بشرى سارة.. وظائف خالية بهيئة مواني البحر الأحمر    السفن الملوثة في موانئ بريطانيا.. أسوأ من ملايين السيارات    «حياة كريمة» تُضيء مسار الطلاب في جامعة بني سويف بمبادرة وى سابورت    «الغد»: نؤيد طلب الجنائية الدولية وننتظر قرار المحكمة بهذا الشأن    كوكا والدبيس ينافسان كريم فؤاد على قيادة الجبهة اليسرى للأهلي ضد الترجي    انفراد| أول صورة لإحدى السيدات بعد تعرضها للدهس من عباس أبو الحسن    النائب محمد زين الدين: مشروع قانون المستريح الإلكترونى يغلظ العقوبة    إصابة 8 أشخاص في تصادم ميكروباص بسيارة نقل ب «طريق مصر- أسوان الزراعي»    «القراء» تنفي تجميد عضوية السلكاوي.. وحشاد: النقابة تبحث مصيره    نصائح لتعامل طالب الثانوية العامة مع موجات الطقس الحارة    رياضة النواب تطالب بحل إشكالية عدم إشهار 22 ناديا شعبيا بالإسكندرية    المصريين الأحرار بالسويس يعقد اجتماعاً لمناقشة خطة العمل للمرحلة القادمة    رايان رينولدز يتصدر إيرادات السينما العالمية بفيلم الأصدقاء الخياليين - IF ويحقق 59 مليون دولار    التربية النوعية بطنطا تنظم ملتقى التوظيف الثالث للطلاب والخريجين    أخبار الأهلي : أحمد الطيب عن لاعب الأهلي : هاتوه لو مش عاوزينه وهتتفرجوا عليه بنسخة زملكاوية    إسبانيا تستدعي السفير الأرجنتيني في مدريد بعد هجوم ميلي على حكومة سانشيز    أحمد موسى عن تحطم مروحية الرئيس الإيراني: محدش عارف الحقيقية -(فيديو)    النجمة ديمي مور تخطف الأنظار في فعاليات اليوم السادس لمهرجان كان السينمائي    جنوب أفريقيا ترحب بإعلان "الجنائية" طلب إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو وجالانت    الرياضية: جاتوزو يوافق على تدريب التعاون السعودي    تكريم نيللي كريم ومدحت العدل وطه دسوقي من الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية    لحرق الدهون- 6 مشروبات تناولها في الصيف    وزير الرى: اتخاذ إجراءات أحادية عند إدارة المياه المشتركة يؤدي للتوترات الإقليمية    أحمد الطاهري: مصرع الرئيس الإيراني هو الخبر الرئيسي خلال الساعات الماضية    وزير العدل: رحيل فتحي سرور خسارة فادحة لمصر (فيديو وصور)    ليفربول يعلن رسميًا تعيين آرني سلوت لخلافة يورجن كلوب    مدبولي: الجامعات التكنولوجية تربط الدراسة بالتدريب والتأهيل وفق متطلبات سوق العمل    وكيل صحة الشرقية يتفقد أعمال التطوير بمستشفى سنهوت التخصصي    انقسام كبير داخل برشلونة بسبب تشافي    تراجع المؤشر الرئيسي للبورصة بختام تعاملات جلسة الإثنين    حجز شقق الإسكان المتميز.. ننشر أسماء الفائزين في قرعة وحدات العبور الجديدة    الأوبرا تحتفل بالذكرى ال42 لتحرير سيناء    "اليوم السابع" تحصد 7 جوائز فى مسابقة الصحافة المصرية بنقابة الصحفيين    تحرير 174 محضرًا للمحال المخالفة لقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    