بقلم الكاتب و السينارست والمُعد المصري وائل مصباح المقال الخمسون"الذهبي" هل للثورة المصرية جزء ثاني؟!! ثورة 25 يناير فريدة في نوعها بحيث تتفرد عن كل الثورات والانقلابات بسلميتها وتلقائيتها وتعبيرها عن أغلبية صامتة مقهورة لا تطمع في الحكم ولكن تريد التحرر من الظلم،فما سبق من ثورات شعبية كان هناك فصيل يقودها ويوجهها للوصول للحكم مستغلاً شقاء الجماهير وتطلعها للعدل كثورة إيران والثورة البلشفية،أو انقلاب عسكري عادى أو مدفوع بفكر ايدولوجى كانقلاب يوليو 1952 وغيره في البلاد العربية،أما ما حدث في مصر فهو مختلف وقد انتهى إلى وضع غريب،فجنرالات مبارك حكموا بدون استعداد ولم يكونا بهذا الوضع يحلمون،وخيرونا إما أن يحموا الثورة ويطلبوا عفو الشعب وإما أن يخطفوا الثورة ويسحقوا الشعب،ونسوا أن الوطنية العسكرية لا تعرف التوسط ،فإما أن تكون وطنياً تدافع عن الوطن والشعب وتوجه سلاحك إلى العدو،وإما أن تحكم الشعب الذي أائتمنك على حمايته بسلاحك الذي اشتريته من أمواله،ولذا فإن أي جيش يتولى الحكم هو خائن للشعب!! الشعب المصري الطيب يوم 11 فبراير 2011م حين سقط مبارك وأجبروه على التنحي ظنت كل فئاته أن النظام القديم قد ولي،وأن الدنيا أصبحي بمبي في فوشيا، وكل شيء سيتغير والأمور ستسير على ما يرام،ولكن جنرالات النظام يوم بدأت الثورة وضعت خطة طويلة جداً للتعامل مع المرحلة الانتقالية،وهذه الخطة لها مراحل وخطوات وسياسة معروفة وواضحة جداً لمن يقيس الأحداث والتغيرات بنظر ثاقب،فمنذ اللحظة الأولى والنظام يخطط لقتل المصريين والخلاص منهم ومن ثورتهم،وأهم حلقة في هذا النظام كانت ومازالت وزارة الداخلية بكل مؤسساتها،وبدأ التنفيذ يوم 28 يناير حين فشلوا في إخماد الثورة وفي التخلص من ملايين المصريين الذين خرجوا للشوارع نتيجة فصل الإنترنت وتعطيل شبكات المحمول،كانت أوامر حبيب العادلى بفتح السجون وإطلاق السجناء والقتلة وتجار المخدرات والمسجلين على الناس في الشوارع والبيوت،وفشلت المحاولة بفض وعى الشعب وتكوينه اللجان الشعبية،ويضع إخطبوط الحزب الوطني خطة ما سمى إعلاميا بموقعة الجمل ويفشل أيضا،فكان التفكير في أثارت عواطفنا الجياشة فظهور اللا مبارك يخطب ويستعطف الناس ويضحك عليهم،فاشتد الهتاف بإسقاط النظام وإعدام مبارك وكلابه،ليخرج مبارك مرة أخرى يهدد ويشاكس ويناور ويستعرض قوته كرئيس ويتحدى إرادة الشعب،وبين للجميع أنه لن يرحل أو يهرب. سقط مبارك رغم أنفه،ولكن شياطين الإنس استغلوا هذا لإجهاض الثورة وقتلها، فتم إعلان التنحي إجباريا،وبعد ذلك بدأت خطوات واضحة لنشر الفتن والانقسام بين الشعب المصري الواحد الذي نجح لأول مرة منذ عقود طويلة أن يصمد لمدة 18 يوم ويتحد ويتعاون ويتوحد ويجتمع قلباً وقالباً حول هدف واحد ومطلب واحد يجمع كل المصريين أقباط ومسلمين،فاجتمع المنسبين لمصر خطاً مع الشيطان الذي ألهمهم حرق كنيسة "أطفيح"،ومن بعده تغذية الظهور المخيف للسلفية التي اختفت عن المشهد تماماً طوال فترة الثورة،فبعض السلفيين كانوا أبطال المشهد في حرق وهدم الكنيسة،وفي جلسة الصلح العرفية بين لأقباط والمسلمين بحضور ممثل للسلفيين وممثل للقوات المسلحة،وفشلت أطفيح في إشعال مصر،فكان الاستفتاء هو الحل،وبالفعل نجح الاستفتاء في نشر حالة من الانقسام المخيف،وقد ساهم السلفيون والأخوان فيه بقوة للإقناع "بنعم"،وفشل الاستفتاء في تقسيم المصريين،فكانت كنيسة إمبابة وما تلتها من أحداث،ولما فشلت المحاولات المتعددة بعد ذلك في العباسية وغيرها من المواقع الكثيرة والخطيرة التي تثبت أصالة هذا الشعب العريق وتماسكه. ويقع المجلس العسكري_بصفته السلطة الحاكمة _ في مأزق خطير حين يتعاون مع التيارات الدينية ويمد لها يد العون لمواجهة الثورة و شبابها وكوادرها،لتتم صناعة حالة من الضجيج والفتاوى والمناظرات بين دعاة التيارات الدينية وبين دعاة الليبرالية لاستهلاك جهودهما معاً وصرفهما عن الثورة،ومن يشكك في هذا عليه بتذكر استخدام السلفيين في جمعة استرداد الثورة حين نزلوا الميدان لتخويف الشباب المصري الذي صنع الثورة وكتب سطورها الأولى بدماء طاهرة. وبعد حالة طويلة من السكون جاءت موقعة ماسبيرو وبتحريض رسمي للمسلمين ضد الأقباط على شاشة التليفزيون المصري،وفشلت أيضا هذه الحيلة رغم بشاعة ما حدث فيها،فكان التفكير في نشر الفتنة بين القضاة والمحامين،وبكل أسف يقعا فيها،لتصل إلى الذروة في المعركة الرئاسة بين أحمد شفيق ومحمد مرسى، ولكن كان ومازل للوطن رباً يحميه. لقد تعلمنا خلال الفترة العصيبة الماضية أن الثورة لا تقوم في الوقت الذي يحدده لها الناس ولا حتى بالطريقة التي يرسمها لها الناس،كل ما يستطيع أن يفعله الناس هو الحشد و التعبئة و التنوير و التوافق و الرصد و المتابعة و هذه القائمة الطويلة من أعمال ما قبل الثورة،أما موعد قيام الثورة نفسها،فسيظل في رحم الغيب،و لعلنا لم نسمع في التاريخ بثورة واحدة اندلعت على دفعتين،لأنها مثل حالة الولادة،فلا تقع الولادة الثانية لها في الزمن الذي نريده مهما كانت قوة رغبتنا في الإنجاب،وهذا هو القدر الذي وجدت مصرنا الحبيبة نفسها فيه،والمطلوب مننا جميعا العمل على تهيئة الأجواء لاستكمال الجزء الثاني من ثورتنا المجيدة في وقت لا يعلمه إلا الله . إلى اللقاء في المقال الحادي والخمسون مع تحيات فيلسوف الثورة وائل مصباح عبد المحسن [email protected]