بقلم مصطفى الغزاوي يعرض خبراء إدارة الأزمات تعريفات متعددة للأزمة من بينها أن "الأزمة ليست إلا مؤشرا واضحا يؤكد أن خللا ما أصاب المجتمع، ويلزم مواجهته بالأساليب العلمية حتى يمكن إعادته إلى توازنه الطبيعي، وهي مرحلة متقدمة من مراحل الصراع، والأزمة نقطة تحول، وهي وقت يتسم بالصعوبة والخطر والقلق على المستقبل"، ويزيدون أن الوقت ذاته حال الأزمة يكون محدودا وليس مفتوحا ولو حاولنا تطبيق هذا التعريف على ما يجري في مصر فنحن بصدد أزمة مركبة أو انتقال من أزمة مع نظام معرف إلى أزمة جديدة مع نظام ملتبس تعريفه على الأطراف هناك خلل قبل الثورة وبعدها، وهناك توازن مفقود، وهناك الصراع وإن اختلفت محددات أطرافه، ونحن جميعا أمام نقطة تحول جديدة، وهناك الصعوبة والخطر والقلق والعشوائية والمستقبل غير محدد الملامح، ويزيد على هذا كله غياب الأسلوب العلمي للمواجهة تداخل الغايات والأهداف يستحيل معه امتلاك استراتيجية للمواجهة وعدم امتلاك البدائل هو دعوة صريحة للأطراف الأخرى لممارسة القنص ودون امتلاك تنوع للوسائل، وتجديد للقوة، والقدرة على تنميتها، هو خروج من الصراع دون جهد من أطرافه المعادية والخيارات دون إدراك لطبيعة الصراع وتحديد مفاهيمه، وامتلاك صورة معلوماتية عن الأطراف الأخرى في الصراع واضحة وقاطعة، هو سقوط في وحل الوهم، واستنزاف للمتاح من فرص وادعاء ملكية الزمن، دون القدرة ورؤية واضحة لاستثماره، ومعايير لقياس النجاح، هو إهدار للإمكانية أيا كانت محدوديتها، وهو ترف يدفع الشعب ثمنه وشباب الثورة دمه مقابل ذلك استدعي التعريف هذه الملاحظات مع إعلان الدكتور محمد البرادعي لبيانه المقتضب، الذي يمثل انفجارا مماثلا لانفجار إطفاء حرائق البترول التي تعدم الأكسوجين حول فوهة البئر البترولية المشتعلة، فينطفئ الحريق لأن معامل وجوده الرئيسي قد تم القضاء عليه للحظة الرجل واجه الغوغائية السياسية وعشوائية القرار بمنع الأكسوجين الذي يتنفسونه. أعلن الرجل أن الثورة لم تملك مقومات الحكم بعد، وأن القرارات العشوائية بلا رؤية تنتمي للثورة، أدت إلى اختلاط مبهم للخطوات فصار الخطو هزلا والخيارات مريبة، وحتى إمكانية الحكم على الأطراف اختلطت على عناصر الثورة أزال البرادعي ببيانه اللبس الذي أصاب العقل المصري بعد الثورة، وكشف كل الحقائق في جمل قاطعة كما حكم القاضي العادل، ولم يتوارى وراء لغة دبلوماسية ولكنه كان مشرط جراح دقيق يكشف الحقيقة ويوصف البرادعي العام الماضي قائلا " لقد خاضت سفينة الثورة طريقاً صعباً تقاذفتها فيه أمواج عاتية وهى تعرف مرفأ النجاة جيدا وتعرف طريقة الوصول إليه، ولكن الربان الذي تولى قيادتها – دون اختيار من ركابها ودون خبرة له بالقيادة – أخذ يتخبط بها بين الأمواج دون بوصلة واضحة، ونحن نعرض عليه شتى أنواع المساعدة، وهو يأبى إلا أن يمضي في الطريق القديم، وكأن ثورة لم تقم، وكأن نظاماً لم يسقط وبدلا من لم شمل الأمة في عملية سياسية منظمة ومتفق عليها، نطلق فيها الحريات ونفتح النوافذ لإدخال الهواء النقي وتطهير العقول والنفوس من مخلفات