يعتقد جميعنا في المال على أنه أهم وأفضل وأروع و أجمل وأحلى أنواع الرزق, لكن ما رأيته أمامي الأسبوع الماضي جعلني أعيد التفكير في هذا الاعتقاد الخاطئ. رأيت رجلاً أقل ما يقال عنه "من علية القوم", فهو يتمتع بمكانه عالية مرموقة في المجتمع, مناصب قيادية عديدة, وضع مادي مريح, أبناء في وظائف مرموقة, حب و امتنان من جميع المحيطين على التفوق و الاجتهاد و النزاهة في العمل, بالإضافة إلى بشاشة الوجه وحسن التعامل ومساعدات للجميع بدون مقابل. وفجأةً وبدون سابق إنذار قضية أخلاقية ملفقة له زوراً من أحد خصومه (الذي كشف هذا الشخص فساده واختلاسه للمال العام), تحقيقات لم تدم أكثر من 4 أيام, ثم قرار بالفصل النهائي من العمل, وانتشار الخبر في جميع وسائل الإعلام. بين عشيةٍ وضحاها أصبح الرجل, الذي تطيب المجالس بذكره, ويهرع إليه الجميع لنيل القرب والرضا, طريداً بلا هوية ولا عمل حتى أنه لا يقدر حتى على الصلاة في المسجد.... يوماً ما سيظهر الله الحق. تخيل نفسك مكانه في هذه اللحظة وأنت تختار بين كل ما تملك وبين سمعتك وسيرتك بين الناس. لك أن تتخيل نفسك و كل مجهوداتك وتضحياتك, إنجازاتك وانتصاراتك, نجاحاتك وإسهاماتك, وكل شيء أصبح كما تصف الآية القرآنية "هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ". في هذه اللحظة تحديداً لن يجدي معك المال في شيء و لن يدخل هذا المال عقل كل شخص عَلِم بالخبر ليجبره على تكذيب مثل هذا الكلام و ألا يتحدث به ويتناقله في مجالس النميمة. هل المال أفضل الآن أم سمعة و سيرة الإنسان؟!! بل دعنا نسأل أيضاً: هل المال أفضل أم الزوجة الصالحة؟!! هل المال أفضل أم الابن البارّ؟!! هل المال أفضل أم إنجاب الأطفال من الأساس؟! هل المال افضل أم الصديق الصالح؟!! هل المال أفضل أم العائلة المتماسكة المتحابة التي يتشرف بها أعضاؤها؟!! هل المال أفضل أم طعام شهيّ بلا شهية؟!! قد تبدو إجابة هذه الأسئلة وما شابهها بديهية ومنطقية لمن لا يملك المال و لكنها صعبة و صعبة جداً بل و مؤلمة إلى حد الحسرة على من يفتقد الطرف الآخر من هذه الاسئلة. المال ليس دائماً أفضل الأرزاق و لكنه مجرد نوع من أنواع الرزق مثل الصحة و الأولاد و الزوجة و الأسرة و العائلة و الأصدقاء و.... أشياء أخري كثيرة لا تُقَدَّر بثمن. حتى إذا تفاوتت نسب حصول كلٍ منا على أنواع الرزق المختلفة, فإن المجموع النهائي لها دائماً "الواحد الصحيح". وفي النهاية تبقي لي كلمة: القناعة هي الكنز المفقود الذي يجب أن يبحث عنه الجميع.