بقلم خالد الشناوى كانت إسرائيل ومازالت هي العقبة الكؤود في طريق تحقيق الإستقرار في المنطقة العربية بأسرها .. بل وستظل كذلك محوراً لإرتكاز الشر في العالم بأسره . .. ولقد أنبأنا بذلك العليم الخبير حيث قال وهو أصدق القائلين: ( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً ) . إن أحداث رفح .. فاحت منها روائح التآمر على مصر من الداخل والخارج وذلك برعاية إسرائيلية .. ولن تتخلى إسرائيل عن قيح العداوة للإسلام والمسلمين .. بل ستظل بُعبعاً يزرع الشر في المنطقة العربية والإسلامية هنا وهناك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين . إن تاريخ هذا العدو اللدود أسوداً تفوح منه روائح الكراهية لكل ما هو إسلامي أو يمت للإسلام بصلة . لقد نجحت إسرائيل في أن تكون من ضمن عوامل لعبة السياسة بداخل البيت الأبيض والكونجرس الأمريكي بل إستطاعت أن تكون محركاً حساساً وفعالاً لدى مجلس الأمن في إتخاذ كافة القرارات المصيرية التي تؤمن سلامتها في تفيذ مخططاتها الدنيئية في قلب العالم الإسلامي . إن الموساد الإسرائيلي هو السم القاتل وأنه يتحرك في شتى أنحاء العالم بقوة تسبق الرعد واستطاع أن يخلق العداوة والشحناء بين أبناء الأمة الإسلامية والعربية حكاماً وشعوباً . وبعد هذا التقديم فإننا نرى أنه من الواجب اللزام أن نسلط بعض الأضواء الكاشفة حول الآية السابقة فنقول : إن الله سبحانه وتعالى بيَّن في هذه الآيات أنه تعهد لبني إسرائيل بقيام دولتين لهم في هذه الأرض، وبيَّن أنهم سيفسدون في هاتين الدولتين إفساداً عظيماً، فالدولة الأولى هي التي أقامها داود وسليمان عليهما السلام، وقد تداولَ الحكم فيها ملوك بني إسرائيل من ذرية سليمان عليه السلام، فأفسدوا في الأرض وأكثروا فيها الفساد وانحرفوا عن منهج الأنبياء، وقد بيَّن الله تعالى أن أولاهما أي أولى الدولتين عندما تُظهر الفساد في الأرض سيسلط الله عليهم عباداً لله سبحانه وتعالى، فيسومونهم سوء العذاب، فلذلك قال: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ} أي في التوراة أو في الكتب المنزلة، {لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً}، وهذا العلو موافق للإفساد فهو سببه، وإن تأخر عنه بالعطف لأن التنبيه على الأمر الأعظم، وهو الإفساد فنبهوا على خطر ذلك وضرره، {لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا} أي أولى المرتين: {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا}، وهؤلاء العباد قيل: هم بختنصر، وقيل: البيزنطيون هرقل وأتباعه، وقيل غير ذلك، وعموماً قد سلَّط على بني إسرائيل أولئك الملوك جميعاً فآذوهم وأفسدوا دولتهم وسلوا أكتافهم وأكثروا فيهم القتل الذريع، فكان ذلك سبب سقوط دولة بني إسرائيل في الشام {أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ} أي هؤلاء العباد الذين هم أولو بأس شديد جاسوا خلال الديار أي الديار المقدسة وهي بلاد الشام، ومعنى: "جاسوا خلال الديار" أي توغلوا خلالها بجيوشهم وغزوهم {وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً} أي كان ذلك وعداً لا بد أن يتحقق وقد تحقق بالفعل. ثم بعد هذا قال: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ} الذي أراه أن الضمير هنا يعود على المؤمنين، وهم أتباع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فالأصل خطابهم بالقرآن، فيقول الله: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ} أي معاشر المؤمنين، {الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ} أي على أولئك العباد وهم البيزنطيون وبختنصر ومن معه، فإنهم لم ترد الكرة لبني إسرائيل عليهم قط، إنما أعاد الله الكرة للمؤمنين عليهم، فالمؤمنون هم الذين فتحوا الشام وفتحوا العراق، ووصلت فتوحهم إلى القسطنطينية، ولذلك قال: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ} أي معاشر المؤمنين {الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً}، ونحن نعلم أن بني إسرائيل لم يكونوا قط أكثر نفيراً من الروم ولا من الفرس، لكن أهل الإيمان هم الذين كانوا أكثر نفيراً منهم، وهذا ما هو مشاهد إلى الآن. {وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً * إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ} هذا خطاب من الله للمؤمنين لأنه لا يمكن أن يكون خطاباً لبني إسرائيل لأنهم لا يُمكن أن يُقبل منهم الإحسان بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إلا باتباعه، {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا}، ومعنى: {أحسنتم لأنفسكم} أي ستنالون ثواب ذلك، ومعنى: {إن أسأتم فلها} أي عليها، أي سيكون عقاب ذلك أيضاً في مقابل الإساءة، {فإذا جاء وعد الآخرة}، أي جاء وعد المرة الثانية، وهي الآخرة من المرتين، {لتفسدن في الأرض مرتين} المرة الثانية منهما هي الآخرة هنا ليسوءوا وجوهكم، أي ليسوء بنوا إسرائيل وجوهكم معاشر المؤمنين، وقد فعلوا كما تعلمون، {وليدخلوا المسجد} أي ليحتلوا المسجد الأقصى، وذلك الواقع الآن، ليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة، {وليتبروا} أي ليهدموا {ما علوا}، أي ما علوا من الأرض أو مدة علوهم، ف: {ما} هنا يمكن أن تكون موصولاً اسمياً ويكون العائد محذوفاً لأنه منصوب بفعل، ويجوز أن تكون {ما} موصولاً حرفياً فتؤول هي وصلتها بالمصدر معناه مدة علوهم، فتكون نائبة عن ظرف الزمان مثل: {ما دمت حياً}، {وليتبروا ما علوا تتبيرا}. ثم قال: {عسى ربكم أن يرحمكم}، عسى ربكم يا معشر المؤمنين أن يرحمكم، {وإن عدتم عدنا} أي وإن عدتم إلى الجهاد في سبيل الله عدنا إلى ما عودناكم من النصرة والتمكين، {وجعلنا جهنم للكافرين حصيراً} وهم بنو إسرائيل، فهذا ما بيَّن الله سبحانه وتعالى في هذه الآية. ومن المعلوم أن دولة بني إسرائيل الثانية لم تقم قط، فلم تقم لهم دولة إلا تلك التي أقامها داود وسليمان إلا هذه التي قامت في عصرنا هذا، وبهذا يُعلم أن ما كان كثير من أهل التفسير ينقلونه من الأقوال وما كانوا يرونه من تفسير الضمائر وعودها غير صحيح، فإن كثيراً من أهل التفسير كانوا يرون أن الدولتين قد سبقتا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا غير صحيح، فالتاريخ شاهد وهو لا يجرح، وقد أثبت أن دولة بني إسرائيل التي قامت واحدة وأنهم لم تقم لهم دولة في الماضي غيرها فهذه دولتهم الثانية. وبعد هذا كله نرى أن إسرائيل بحفرها الأنفاق أسفل الحرم الإبراهيمي بحثاً عن الهيكل المزعوم بالمسجد الأقصى وبحفرها للضغينة والتفرق في جسد الأمة الإسلامية فإنها تحفر قبرها الأبدي ،،، فماذا لو أراد الله وأرادت إسرائيل ..... وهل فوق إرادة رب العالمين إرادة ؟؟!!