الاستبداد، ونمنح أنفسنا المدة اللازمة لنكتب فيها دستورنا معاً بأسلوب مترو بروح توافقية تقوم على احترام الحقوق الأصيلة للإنسان، وننتخب ممثلينا وقادتنا في إطار سياسي ودستوري يضمن انتخابات حرة عادلة وأيضاً ممثلة لكل طوائف واتجاهات الشعب، أدخلنا هذا الربان في متاهات وحوارات عقيمة في حين انفرد بصنع القرارات وبأسلوب ينم عن تخبط وعشوائية في الرؤية، مما فاقم الانقسامات بين فئات المجتمع في الوقت الذي نحن فيه أحوج ما نكون للتكاتف والوفاق وتواكب مع هذا اتباع سياسة أمنية قمعية تتسم بالعنف والتحرش والقتل، وعلى إحالة الثوار لمحاكمات عسكرية بدلاً من حمايتهم ومعاقبة من قتل زملائهم. وكل هذا في إطار حالة الطوارئ الفاقدة للمشروعية وغياب غير مفهوم للأمن وإدارة سيئة للاقتصاد، بالإضافة لعدم اتخاذ خطوات حازمة لتطهير مؤسسات الدولة – خاصة القضاء والإعلام – من فساد النظام السابق، أو حتى عزل رموزه ومنعهم من الاستمرار في إفساد الحياة السياسية. إن العشوائية وسوء إدارة العملية الانتقالية تدفع البلاد بعيداً عن أهداف الثورة، مما يشعرنا جميعاً أن النظام السابق لم يسقط هذه كانت مرة جديدة، ينجح فيها الرجل في امتحان فرز الأوراق، والأمر ليس دعوة لشخصنة الثورة ولكن المضمون يدعو لوقفة جادة مع النفس لم ألتق بالرجل ولكن لي معه تجربتان، وكلاهما تمت عبر حوار مع إنسانة محترمة من المتعاونين معه "هالة"، وعبر رسائل على الإنترنت اتضح خلالها أن الرجل قادر على اتخاذ القرار وتصحيح موقفه إن لزم الأمر الواقعة الأولى كانت بشأن تصريح للرجل بشأن مشكلة أهل النوبة فَهم منه أنه يدعو للاستعانة بالخارج في هذا الأمر، وكتبت إلى "هالة" التي لم ألتقي بها طالبا مراجعة التصريح، وأصدر تفسيرا ينفي فيه ما فهم عنه، والثانية كانت يوم 25 يناير والأمور تتصاعد و "هالة" متواصلة معي في حوارها لا ينقطع إلا لأداء فروض الصلاة ومصر بشبابها تخطو أولى خطوات الثورة، وهي تكتب إلىّ هاتفة صارخة بالكلمات، "لقد فعلناها... لقد نجحنا"، وأكدت لها أن البشائر من حولنا تؤكد هذا، كانت هي في دبي، وطالبتها بضرورة عودة الرجل من رحلته إلى الخارج، وغابت بعض الوقت لتصلي العصر وعادت لتقول لي "لك ولا نريد الإعلان، الدكتور قطع رحلته وعائد للوطن"... ليكون يوم جمعة الغضب أحد أهداف الأمن، ومن حوله رجال خرجوا مع الشعب إلى الشارع لتطلق عليهم مياه "الصرف الصحي" بالإضافة إلى قنابل الغاز والرصاص وتكون نهاية نظام سبق عادت "هالة" من الخارج لتشارك في الثورة كما عاد الكثيرون، ومنهم من ترك عمله وحياته ودراسته مثل "امير" و "وليد" و "طارق"، جميعهم مثل غيرهم عادوا من مطار القاهرة إلى ميدان التحرير، وليتم القبض على "هالة" عند خروجها من منزل البرادعي مع مجموعة من زملائها كل ذلك لم يجد الإنصاف عند البعض الذي أخذ يلوك مواقف الرجل أنها صناعة خارجية، بل إن بيانه الأخير هذا صار دعوة للفتنة وإثارة لا محل لها. ولم يتح هؤلاء للعقل فرصة الإدراك ولكن ساقتهم آلة الإعلام المضادة للثورة إلى منهج للقياس يلغي العقل ويحمل أختام الوصم