الشرطة الصينية: مقتل شخصين وإصابة 10 آخرين إثر حادث طعن بمدرسة جنوبى البلاد    قائمة الأرجنتين المبدئية - عائد و5 وجوه جديدة في كوبا أمريكا    محافظ دمياط تستقبل نائب مدير برنامج الأغذية العالمى بمصر لبحث التعاون    بدأ العد التنازلي.. موعد غرة شهر ذي الحجة وعيد الأضحى 2024    حكم شراء صك الأضحية بالتقسيط.. الإفتاء توضح    الصحة تضع ضوابط جديدة لصرف المستحقات المالية للأطباء    المالديف تدعو دول العالم للانضمام إلى قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل    تراجع ناتج قطاع التشييد في إيطاليا خلال مارس الماضي    تأجيل محاكمة طبيب بتهمة تحويل عيادته إلى وكر لعمليات الإجهاض بالجيزة (صور)    محافظ كفرالشيخ يعلن بدء العمل في إنشاء الحملة الميكانيكية الجديدة بدسوق    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    العمل: ندوة للتوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية ودور الوزارة فى مواجهتها بسوهاج    إيتمار بن غفير يهدد نتنياهو: إما أن تختار طريقي أو طريق جانتس وجالانت    وزيرة الهجرة: الحضارة المصرية علمت العالم كل ما هو إنساني ومتحضر    ليفربول ومانشستر يونايتد أبرزهم.. صراع إنجليزي للتعاقد مع مرموش    تأجيل محاكمة رجل أعمال لاتهامه بالشروع في قتل طليقته ونجله في التجمع الخامس    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    10 ملايين في 24 ساعة.. ضربة أمنية لتجار العملة الصعبة    أسرته أحيت الذكرى الثالثة.. ماذا قال سمير غانم عن الموت وسبب خلافه مع جورج؟(صور)    عواد: لا يوجد اتفاق حتى الآن على تمديد تعاقدي.. وألعب منذ يناير تحت ضغط كبير    ماذا نعرف عن وزير خارجية إيران بعد مصرعه على طائرة رئيسي؟    خلاف في المؤتمر الصحفي بعد تتويج الزمالك بالكونفدرالية بسبب أحمد مجدي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة والطبقة الحاگمة
نشر في الأهالي يوم 18 - 05 - 2011

ليست القضية مخالفات قانونية بل هي جماعة قادت الوطن لحافة الخراب
ماذا تخبئ لنا الأقدار؟ هل خرجنا من حفرة لنقع في نقرة؟ هل تخلصنا من ديكتاتور لنقع في براثن فاشية؟ هل اجتزنا حقبة ستين عاما مضت لنسقط في قبضة تتجاوز ألفي عام ولت؟ هل أزحنا كابوس من فرضوا أنفسهم علينا سادة، لنغرق في لجة أيام جاهلية قبلية أشد حلكة من ابل بهيم، تخضع لسادة جدد يزعمون لأنفسهم وحدهم حق تمثيل الله في أرضه وعلي عباده؟ هل انتهت حياة البشر، وتأجل حكم السماء أن ثوابا أو عقابا، وحل يوم الحساب الآن، وعلي الأرض، وبأيدي بشر، يتمتعون بقدر عال من التعالي والانغلاق، ولهم معايير خاصة بهم تكفيرية، عنصرية، إرهابية، تدين الجميع وتسود الزجر والنهر والبطش، وتحيل الدنيا ظلاما في ظلام، وكأن الديانات ما جا ءت، والرسالات ما نزلت، وكأننا ما غادرنا الكهف بعد.
