بقلم محمد الحنفي [email protected] والعبرة التي تؤخذ من محاكمة الفساد، والمفسدين، تتمثلفي: 1) إعادة تربية جميع أفراد المجتمع، على احترام الثروةالشعبية، والعمل الدؤوب على حمايتها، والسعي إلى توظيفها لمصلحة الشعب:الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والحرص على أن تصير تلك الخدمةمنتجة للكرامة الإنسانية، التي هي الغاية الأساسية من وراء احترام، وحماية ثرواتالشعوب، التي لا تتحقق إلا ب: ا تعليم شعبي ديمقراطي، يؤدي إلى تمكين جميع أبناءالشعب، في كل بلد عربي، من التعليم الجيد، القائم على أساس تكافؤ الفرص. ب توفير الشغل لكل أفراد الشعب في سن العمل، كحقإنساني، يجب التمتع به، مع مراعاة المؤهلات التي يحملها كل فرد، على جميعالمستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية. ج جعل الخدمة الصحية في متناول جميع أفراد الشعب، فيكل بلد عربي، مهما كان لونهم، أو جنسهم، أو معتقدهم، من أجل محاربة جميع الأمراضالتي يصاب بها الإنسان. د تمكين جميع الأسر، في كل شعب في البلاد العربية، منامتلاك سكن لائق يحفظ كرامة الأسرة، ويوفر لها الاستقرار، حتى يتمكن أفرادها منخدمة المجتمع، ومن القيام بدورها في فرض احترام ثروات الشعوب، وفي حماية تلكالثروات. فالكرامة الإنسانية شرط لوجود الإنسان، ولوجود الشعب، فيأي بلد من البلاد العربية، وإلا فإن الإنسان غير موجود. والشعوب عبارة عن قطعان منالحيوانات، التي يرعاها الحكام، من أجل الاستفادة منها. 2) إعداد الشعوب للتصدي لكل أشكال الفساد، التي تطالالإدارة، والعمل السياسي، وخاصة في المناسبات الانتخابية، حيث يتخذ الفساد السياسيتجليات متعددة، وخاصة تلك التي ترتكز على تشغيل الشباب العاطل، للقيام بالحملاتالانتخابية، دون اقتناع لا بالأحزاب، ولا بالبرامج، ولا بالأهداف، خلال أيامالحملة، ليرجعوا بعد ذلك إلى العطالة التي تنتظرهم. والشعوب، عندما تمتلك الوعي بالأوضاع الاقتصادية،والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، عندما تدرك خطورة الفساد السياسيعلى مستقبلها، فإنها تعد أبناءها الشباب لمواجهة ذلك الفساد، لا أن تنخرط فيه. ولإدراك أهمية خطورة الفساد السياسي، على مستقبل الشعوب،لا بد من: ا تحديد مفهوم الفساد السياسي، الذي يؤدي إلى تزويرإرادة الشعب، في كل بلد عربي، لإيجاد مؤسسات تمثيلية، لا تعبر بالضرورة عن إرادةالشعوب العربية، بقدر ما تأتي استجابة لإرادة الحكام، وأذنابهم، لخدمة مصالحالطبقات، التي ينتمي إليها أولئك الحكام. ب تحديد مظاهر الفساد السياسي: اقتصاديا، واجتماعيا،وثقافيا، حتى تستطيع الشعوب إيجاد الآليات المناسبة، لمحاربة كل مظهر من المظاهر،التي يتم تحديدها، والتي يتم تفعيل معظمها على مدار السنة، حتى يتأتى جعل الفسادالسياسي جزءا من الحياة العامة، كما هو حاصل، أو التي يتم تفعيلها بالخصوص، كلماكانت هناك انتخابات، من بداية التسجيل في اللوائح الانتخابية، إلى إعلان النتائج. ج تحديد المناصب السياسية، التي يتم عن طريقها تكريسالفساد السياسي، من أجل إيجاد آليات للعمل، على مواجهة مستغلي المناصب السياسية،لممارسة كافة أشكال الفساد السياسي، الذي تتضرر منه الشعوب في البلاد العربية، فيأفق جعل مختلف المناصب السياسية، غير منتجة للفساد السياسي، حتى تصير الشعوبالعربية خالية منه. د تحديد الأضرار التي تلحق الشعوب في البلاد العربية،بسبب إشاعة الفساد السياسي، بين أفراد كل شعب، سواء كانت اقتصادية، أو اجتماعية،أو ثقافية، باعتبارها مجالات ينعكس عليها الفساد السياسي، مما يجعل الأضرار التيتلحق المجتمعات العربية مضاعفة، ومن أجل وضع برنامج شامل لمحاربة أضرار الفسادالسياسي. وبناء على التحديد المذكور، يصير إعداد الشعب، بجميعفئاته العمرية، وبجميع طبقاته الاجتماعية، وسيلة من الوسائل الأساسية، التي يمكناعتمادها لمحاربة مظاهر الفساد السياسي، في أفق استئصاله، وبصفة نهائية، من الحياةالسياسية. 