بالجهالة لأن الله حرمهم فرصة الإدراك بعد أن غيبوا المسؤولية وارتموا في نعومة السلطة وكل سلطة تذكرت المرحوم الأستاذ فريد عبدالكريم القطب الناصري والذي شاركته والصديق عادل آدم مسؤولية تأسيس الحزب الاشتراكي العربي الناصري (تحت التأسيس) قبل أن يخرج إلى النور الحزب العربي الديمقراطي الناصري بقرار من محكمة كان دافعها سياسيا وهو إغلاق الطريق على حركة الاشتراكي لأنها استغلت ثغرة قانونية في عدم تحديد فترة التأسيس وكان القانون يومها يتيح الفرصة للحركة السياسية بين الجماهير، وليتم إلغاء فترة التأسيس من القانون بعد ذلك تذكرت فريد عبدالكريم وأنا أسمع للبرادعي، كانوا أيضاً يتهمونه بأنه مهيج جماهيري، وحكم عليه أنور السادات بالإعدام في قضية مايو1971، ولكن الرجل كان يتحدث حديثا في ظاهره مستحيلا ولكنه هو الطريق، ويوما قال في بداية التأسيس مخاطبا السلطان "إما أن تعد الرؤوس أو تقطع الرؤوس"، حتى أن العديد من الشخصيات التي كانت توصف بالتقدمية في أول الثمانينات كانت تتهمه بالمزايدة عليها طابقت بين الرجلين في مطلب العدالة الاجتماعية، لم يتنازل كلاهما عنها، واضحة راسخة في العقل والإرادة، وكلا الرجلين يؤمن بالشعب ويراه بديل العجز وأنه الوحيد القادر بحركته أن يحقق مطلب التغيير، ثلاثون عاما الفارق بين الدعوتين، ولكن الفرق بينهما هو جيل الشباب الذي تصدى كطليعة للثورة في يناير 2011 الأمة تواجه الأزمة الراهنة بإرادة تتجدد يوم 25 يناير 2012 وكأني ببيان البرادعي هو بيان الثورة لماذا؟ هكذا تكون مهام الرجال حين تختلط الأوراق وتلتبس المواقف، العودة إلى الأساسيات حتى وإن كانت عكس أمنيات الخنوع، تضيء شعلة الثورة من جديد، وتنفي عنها الشخصنة وأنها ملك للشعب، وهو وحده القادر عليها وعلى تحقيق أهدافها، وهو المعلم والقائد، وهذا معنى الثورة الأبدية الكل يتناول قضايا الوطن في اللحظة الراهنة بالكلام الأمر تجاوز مجرد الحذر ودخل الوطن مرحلة الخطر ولم تكن الثورة في يناير إلا رفضا لما كان وباب الدخول لما هو قادم تحت شعارات أطلقها الشعب في مظاهراته بلا تنظيم ولا قيادة ولكن من تحدث عن الملايين في الشارع والعدالة الاجتماعية؟ والديمقراطية الاشتراكية قبل الثورة؟ وحال وصوله هو هذا الرجل ليس الأمر الاختلاف أو الاتفاق حول رجل، ولكن الأمر الآن هو رؤية واستراتيجية ومهام وزمن وقوى اجتماعية ودستور يجري الحديث عنه على شاشات التليفزيون بالقطعة حتى أن أحدهم تحدث عن الانتهاء أولا من باب الرئيس؟؟؟ أي حديث ماجن هذا؟؟ أليست قضايا الشعب وهمومه أولى بنا أن نتناولها أولا.....؟ أليس من الضروري أن تكون هناك نسبة بين أحجام الرجال وأحجام الحوادث؟ إن الانتماء للشعب وقضاياه، أن نظل على عهد الثورة لصالح الوطن ما بقينا بيان الدكتور محمد البرادعي دعوة لوقفة مع النفس فهل يملك معارضوه قبل مؤيديه شجاعة الوقفة مع النفس؟ الأمر وطن وليس مناصب أو مراكز قوى أو أشخاص هل لنا أن نترك العشوائية ولو للحظة من الزمن إلى الموضوعية؟؟ الوطن يحتاج الثورة والشعب هو القادر عليها، هل بان الرشد من الغي؟