هل قامت الثورة لينفرد أعداؤها بثمارها، ويلتحفون ديمقراطيتها التي لم يؤمنوا البتة بها، ولا يقرون بوجودها، ويسخرون منها، ويهتفون ضدها، ويحيلون ممارستها إلي فوضي عارمة، ويهددون دور العبادة، إسلامية، ومسيحية، ويعتدون عليها، حرقا وتدميرا للكنائس، وهدما للأضرحة، واستيلاء علي إمامة الجوامع بالعنف والبلطجة، لقد عاشوا سنوات مبارك الأخيرة كفريق عمل لحمايته، والإفتاء بكفر كل من يثور ضده، وهم مازالوا أمناء علي عهدهم له، استكمالا لمؤامرة الفتنة الطائفية علي أكثر من محور، وترويع أبناء مصر وتأديبهم لخروجهم علي طاعة ولي الأمر وولي نعمهم أليس غريبا أن تؤدي ثورة قامت بها الملايين إلي تمكين عدد من السلفيين الإرهابيين من هذه الثورة؟ وهل يا تري تضاف تلك العجيبة إلي مفاجآت الثورة المصرية وغرائبها؟
هل قامت الثورة ليقطع أحدهم أذن الآخر طبقا لقانون خاص يجعل من القاطع صاحب حق في توجيه الاتهام وإصدار الحكم وتنفيذه، ومن فعل كل ذلك الجرم لا يردعه أو يحاكمه أو يدينه قانون، بل ربما حظي بالشكر والتقدير لأنه كان رحيما فلم يجز رقبة صاحب الأذن في إطار تسوية عرفية، هي في الحقيقة جريمة أخري، لأن مثل تلك الأساليب في مثل تلك الأوقات إنما هي أشكال تضفي علي الجريمة شرعيتها، ويظهر القانون الحقيقي هنا وقد سبل جفنيه وأرخي رمشيه وغض البصر حياء، ففسحنا الطريق أمام القانون الفعلي الجديد لما بعد الثورة، وعلي الأغبياء الذين يعتقدون أنهم أذكياء، أن يفهموا ويعوا، أن زمن القطع قد جاء، أو أن إشارته مازالت خضراء، فقطعوا طريق السكك الحديدية من قنا إلي أسوان والطريق البري الرئيسي، لأن محافظ قنا الجديد نصراني، وكان ذلك بمثابة إعلان مدو للعالم أجمع عما آلت إليه حضارة سبعة آلاف عام، وعن القدر الذي بلغته سماحة المتعصبين والمتشددين، وأنا بالمناسبة أرفض تماما كل المحافظين الجدد، لا لدياناتهم ولكن لأنهم جاءوا بنفس النهج السابق، وبنفس المعايير السابقة، وتلك أيضا من غرائب الثورة، تمسكها بكل ما هو قديم قامت للتخلص منه، لكنني أبدا ما كنت أقطع الطريق الحديدي أو الصحراوي، أو آذان من لا أقبل بهم.
غزوة سلفية
والعجيب أن يحدثنا ولاة الأمر علينا، عن مسئولية الثورة في التأثير علي السياحة وجذب المستثمرين، ولا يحدثوننا أبدا عن تأثير قطع السكك الحديدية علي مدن سياحية رئيسية مثل الأقصر وقنا وإدفو وأسوان، أو قطع آذان المواطنين لأسباب دينية، علي جذب السياحة والاستثمار وهل يشجعها ذلك ويحفزها أم لا؟
هل قامت الثورة لتحرق كنيسة قرية صول - مركز أطفيح، ولتحرق بيوت بعض المواطنين النصرانيين، في غزوة مضرية سلفية؟ وعندما يتم بناؤها من جديد، يتم طبقا لشرعية جديدة ومرجعية جديدة تقوم علي سماحة الشباب المسلم، تحت ريادة وقيادة سلفية، لا علي أساس الحق الدستوري القانوني لمواطنين مصريين، في حرية ممارسة عقائدهم الدينية في دور عبادة خاصة بهم، يحدث ذلك وكأن المسيحيين قد غدوا أسري في وطنهم، وأن ما يحصلون عليه، ليس بحق المواطنة، لكنه فضل من أبطال غزوة أطفيح، الذي جري تكريمهم وتقديرهم لما حرقوا ولما هدموا ولما أشاعوا من فزع ورعب.
