في عام 2007 فاز أحمد عبد الله بجائزة ساويرس لأحسن سيناريو. كان هذا فيلمه الروائي الطويل الأول "هليوبوليس" والذي لم يتجاوز عدد صفحاته العشرين. كان السيناريو أقرب إلي معالجة مختصرة تحمل الأطر الأساسية للفيلم الذي ستدور أحداثه في حي "هليوبوليس" كمرثية للزمن والوقت الذي يعبر، بينما ننتظر أن يتحول لون الإشارة إلي الأخضر. في هليوبوليس اعتمد أحمد عبد الله علي الارتجال والنقاشات والتدريبات مع الممثلين وطاقم الفيلم لتطوير السيناريو، التصوير وباقي أدوات إنتاج الفيلم السينمائي أيضاً كانت تعمل مع بعضها بشكل مختلف عما هو سائد في السينما المصرية. استمر أحمد في استخدام نفس المنهج والأسلوب الذي يحاول تطويع خفة وروح السينما الرقمية والمستقلة في فيلم روائي طويل ليقدم ثاني تجاربه "ميكرفون" والذي عرض مع بداية أحداث الثورة وفيها نتعقب في أزقة وشوارع الإسكندرية ملامح مشهد فني وثقافي جديد يولد في مدينة الإسكندرية. وبغض النظر عن الموقف من سينما ومشروع أحمد عبد الله، يظل عبد الله مع إبراهيم البطوط يشكلان بصمة واتجاها متميزا. مغامرة خارج السرب. ينهي عبد الله فيلم "ميكروفون" علي مشهد لا يجد أعضاء الفرقة الموسيقية مكاناً يقدمون فيها أغانيهم غير الشارع، وحينما يبدأون في الغناء تتقدم نحوه مجموعة من أصحاب الجلابيب البيضاء من جهة وضابط شاب من جهة أخري. تظل الفرقة معلقة بين الإثنين. رمزية واضحة لحالة الإبداع في مصر زمن مبارك. -هل تري أن الثورة وأحداث العام الماضي أثرت علي وضع الفن والإبداع وفي مصر، أو علي تصورك الخاص عن السينما والفن الذي ترغب في تقديمه؟ -لا أعتقد ذلك، حتي لم يحدث تغيير علي المستوي الشخصي، حتي علي مستوي النشاط في المجال العام ما زلت أقوم بما كنت أقوم به أيام مبارك. الحكم العسكري مستمر، الأصدقاء النشطاء يتعرضون للاعتقال والمحاكمات. بالتالي فالأوضاع العامة التي كانت موجودة أيام مبارك لا تزال مستمرة، ولذلك لا أري أن هناك تغيرات جذرية فيما حولي تجعلني أعيد النظر في طبيعة وشكل الفن الذي أقدمه. -لكن، وأنت تعلم، مرت البلاد مؤخرا "بأول تجربة انتخابية نزيهة" أدت إلي حصول الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية الآخري علي نسبة كبيرة من مقاعد البرلمان، هل يقلقك كسينمائي تقلص مساحة الحريات في الفترة القادمة؟ -سقف الحريات منخفض في مصر بشكل عام، حتي أيام مبارك كان هناك تلاعب بموضوع الرقابة، فبينما كان هناك انفتاح بسيط في مناقشة وعرض القضايا الجنسية والعاطفية، تجد الخطوط الحمراء تتكاثر في المجال السياسي. المؤسسة العسكرية علي سبيل المثال كانت من المحرمات. الآن هذا الوضع يتغير والعكس هو ما يحدث وقد يتغير أكثر مع تسلم تلك القوي للسلطة في مصر. هل هذا سيؤدي إلي تقلص مساحة الحرية؟ لا أعتقد بل ربما قد تتبدل بعض المحظورات فقط. -في هذا السياق كيف تنظر إلي دعوات عدد من المثقفين والفنانين إلي تكوين جبهة للدفاع عن حرية الرأي والتعبير؟ -أعتقد أنه من الصعب التحرك بخطوات استباقية في مجال كحرية الإبداع. وإن كنت أقدر كل هذه الجهود، لكن الجهد الأكثر تأثيراً سيحدث في حال تعرض أحد المبدعين للرقابة. حينها يكون التضامن معه والدفاع لا فقط عن حريته، بل عن حريتنا جميعاً. كما أن كل التصريحات التي قرأتها لرموز تلك القوي السياسية الجديدة كلها تعرب عن احترام حرية الرأي والتعبير، يمكن ألا أصدق تلك الوعود لكن حتي الآن ليس لديّ موقف أو دليل يكذبهم. المعركة الأهم في رأي هي معركة الدستور الذي يجب أن ينص صراحة علي احترام حرية الرأي والتعبير، من دون أي شروط تلتف حول هذا الحق. -قدمت فيلماً قصيراً ضمن فيلم "18 يوم". لكن كيف تنظر إلي الرأي الذي يقول إن الثورة لم تنته بعد لذلك لا يمكن أن نقدم عنها أفلاماً؟ بالنسبة لي هذا الكلام محير ومربك، ولا أفهم كيف يصبح عامل الوقت بمثل هذه الأهمية، وكأنه من المفترض الانتظار حتي تنضج. أعتقد أن في هذا الرأي الكثير من الاستعلاء غير المبرر. كل الفنانين وكل الشعب استخدم الثورة بأشكال مختلفة، إذا كنت كاتباً سأعبر من خلال مقال أو نص أكتبه، وبالتالي من حقي كسينمائي أن أعبر عما أراه. ووفقا للمفهوم الثوري لكلمة "ثورة" أيضاً فهي فعل لا ينتهي. بالتالي كيف نطالب الفنان أن يجلس لينتظر انتهاء الثورة حتي يقدم عملا فنيا يناقشها بشكل أو آخر؟! كلنا كأشخاص دورنا أن نتأمل في الوضع الحالي ونعبر عنه بالطريقة التي تمثلنا. -كانت هناك آليات تتحكم في صناعة السينما علي المستوي الاقتصادي تتمثل في منتجين وموزعين كبار يصرون علي إطار واحد للسينما، ما دفعك إلي الاتجاه نحو السينما المستقلة، هل تري أن الثورة يمكنها تغير تلك الآليات؟ -لن تتغير لكن ستنفتح بشكل أوسع. الثورة أثبتت أن شخصاً واحداً يمتلك "موبايل بكاميرا"، وكمبيوتر، بإمكانه أن يفعل أي شيء وأن يقدم فيلماً متكاملاً. قبل الثورة كنا نتحدث عن هذا طوال الوقت. وأن شكل الإنتاج التقليدي المتعارف عليه في السينما المصرية تجاوزه الزمن. وفي تقديري أن مثل تلك التجارب الأكثر مغامرة وبعداً عن نمط صناعة السينما مرتفعة التكاليف سيتزايد في السنوات القادمة. -عملت لفترة بعد الثورة في المركز القومي للسينما قبل أن تقدم استقالتك احتجاجا علي استخدام العنف ضد المتظاهرين، في أحداث محمد محمود. لكن هل تري أن السينما المصرية تحتاج إلي الدعم الحكومي؟ -دور المركز القومي للسينما، هو رفع يد الدولة عن الفنون. وهو ما حاولنا فعله في المركز من خلال تحويله إلي جهة، مسئوليتها تنظيم علاقة الفنانين بالدولة. فنحن في دولة لكي تصنع فيها فناً تحتاج إلي تصريح من الدولة والأجهزة التنفيذية. إذا رفعت كاميرا في أي شارع في مصر فأنت تحتاج إلي تصريح حكومي أولاً. وما حاولنا تحقيقه في المركز القومي للسينما هو تقليص دور الدولة في عملية إنتاج الفن. أنا أري أننا في حاجة لرفع يد الدولة عن الفنون ومن ضمنها السينما وليس العكس.