3) التخطيط، والبرمجة، من أجل العمل على إنضاج الشروطالموضوعية، التي تؤدي إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، ذلكأن جميع الشعوب العربية، عرفت، وتعرف فسادا سياسيا، لا محدودا، نظرا لكون الشروطالموضوعية المؤدية إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، غيرمتوفرة، باعتبارها أهدافا كبرى. ومن الشروط الموضوعية المؤدية إلى تحقيق الأهداف الكبرى،المشار إليها، نجد: ا قيام دستور ديمقراطي شعبي، يصير فيه الشعب سيد نفسه،ومصدرا لجميع السلطات، حتى يستطيع الشعب في كل بلد عربي تقرير مصيره الاقتصادي،والاجتماعي، والثقافي، والسياسي. ب إجراء انتخابات حرة، ونزيهة، لإيجاد مؤسسات تمثيليةحقيقية، تعكس إرادة الشعب في كل بلد عربي، وتعمل على خدمة مصالحه. ج إيجاد حكومة من الأغلبية البرلمانية، تكون مسؤولةامام البرلمان، وتخضع لمحاسبته، ومراقبته. د العمل على إيجاد حلول للمشاكل العامة، كمشكلالتشغيل، والتعليم، والصحة، والسكن، والنقل العمومي، ومد الطرقات إلى مختلفالتجمعات السكنية، ومد الكهرباء، والماء، وخطوط الهاتف إلى جميع المنازل، في كلبلد عربي، حتى يصير كل ذلك في متناول المواطنين. ه تحرير الاقتصاد الوطني من التبعية، ونهج سياسةتنموية اقتصادية حقيقية، حتى يتأتى توفير المزيد من مناصب الشغل للعاطلين،والمعطلين، في جميع القطاعات الاقتصادية، والاجتماعية. و اعتماد التصنيع، ومكننة الزراعة في المدن، والقرى،كوسيلة تنموية ناجعة، من أجل دعم استقلال الاقتصاد الوطني، في كل بلد من البلادالعربية. ز تمتيع جميع أفراد الشعب، في كل بلد عربي، بالحقوقالاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، حتى يكتسبوا جميعا حقهمفي المواطنة. ح ملاءمة جميع القوانين الوطنية، في كل بلد عربي، معالمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، حتى تصير القوانين الوطنية، في خدمةتمكين المواطنين، في كل بلد عربي، من التمتع بحقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية،والثقافية، والمدنية، والسياسية. فالعمل على إنضاج هذه الشروط، لا بد أن يؤدي، بالضرورة،إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، باعتبارها أهدافا كبرى،تسعى الشعوب العربية إلى تحقيقها، نظرا لحرمانها منها، بسبب سيطرة الأنظمةالاستبدادية على مصيرها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، مما يجعلهاتعيش حالات الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال. ومحاكمة ناهبي ثروات الشعوب، لا تأتي هكذا، بدون أهداف،بل لا بد من أهداف تسعى ثورة الشباب إلى تحقيقها من وراء ذلك. والأهداف المتوخاة من وراء من محاكمة ناهبي ثرواتالشعوب: 1) الانطلاق من أن لا أحد فوق القانون، مهما كانتالمسؤولية التي يشغلها، مادام يستغل نفوذه في نهب ثروة الشعب، مهما كان هذا الشعب،وفي كل بلد من البلاد العربية. 2) التأكيد على ضرورة استقلال القضاء عن السلطتين:التشريعية، والتنفيذية، حتى يستطيع متابعة أي مسؤول، مهما كانت درجة مسؤوليته، فيبنية أجهزة الدولة، بمجرد تلقي شكاية من أبسط مواطن، يدرك ما يمارس من نهب علىثروة الشعب، في البلد العربي الذي ينتمي إليه. 3) حماية أموال الشعب، في كل بلد عربي، من عملية النهب،حتى تصير تلك الأموال في خدمة مصالح الشعب: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية،والسياسية. 4) استرجاع أموال الشعب، التي تم نهبها من قبلالمسؤولين، في مختلف درجات المسؤولية، بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة، حتى وإنتقادمت عملية النهب المذكورة. 