بعصيهم أمام متاجر لحمايتها بعدما انسحبت قوات الشرطة. وخلال الجولة التي شملت وسط القاهرة واحد شوارع حي شبرا وشارع جامعة الدول العربية بحي المهندسين في الجيزة التي يفصلها نهر النيل عن وسط العاصمة لم تكن هناك مشاهد لأعمال سلب ونهب. وفي شارع شبرا كان جمع من الناس يقفون امام مركز تجاري في حين يجري تحميل اجهزة واثاث على شاحنة متوقفة في منتصف الشارع. ولم يتضح ما اذا كانت عملية نهب ام ان الرجال يعملون في المركز ويحاولون اخلاءه. لكن شاهد عيان قال ان تدميرا واسعا حدث في شارع شهاب المتفرع من شارع جامعة الدول العربية. وقال شاهد آخر ان شارع الهرم السياحي شهد دمارا كبيرا لفنادق وملاه ليلية ومتاجر ومسرح الزعيم الذي تعرض عليه مسرحيات الفنان الكوميدي عادل امام. وفي شارع الجلاء كان حريق يندلع في احد طوابق مجمع المحاكم دون جهود لاخماده. وفي شارع جامعة الدول العربية استوقفت ثلاث سيارات مدنية سيارة اجرة كانت تحمل فوقها ما يبدو انه صندوق من الورق المقوى لثلاجة (براد). واجبر قائدو السيارات سائق السيارة الاجرة على الخروج وطرحوه ارضا وهم ينهرونه ويسألونه عن مصدر حمولة سيارته. وكانت مركبات للجيش تقف غير بعيد. وقرب نهاية الشارع من ناحية حي بولاق الدكرور الشعبي تردد صوت اطلاق اعيرة نارية. ولدى دوران سيارة رويترز للرجوع كانت مركبتان للجيش تتحركان باتجاه صوت اطلاق الاعيرة النارية. وفي ميدان التحرير كان عشرات المحتجين يتناثرون في انحاء الميدان يتبادلون الاحاديث فيما بينهم ويختلطون مع جنود الجيش الذي امر مبارك بنشره لدعم الشرطة. وأبدى جنود الجيش استعدادا أكبر للتواصل مع المحتجين والتسامح معهم بعد أربعة أيام من الاحتجاجات العنيفة التي ذكرت مصادر طبية انها أسفرت عن مقتل 24 شخصا على الاقل واصابة أكثر من ألف في القاهرة والسويس والاسكندرية يوم الجمعة. وقال مبارك في كلمة عبر التلفزيون بعد انتصاف الليلة الماضية انه طلب من الحكومة تقديم استقالتها وتعهد بمواصلة الاصلاح السياسي والاقتصادي في البلاد ومراعاة مصالح الفقراء. وأمر مبارك في وقت سابق بفرض حظر ليلي للتجول في القاهرة والسويس والاسكندرية. لكن قوات الجيش في ميدان التحرير كانت تتسامح مع وجود عشرات المحتجين قبيل الفجر. وسدت مركبات الجيش المدخل الى شارع القصر العيني المؤدي لمبنى البرلمان ورئاسة الوزراء. ونفى المحتجون الذين كان بعضهم يحمل العصي مشاركتهم في أي أعمال سلب ونهب. وقال محتج "نحن خريجو جامعات نريد فرصة عمل وهذه بلدنا نخاف عليها". وأضاف "هم (الحكومة) يشيعون اننا نقوم بهذه الأعمال (السلب والنهب) لكن لا يمكن ان نقوم بالبلطجة والنهب". وقال محتج لرويترز وقد جلس مع زملاء له يستدفئون بنار أوقدوها في بعض قطع الأخشاب "لا يعجبنا النظام. لا نريده. تعبنا (منه)." وأضاف "مطلبنا كان تغيير النظام. الرئيس يمشي". وقال محتج آخر "عايزين خير البلد يبقى لأهلها. عايزين أحد كويس (جيد) يجعلنا نأكل لقمة عيش". ولدى مغادرة سيارة رويترز عاود الشبان التحلق حول النيران طلبا للدفء ولم يتضح بعد ما إذا كانت نيران غضبهم ستخمد بعد كلمة مبارك للمصريين.