وانتقل الغزاة، من نصر إلي نصر، من غزوة الجمل، إلي غزوة أطفيح، إلي غزوة الصناديق إلي غزوات الأضرحة، إلي الغزوات الأسبوعية تحت رايات «أختنا كاميليا» إلي غزوة مسجد النور وغزوات مساجد أخري كبري، إلي غزوة كنائس إمبابة تحريرا «لأختنا الفاضلة عبير»، ومازالت هناك قائمة بأخوات فاضلات أخريات والانتصارات تتوالي، هل يمكن لأحد أن يتخيل مصير مصر كلها إن تواصلت تلك الأمجاد، لتطل بالاستيلاء علي كل البلاد والعباد وتحويلها إلي أفغانستان أخري خارج الزمن، وخارج التاريخ، لا علاقة لها بدين حقيقي، أو حضارة حقيقية، أو مصر التي في خاطري وفي دمي.
ومازال البعض يحدثنا عن أن كل تلك أفعال فردية وليست سياقا متصلا، ومازال البعض يحدثنا عن التسامح والعدالة والأمن بلا حدود في ظل حكم الديني كما يراه هو.
هل قامت الثورة ليصبح التلفاز أسوأ مما كان، ليتحول إلي منبر للتيارات الدينية وخاصة قادة الإخوان المسلمين ترويجا لحزبهم الجديد، وتأكيدا لديمقراطيتهم التي يمارسونها ليل نهار ويحلمون بتطبيقها علي الشعب كله، والتي لم يكفوا أبدا عن النضال والتضحية من أجلها طوال حياتهم، كذا كفاحهم من أجل العدالة الاجتماعية والتي لم تفارق برامجهم الثورية منذ ما ينيف علي ثمانين عاما، طوال نضالهم جنبا إلي جنب مع الملك فؤاد ثم فاروق، وصدقي باشا، والنقراشي باشا «وقتله»، وعبدالناصر «ومحاولة قتله» والسادات «وقتله علي يد فصيل من أبنائهم»، ومع مبارك بين الحين والحين، طوال حياتهم التصقوا بالسلطة، كانوا هراوتها الغليظة علي خصومها، وخاصة اليساريين كان قادتهم علي الدوام جزءا لا يتجزأ من نسيج الطبقة الحاكمة، القديمة والجديدة، وهي قد حددت لهم دورهم كقبضة باطشة لها، فإن تجاسروا علي المزيد، وحاولوا الانتقال من حالة الكمون إلي حالة التمكن، إن طمعوا في حكم الطبقة والتحول من قبضتها إلي سيادتها، أوقعت بهم العقاب، ونكلت بهم لتذكرهم بحدودهم ودورهم لكنهم أبدا لم يتعلموا أو يدركوا.
تسخير الديمقراطية
والسؤال الذي يدوي في رأسي، هل تخلي قادة الإخوان حقا عن نيابتهم للسماء فوق الأرض؟ هل غدوا أخيرا وفجأة ديمقراطيين يؤمنون بتبادل السلطة؟ هل يمكن حقا أن يتخلوا عن تكليف السماء لهم بحكم الأرض، من أجل أسمي الغايات، لبشر يغوصون في الفساد، باسم مقولة أرضية، تدعي الديمقراطية تطيح بهم، وتجيء بأهل جهنم؟ إنهم حزب الله، وسبحانه كرمهم بأن سخر الديمقراطية لهم فجاءت لهم بالسلطة فهل يفرطون فيها لأحزاب الشيطان؟ يقينا أن جاء قادة الإخوان إلي الحكم، فإن كل حديث عن الديمقراطية سوف يكون مجرد لغو وهراء يثير السخرية، ويقينا أنهم لن يغادروا كراسيهم ولو بالزمر البلدي، الديمقراطية بالنسبة لهم تذكرة ذهاب إلي الحكم بلا رجعة، ولنعتبر من رأس الذئب الطائر في السودان وغزة والصومال والسعودية وهل نسي أحد تصريحات قادة لهم علي أن يحكم مصر ماليزي، وعن ضرورة فرض الجزية علي غير المسلمين وعن تطبيق الحد عندما تعد الأرض، وألا يترأس البلاد قبطي أو امرأة وقضية الخلافة إن قادة الإخوان شأنهم شأن طبقتهم وتمرسوا في الصراع الطبقي، إنهم يستخدمون الآن التقية، إظهار غير ما يبطنون.
