بقلم أسامة مبارك الشعوب في هذه الأيام تنادي بإسقاط الأنظمة وتوابعها , ونحن هنا في غزة نقول : " الشعب الفلسطيني في غزة ينادي ويدعو لشركة كهرباء غزة وملوكها بالبقاء ؟؟! أتدرون لماذا ؟ لأنهم غيروا كثير من عاداتنا اليومية , جمعوا الأسرة التي كانت متفرقة في جمعها , جمعوا الأصدقاء تحت ضوء القمر , جمعوا الأقارب والأحباب وزادت وتيرة الزيارات الليلية , وحددوا وقت الزيارات والاجتماعات حسب مواعيدهم مثلا "فكر احد الأصدقاء بزيارة صديق له, يتصل بصاحبه وفورا يتم الاتفاق على يوم كذا ساعة ما تقطع الكهرباء أو ساعة ما تأتي الكهرباء. والد اشتاق لفلذة كبده الذي يدرس خارج الوطن و أراد أن يشاهد ولده بالصوت والصورة على جهاز الانترنت , يتحديد الموعد في ساعة وصول الكهرباء . إذا احتجت تصوير ورقة أو تطبع رسالة عليك الانتظار ساعة حضور سيدة البلاد بجلال قدرها السيدة كهرباء غزة ". كنا في السابق نضع ما نريد تناوله من وجبات غذائية على مدار أسبوع أو أكثر في الثلاجة ّّصاحبة الجلالة كهرباء غزة أجبرتنا على أن نتسوق كل يوم بما هو طازج . رجعونا إلى زمن لمبة الكاز والسراج وليالي السهر والسمر التي كانت تقام أمام البيوت وعلى قارعه الطريق, ليالي كانت جميلة بنورها القمري , وعادة ما يتولى الرجال كبار السن سرد الحكايات والقصص الجميلة في ذاك الزمان عندما كنا صغار نحاول الاقتراب من الجالسين ونسترق السمع بكل شغف ونحن مستمتعين بحكايات زمان وليالي زمان , ذكريات فلسطين وحكايات الأرض والزرع والبيدر والبرتقال والبطيخ وأيام الحصيدة يا لها من أيام . واليوم مع انقطاع الكهرباء المتواصل عادت أيام السمر وليالي السهر وعاد الترابط الاجتماعي والزيارات المتبادلة والأحاديث الجميلة! والحكايات المشوقة ! والتحليلات السياسية ؟! والتحليلات الكهرباسية؟ والغمز واللمز . في أيام الشتاء كانت التجمعات حول موقد النار يشعله الشيب والشباب ويتحلقون حوله (مجبرين )يقطفون بعض الدفء من النار المشتعلة في الموقد والنار المشتعلة في القلوب , تسمع هنا ضحكة وهناك من بعيد صوت مازح ونشتم رائحة الشيشة بتفاحها المعسل ....., أما النساء وما أدراك ما النساء يجتمعن في البيوت بحديثهن النسوي , هذه تزوجت فلان وتلك أنجبت وتدور أكواب الشاي المنعنع , والأطفال يلعبون هنا وهناك بالعاب ممزوجة ببعض الصياح والضحك, وأحيانا عراك بالأيدي , تنظر من بعيد إلى الشارع وتقول في قراره نفسك ما الذي يحدث للناس وما الذي غير الناس , هل هذه فرحة حقيقية ؟هل هذا هو الزمن الجميل الذي كان ؟ هل هذا هو الزمن الذي كنا نرى ونسمع ونشاهد ونحس بترابط الناس وخوفهم على بعض ؟ هل ضحكاتهم من صميم قلوبهم؟ التي كنا نقرأها في عيونهم في ذاك الزمن الجميل رغم المعاناة رغم الهجرة القصرية ورغم الفقر؟؟ يجيبك الكثير منهم : نعم أنها جلسات جبرية يحاول الناس أن يهربوا من واقع فرض عليهم بانقطاع الكهرباء, يحاول البعض أن يجتروا الأحاديث والحكايات اجترارا كي يبتعدوا لو قليل عن ما أصابهم من الهموم في حياتهم , هموم شخصية واجتماعية واقتصادية وسياسية وقلق وحيرة وطلقات رصاص ودوي مدافع في ليل طويل انطفأت فيه أجراس الفرح الطفولي . انتهى الشتاء وجاء الصيف بحرارته اللاسعة وشمسه الحارقة , والناس تنتظر . وفي كل صلاة ترفع الأيادي وتدعوا الله الواحد الأحد أن تعود أيام الكهرباء الجميلة , فتأتي الوعود تلو الوعود والكلام الجميل المعسول _الشهر القادم ستنتهي أزمة الكهرباء ! إذا الناس التزمت بدفع ما عليهم من مستحقات فما كان من حكومات فلسطين الجنوبية والشمالية إلا أن وجدت ضالتها بأن ركبت ظهر الموظف المغلوب على أمره واقتطعت من راتبه 170 شيكل حتى لو كان في العائلة والبيت الواحد , مثلا خمسة موظفين وهم لا يستهلكون في الشهر ربع ما يخصم عليهم , وهذا الغلبان الذي ينتظر راتبه في كل شهر على أحر من الجمر رغم غلاء المعيشة الذي مر على هذا الراتب من سنين قضم منه حوال 40 % وقالت الناس يا فرج الله يا قريب , ولكن الشركة في واد والناس في واد أخر ,وأنقطاعات الكهرباء زادت أكثر , فتساءل الناس: لماذا يا شركة كهرباء غزة ؟فكان رد الشركة ما تخصمه رام الله لا يصل إلينا في غزة , توجه الناس بسؤالهم الى حكومة رام الله لماذا وكيف؟ فكان الرد نحن ندفع ديون عن الشركة لدولة الاحتلال عن الكهرباء الواردة إلى غزة ....... وهكذا أهل غزة " ضايعين بعد حانة ومانة " . وتعود الناس مطأطئة رؤوسها على أكتافها للجلوس الجمعي والسهر الجبري والأحاديث والحكايات . ويتكوم الشيب والشباب كما العهد القديم , ينتظرون وينتظرون فيخرج عليهم قيادات شركة كهرباء غزة يتمحكون في الكلام : الكهرباء ستنتهي مشكلتها والحل قادم , تتنبه الناس مثل الغريق الذي يتعلق في قشة , وتتساءل ما الحل يا ترى ؟ ما الجديد؟ فجاء الجواب المزلزل : قطر تبرعت لأهل غزة بحمولة من السولار والبنزين تكفي لتشغيل المحطة بكامل توربيناتها لمدة ثلاث شهور وبدون انقطاع , هللت الناس وفرحت (يخلف عليكي يا قطر) ولكن العيون تنظر إلي لمبة الكهرباء وتتساءل معقول ستضيء أخيرا هذه اللمبة بدون انقطاع ؟ويأتي الخبر اليقين, الكمية التي تدخل غير كافية لتشغيل التوربينات وهناك جدول جديد . تخيلوا معي , إنسان يأتيه خبر مفرح وعندما يصله يجده سراب ماذا يحدث له؟! وتعود الناس تنكس الرؤوس مكفهرة من جديد للتحليلات السياسية والكهرباسية وتنتظر . وأخيرا بشرى إلى أهل غزة , وأخيرا نصر إلى أهل غزة , هذا ما صرح به احد ملوك الكهرباء , فكان السؤال : ما الذي حدث ؟ عن ماذا يتحدثون؟ عن أي انتصار يتبجحون وما تلك البشرى من هؤلاء المبشرون؟ إذ بأحد ملوك الكهرباء في غزة يغرد وينادي بأعلى صوته وأخيرا وأخيراً التوربينات الأربعة قد أصلح حالها وعملت لأول مرة منذ بداية الانقسام إلى الآن, البعض قال (يمكن) والبعض الأخر قال (مش ممكن) ومرت الأيام وانقطاع الكهرباء مثل السابق فكان رد الناس على هذا النصر المبجل والبشائر الكهرباسية انتم تكذبون يبدوا أنه نصر مثل نصر حرب عام 1967م عندما قالت العرب نحن لم نهزم والدليل أن الأنظمة الحاكمة لازالت باقية ... وهنا نقول أن نصركم وبشائركم يا شركة كهرباء غزة هي بقائكم على كراسي المملكة الكهرباسية. ثم عادت الناس للجلوس أما البيوت وعادت الكراسي تصف في الحارات , بينما تنساب قطرات العرق التي تخرج من الأجساد مملحة