بقلم الكاتب و السينارست والمُعد المصري وائل مصباح المقال الخامس.. كيف تم هتك عرض المحظور السياسي؟!! إن الثورة تعرف بكونها حركة سياسية تسعى إلى إحداث تغيير جوهري يمس أعماق البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية لدولة معينة وتنجزها جماعة من الأفراد بالتمرد على السلطة السائدة،وكل ثورة تندلع وتتواصل لفترة طويلة هي في الحقيقة تشتعل على نار هادئة وتتهيأ لها من جملة من الظروف والوضعيات وتعتمد في ذلك على جملة من الآليات والوسائط،فبعد فشل انقلاب الدكتور مصدق أمام الثورة المضادة التي قادتها المخابرات الأمريكية_السي آي ايه_ لإعادة تثبيت عرش الشاه محمد رضا بهلوي عام 1953،وبعد أن قامت الولاياتالمتحدة باستخدام أساليب عديدة طبقتها حرفياً معنا في مصر،تم إعدام المئات من الطلبة في الشوارع،بعدما ظنوا على مدار أكثر من عام أنهم حصلوا على حريتهم،لكن الإيرانيون تعلموا الدرس جيداً،وثاروا بعد ذلك بأقل من عشرون عاماً ضد الشاه برغم أنه كان قد أصبح أقوى مليون مره من وضعه السابق،تعلموا أن الثورة السلمية وهم،وأن الهرب من الموت أثناء الثورة لا يعني سوى الموت بعد فشلها،تعلموا الكثير وصمدوا في الثورة الثانية ضد الجيش ومجازره الرهيبة ضد الطلبة في الشوارع طوال عشرة أيام،لكنهم انتصروا في النهاية وحققوا أكبر انتصار حقيقي كامل لثوره في الشرق الأوسط. سنتعلم،ولن تنتهي الأمور بفشل ثورتنا المصرية لكونها ارتكزت بالأساس على حماس الشعب الشديد وبلوغ حالة الاحتقان والغضب لديه درجة قصوى من الغليان واستعداده الكبير للإتباع كل الوسائل المؤدية للتخلص من الحكم السائد بعد يأسه من الزعامات وأخذه زمام المبادرة بنفسه وتمرد الشباب على القيادات الحزبية وتعويلهم على ذواتهم في قيادة الشارع_ بما في ذلك شباب جماعة الإخوان المسلمين_ وابتكارهم لأشكال نضالية سلمية راقية ومعايشتهم لحالة إبداعية عجيبة على مستوى الشعار والتنظيم والعطاء،فكان هذا قدر الله أن تخرج الدعوة الأولى من صفحة غير تابعة لتيار أو حزب أو حركة سياسية_كلنا خالد سعيد_ ليتبناها الجميع. ولا يستطيع احد أن ينكر أهمية منظومة الاتصالات الحديثة واستعمال الوسائط الرقمية باقتدار وخاصة المنتديات الاجتماعية مثل الفايسبوك والتويتر واليوتوب والاحتجاج عن طريق الأغاني والأعمال الفنية النقدية،مما أدى إلى هتك عرض المحظور السياسي على مستوى الجمهورية بعد أن تعرت القيادات الحزبية وظهرت سوأتها،وعجزت عن مواجهة تحالف المتناقضات المتمثل في الحس الوطني والشعور القومي والانتماء الطبقي والالتزام الديني والمطالبة بالحريات الفردية والقيم الإنسانية والحقوق الكاملة،رغم قطع جميع الاتصالات عن موقع الحدث. لقد كان الإعصار الشعبي الذي تفجر في جميع أنحاء مصر بعد صلاة جمعة الغضب 28 يناير 2011 كاسحاً مما أدى إلى الانهيار التام للأجهزة القمعية و الأمنية وإرجاع الحكم إلى أهله_أحفاد عمر مكرم والشيخ الشرقاوي_ فظهرت اللجان الشعبية وعاشت مصر أكثر من أسبوعين في حالة جميلة من التحالف الوطني العفوي الحقيقي،لذا وجب علينا التنويه إلى أن هذه الثورة لم تكن إلا ثورة شعب شارك فيها الجميع،ثورة على التعذيب والفقر والفساد والبطالة،ولم يكن لأحد فيها قيادة أو فضل،ملحمة شارك فيها عشرات الآلاف من مستخدمي الإنترنت المصريين والصفحات الكبيرة والحركات الشبابية والقوى المعارضة للحشد ليوم 25 يناير في كل شبر شبر،بيت بيت،دار دار،زنجا زنجا،فرد فرد_ أحيانا تخرج الحكمة من أفواه المجانيين_ ليشهد الجميع أول ثورة حُدد ميعاد ومكان انطلاقها،ولو أردنا أن نُرجع الفضل لكان حريا بنا أن ننسبه إلى شهداء هذه الثورة ومصابيها أكثر من ضحّوا من أجل أن يستعيد المصريون كرامتهم! أعداء الله واضحون ومناهجهم واضحة وأولياؤه واضحون ومناهجهم أكثر وضوحاً،من يختار صف الموالاه لأعدائه ومعاداة أولياؤه هو جاهل،والجاهل في زمن الانترنت يجهل عن عمد وقصد ولا أستطيع الضغط على نفسي للوقوف والاستماع إلى مثل هذا الشخص مهما كان مقرباً لان الجاهل بدينه في زمننا هذا هو جاهل برغبته واختياره،لذا أمسك قبضتي في غيظ،مانعاً نفسي من توجيه لكمه لأسنان كل أحمق جاهل لا يعجبه أنشاء الخلافة وتحرير القدس وإقامة العدل في الأرض ليصرخ: فرحانين على إيه يا خايبين،لسه الأندلس،ياللا نهاجم أوروبا فوراً وإلا تبقوا قاعدين ورئيسكم ساذج،وا أندلساه!! إلى اللقاء في المقال السادس مع تحيات فيلسوف الثورة وائل مصباح عبد المحسن