التلون طبقا للأوضاع، وتبني الرائج من الشعارات لتحملهم إلي دست السلطة، وحينئذ تكون الغاشية، ويكون السمع والطاعة وسيف الجلاد.
إنهم يتحدثون عن حزب سياسي طبقا لقانون الأحزاب، أي حزب لا يقوم علي أساس الدين، وهم يقولون إنهم سوف يؤسسون من صلب جماعة الإخوان حزبا مدنيا، له مرجعية دينية «وقد رأينا المرجعية الدينية من غزوات الأخوة السلفيين» لكن السؤال المثير للقلق، هل يمكن لرحم تنظيم ديني أن يلد تنظيما غير ديني طبقا للدستور، ومن أجل خاطره؟ هل يمكن للنمرة أن تلد أرنبا، حتي إن أطلقت هي عليه هذا المسمي من باب التدليل والتضليل؟ إن الإخوان هم حزب أشد الفئات رجعية في الطبقة الحاكمة. ويفتح الإعلام الآن، خاصة المرئي منه، أبوابه علي مصراعيها لمن يدعون أنهم خبراء استراتيجيون أو فلاسفة في الأديان، وغالبية هؤلاء الساحقة من زبائن ذات الإعلام فيما مضي، حيث كانوا يطلقون البخور للعصبة الحاكمة، والآن ارتدوا أقنعة الثورة، ومن أبرزهم داعية كبير للفتنة الطائفية ومحرض شديد التعصب والعصبية يدعو إلي قتل من هم علي غير ملته، يعتمد علي التلاعب بالتاريخ وخلط الأوراق، يتحدث عن العلمانية، لا باعتبارها تتخذ العلم منهاجا لها، وهو يعرف ذلك جيدا، ولكن باعتبارها تحل الحرام وتحرم الحلال ودعاتها أعداء للدين، نفس النهج الذي استخدمه الإخوان والسلفيون أثناء الاستفتاء، نهج المغالطة، وكأن الديمقراطية قد غدت هي حرية إشاعة البلبلة والتلاعب بالحقائق.
أين يقف الإخوان
ويتجمع كل هؤلاء الآن في خندق واحد، خندق الذين يرفضون الآخر، خندق يرفض التغيير إلي الأمام ويسعي للتغيير إلي وراء خندق يتستر بالثوابت والمقدسات لتحقيق مصالح متغيرة مادية دنيوية قادة الإخوان يتحالفون مع السلفيين، والسلفيون يعملون في خدمة مبارك وأمن الدولة، وأطرح السؤال الساذج، إذن أين يقف الإخوان الآن؟ إن هذا التحالف قد حقق حتي الآن، منفردا أو مجتمعا، هو ونظام مبارك أكثف مناخ طائفي عاشته مصر في حياتها، مناخ فرق تسد والذي فشل الاستعمار في تحقيقه، إنها أعظم خدمة لنظام مبارك، وأخطر طعنة توجه إلي الثورة وإلي الشعب المصري، ويؤكد أن استخدام الدين في مجال السياسة، إنما هو صورة من صور الصراع الطبقي المشوه المتخلف الذي يعتمد علي الحريق أو الطوفان لضعفه الحقيقي وعجزه البين عن مواجهة الآخر المواجهة الصريحة، إن الفتنة الطائفية هي أداة من أدوات الطبقة لحرف السخط والغضب الشعبي في مواجهتها، ليصبح تطاحنا بين صفوف الشعب ذاته، ولذا ليس بغريب أن يقوم قادة جماعة الإخوان والسلفيون اليوم مع أمن الدولة بإغراق الشعب في موجات متلاحقة من الصدامات والصراعات تشغله تماما عن قضاياه الأساسية، وتعيقه عن حشد قواه ليوم حاسم قريب يحدد مصير التغيير في البلاد، إن إلي أمام أم إلي وراء.