بطعم المر الذي يتذوقه أهل غزة .. قال قائلين " مثل ما بيقول المثل" (رضينا بالهم والهم ما رضي بينا) في زمن الكهرباء كانت شركة الكهرباء عندما تضطر إلى الإطفاء في بعض المناطق لغرض الإصلاح أو الصيانة , تنبه المواطنين المعنيين قبل 24 ساعة حتى يستعدوا ويهيئوا أنفسهم ويطفئوا أجهزتهم وكان الاعتذار والأسف من الشركة عن ذلك الإطفاء والذي يكون لمدة قصيرة ومحددة, إما اليوم لا نسمع اعتذار ولا أسف , تقطع الكهرباء بالساعات وفي أوقات غير محددة ويقولون هناك برامج مجدولة , أتحدى أن تسأل مواطن كيف البرنامج عندكم . ستكون الإجابة لا اعلم كل يوم في حال , حتى لو تم تحديد ساعة القطع بمعنى الساعة الثالثة عصرا تقطع الساعة الثانية ويكون البعض القليل من الناس لديه علم أن القطع ثماني ساعات بمعنى المفروض عودة الكهرباء الساعة الحادية عشرة , ولكن الكهرباء تأتي بعد عشر أو اثنتي عشر ساعة , وهذا يعود إلى مزاج العامل الذي نسأله لماذا تأخرت هذه الساعات, يجيب انه عبد مأمور وهكذا لديه الجدول والجدول وضعه المدير ؟؟!! والأدهى من ذلك أن توزيع الظلم على الناس ليس به عدل , فعندما تقطع الكهرباء عليك وجيرانك الذين لا يبتعدون عنك أمتار بعد ساعة تضاء بيوت جيرانك وأنت مقطوع عنك وهذا الأمر يتكرر مرات فعندما تقف وتنظر إلى النور يتلألأ أمامك وأنت في ظلمة حالكة كيف يكون شعورك؟ هنا سؤال " هل ذلك مقصود؟ أم يوجد في تلك الجهة المحظوظة احد ملوك الكهرباء أم الحظ يضرب معهم كل مرة ؟؟؟!! ودارت الأيام ومرت الأيام على رأي أم كلثوم وجاء العيد عيد الفطر السعيد أعاده الله على امتنا العربية والإسلامية وعلى شعبنا الفلسطيني وقد تحققت أمانيه وأحلامه. فما كان من شركة كهرباء غزة إلا أن عملت بالأصول , وقدمت للناس عيديه من يوم 27/8/2012 إلى يوم 3/9/2012 بدون انقطاع في الكهرباء على اغلب مناطق القطاع , خرج الناس وانفضت الاجتماعات واللقاءات ولكن النور في كل مكان, فكان السؤال ما الذي يحدث هل الأزمة انتهت هل الأحمال الزائدة التي كان يتحجج بها ملوك الكهرباء وكمية الكهرباء التي لا تغطي حاجة السكان في محافظات غزة هل انتهت , نعم الضغط والأحمال الزائدة لا تؤثر على كمية الكهرباء ولا على الخطوط سبحان الله , فالعيد جاء بخيره وكشف لأهل غزة كذب الشركة وملوكها وانتهت أيام العيد وخلصت العدية وعادت الانقطاعات الكهربائية وعادت المولدات التي دخلت قطاع غزة وهنا أطالب أهل غزة بان يدخلوا موسوعة غينيس لتحطيم الأرقام القياسية في عدد المولدات وعدد الانطفاءات وتعميم الظلم والظلام. يكفي يا شركة كهرباء غزة الناس أصيبت بالأمراض النفسية والصحية والمادية , من يعوض الناس عن التعب النفسي والجسدي ومن يعوض الناس عن ممتلكاتهم الكهربائية من ثلاجات وغسالات وأدوات كهربائية أخرى خسروها جراء الانقطاعات من يعوض الناس أولادهم وأبنائهم وأمهاتهم الذين فقدوهم جراء انقطاع الكهرباء من وراء تشغيل المولدات البنزينية الحارقة ,يا شركة كهرباء غزة لا نريد اجتماعات ولا سهرات ولا نريد نور المولدات نريد كهرباء ينير لنا كل البيوت حتى نقول القول الحقيقي :" الشعب يريد شكر شركة كهرباء غزة " هل يتحقق؟؟