الجرم السياسي
وتثير عجبي تلك المحاسبة المالية، والتي لابد منها، غير أن الوقوف عندها وفقط يستصفي علي ما جري مجرد مخالفات قانونية، والأمر أبعد وأعمق من ذلك بكثير نحن أمام جماعة قادت الوطن إلي حافة الخراب والدمار الاقتصادي والاجتماعي والإفلاس السياسي وتدمير أجيال وأجيال وسد الطريق أمام أبناء الوطن، الجرم السياسي هو الأساس، ولا محاسبة، هل لذلك معني أو مغزي؟ بالطبع نعم لقد شكلت (ثورة 25 يناير)، للطبقة الحاكمة فرصة ذهبية لتطيح بالمافيا الممسكة بخناقها، رغم إنها من إفرازها، غير أنها تربعت علي قمتها تئوزرها، وهي قد حولت الثورة التي لم تكن لها قيادة، إلي صالحها هي وفقط، بحيث أن الثورة عندما «تجاوزت الحدود»، في عرف الطبقة، ورفعت مطالب شعبية اقتصادية واجتماعية، تعالت الصرخات، إن «لا، حتي هنا وكفي». إن احتمال تحول الثورة لصالح الفئات العديدة المقهورة حتي العدم أفزع الطبقة الحاكمة أينما فزع، فأعلنت أن هؤلاء ليسوا ثوار 25 يناير، إنهم الثورة المضادة وكانت الطبقة الحاكمة قد ارتدت بكل أصولها وفروعها أقنعة الثورة، ورفعت أعلامها وأذاعت أناشيدها وكفي الله المؤمنين شر القتال.
لقد عمدت الطبقة الحاكمة أن تقف بالثورة والتاريخ عند حدودها هي فقط تحت شعارات الاستقرار وإعادة الأمن وإنقاذ التنمية، وحملت الشعب والثورة، كما اعتادت، مسئولية كل ما تعانيه البلاد من متاعب.. إن محاكمة مافيا مبارك سياسيا، كانت ستكون بالفعل محاكمة سياسية للطبقة ذاتها، فتلك المافيا من إنتاجها، وهي قد خضعت لها وسلمت أمور الوطن لسلطانها وأثرت من وراء ديكتاتوريتها، ولا مانع من أن تلقي بها اليوم للثوار لتبقي علي مصالحها هي وتواصل سيطرتها بوسائل أخري.
الطبقة التي تحكمنا تكونت وتبلورت وازدهرت وغنمت وأثرت ثراء فاحشا عبر ستين عاما، إنها من السادة الذين يحتلون قمم الصناعة والتجارة والزراعة والمصارف والعقارات والسياحة والتعدين والاستخراج والخدمات، طبقة تضم مصريين وغير مصريين، مسلمين ومسيحيين، حققوا ثروات فاحشة بأساليب طفيلية أو بيروقراطية باستغلال الوظيفة وأجهزة الدولة، أو كومبرادورية، بالعمل وكلاء لشركات أجنبية عابرة للقارات، رأسمالية متوحشة، تدربت علي الحكم الرديء بامتياز، والسلطة الباطشة بامتياز، ومارست السلب والنهب بامتياز، لقد تضاعفت الأثمان في زمانها أكثر من مائتي ضعف، وانهار التعليم والعلاج والخدمات والتوظيف والتنمية، وانهارت مكانة مصر الإقليمية والعالمية وعدنا إلي التبعية ونوشك علي معاناة أخطر أزمة في حياتنا، أزمة مياه النيل، والتي تهددنا بالجفاف والتصحر والضياع، ماذا من خراب لم يحيق بنا في ظل هذه الطبقة؟
السياسات المالية
المشكلة ليست في النظام فقط، إنها أساسا في الطبقة التي أفرزت هذا النظام، لقد ألقت الطبقة بمافيا مبارك عن كاهلها، لكنها أبدا لم تتخل عن سياساتها، وأول هذه السياسات وأخطرها وأكثرها ضررا علي البلاد علي امتداد ستة عقود مضت، سياسة الانفراد بالقرار، المعايير التي أديرت بها الأمور قبل 25 يناير هي ذاتها المعايير التي تدار بها الأمور بعد 25 يناير، حالة الطوارئ متصلة وقد أضيف لها حظر التجول، ثم قانون التظاهر وهو أشد هولا من أي قانون مثيل صدر من قبل قانون الأحزاب، وهو قانون مليء بالفخاخ، وتعيين المحافظين، تماما كما كان الوضع السابق بما فيه المحافظ المسيحي لقنا، السياسات المالية كما هي والأوضاع الاقتصادية المتدنية كما هي، وكارثة تجديد التأمين الصحي كما هي والتعليم كما هو.
الأسعار تفاقمت، والفتنة الطائفية ازدادت اشتعالا، والأمن الباطش تحول إلي العصيان، إذن أين الثورة خاصة بند العدالة الاجتماعية؟ وأيضا بند الديمقراطية بمعني المشاركة؟
لا شيء، أنا لست متشائما، كما أنني لست متفائلا، كما أنني لست متعجلا، لكنني أرصد وأحاول تقصي اتجاه الريح، لعل بادرة ما توحي بالأمل، بالتغيير نحو الأفضل. المشكلة ليست في النظام فقط، إنها أساسا في الطبقة الحاكمة، وهي مازالت قادرة علي تقديم العديد من الأنظمة، نظام دولة حديثة، رئاسية أم برلمانية، أم رئاسية برلمانية، نظام دولة فاشية بواجهة دينية، نظام دولة عسكرية مباشرة أو بواجهة مدنية. كل تلك الألوان في خدمة الطبقة، طبقا لمصالحها والتوازنات التي يعيشها المجتمع وهي يمكن أن تقدم لنا وجها، وتهدد هنا أو علي الأصح تبتزنا بالوجه الآخر، حكمتنا بوجه مبارك، وأخافتنا بوجه جماعة الإخوان، ثم عمدت للضغط علي الجماعة باستخدام وجه السلفيين وها هي تخيفنا اليوم بخندق جماعة الإخوان والسلفيين معا. لقد انفردت هذه الطبقة بكل مكاسب الثورة التي ناضل الشعب من أجلها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وها هي، حتي الآن، تنفرد بعوائد ثورة 25 يناير، لقد انفردت بالسلطة، وانفردت بالقرار، فانفردت بالثراء والرخاء، وحملت الشعب البلاء كل البلاء، ومازالت، حظيت بالازدهار وألقت بالشعب إلي غياهب الإفقار، دمرت كل جميل في بلدنا، وقادت كل شيء، ماعداها، إلي الانهيار.
إن علي هذه الطبقة أن تفيق، وأن تدرك ما معني قيام الملايين بثورة، ما معني أن يهب كل من طحنتهم عمالقة شامخين مصممين علي التغيير إلي أمام تلك ليست انتفاضة حرامية، ولا زوبعة في فنجان علي هذه الطبقة أن تفيق وأن تدرك أن انفرادها بالسلطة لم يعد مقبولا البتة، وعليها أن تعترف بأن هذا الزمان قد ولي، وأن زمنا جديدا قد أشرق، زمن مشاركة الشعب في صنع مستقبله، في التقدم إلي الأمام، لا العودة إلي وراء.
المشاركة في صناعة القرار وتنفيذه ومتابعة هذا التنفيذ، في ديمقراطية حقيقية، والمشاركة الكاملة في خيرات هذا الوطن، مشاركة كل طبقات الشعب خاصة تلك التي عانت الحرمان طويلا.
إن هذه الطبقة، إن لم تفق وتدرك أن الزمان لم يعد زمانها، فهي تدفع بالبلاد إلي دمار ما بعده دمار، والشعب الذي كسر الخوف لن يكسره الخوف مرة أخري، والشهداء دماء لن تذهب أبدا هباء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.