5) إعادة تربية المسؤولين على تحمل المسؤولية، في حمايةثروات الشعوب، والتصدي لممارسي النهب، مهما كان مستواهم، وتقديمهم إلى المحاكمة،في كل بلد من البلدان العربية. 6) التربية على استحضار ضرورة الالتزام بما هو منصوصعليه في القوانين ذات الطابع المحلي، أو الوطني، أثناء ممارسة المسؤولية، في تدبيرالشأن العام، واتخاذ الإجراءات الضرورية ضد كل الأعوان، والمساعدين، الذين لايلتزمون بتطبيق القوانين المختلفة، أثناء ممارستهم لمهامهم. 7) التربية على استحضار مضامين المواثيق، والمعاهداتالدولية، وخاصة منها تلك المتعلقة بحقوق الإنسان، وسمو المواثيق، والمعاهداتالدولية على القوانين المحلية، والوطنية. 8) التربية على احترام الشعب، في كل بلد عربي، حتى يمتنعالمسؤولون عن القيام بأي عمل يسيء إلى الشعب. وذلك من خلال احترام كرامة المواطن،أنى كان لونه، أو جنسه، أو معتقده، أو لغته، أو طبقته الاجتماعية. فتحقيق هذه الأهداف، من وراء محاكمة ناهبي ثروات الشعوب،يقف وراء تحول الواقع، في اتجاه الأحسن، سعيا إلى تخليصه من ناهبي ثروات الشعوب،ومن مصاصي الدماء، الذين يطلبون المزيد من الاستفادة، ودون التوقف عند حدود معينة.وهو ما يعني إعطاء الفرصة للشعوب، من أجل تحقيق التطور الاقتصادي، والاجتماعي،والثقافي، والسياسي، الذي يجعل الشعوب العربية تشرع في بناء حضارتها المعاصرة،التي لا يحضر فيها إلا الصراع الديمقراطي، الهادف إلى الاتقاء بالشعوب العربية إلىالأحسن. والأهداف المتحققة من وراء محكمة ناهبي ثروات الشعوب، قدتكون تربوية، وقد تكون مرحلية، وقد تكون إستراتيجية. فهي تصير تربوية، عندما تسعى إلى تقويم سلوك الأفراد،والجماعات، حتى يتخلص الجميع من مجرد التفكير في نهب ثروات الشعوب، عندما يتحملونمسؤوليات تمكنهم من ذلك. وهي مرحلية، عندما تتخذ طابع التدرج، الذي يرقى بالمجتمعمن مرحلة، إلى أخرى، في أفق الوصول إلى وضع حد لناهبي ثروات الشعوب، وبصفة نهائية. وهي إستراتيجية، عندما تضع في اعتبارها تغيير الاختياراتالمنتجة لمسلكية نهب ثروات الشعوب، باختيارات تنتفي فيها نهائيا، إمكانية إنتاجتلك المسلكية، لتتخلص الشعوب العربية من كل أشكال النهب، التي تتعرض لها ثرواتها،لتصير بذلك خالصة لها، وفي خدمة مصالحها، الضامنة للتوزيع العادل للثروة. وفي حالة وجود قوانين صارمة، تهدف إلى محاكمة ناهبيثروات الشعوب، مهما كان مستواهم، فإن التخلص من ناهبي ثروات الشعوب، على المدىالقريب، والمتوسط، والبعيد، تصير ضرورية، ليصبح المسؤولون شيئا آخر، مع التحولالإيجابي، الذي يعرفه الواقع، عن طريق التخلص من الشروط الموضوعية الفارزة لكلأشكال الفساد الإداري، والسياسي، المنتج لنهب ثروات الشعوب على المدى القريب،والمتوسط، والبعيد. فالتخلص من الشروط الموضوعية الفارزة لكل أشكال الفساد،معناه إنضاج شروط موضوعية نقيضة، منتجة للحس الإنساني، وللشعور بتحمل مسؤوليةتدبير أمور الشعوب العربية، وبأن تلك المسؤولية تقتضي الحرص على حماية ثرواتالشعوب، وتوظيفها لخدمة مصالح الشعوب: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية،والسياسية على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد. وهذا الشعور بالمسؤولية، لا يعفيمن ضرورة إيجاد هيئات للمراقبة، والمحاسبة على جميع المستويات، وفي كل بلد عربيعلى حدة، من: 1) التأكيد على سلامة، وحماية ثروات كل شعب على حدة، منعملية النهب، التي قد تحدث هنا، أو هناك. 2) محاسبة، ومحاكمة كل من تجرأ على نهب، ولو جزء يسير منثروة الشعب، في كل بلد عربي، مهما كان مستواه الإداري، ومهما كانت مسؤوليتهالسياسية. 3) الإشراف على توجيه عملية الصرف المركزي، والجهوي،والإقليمي، والمحلي، انطلاقا من أولويات خدمة مصالح الشعب في كل بلد عربي. وهيئات المراقبة المذكورة، تكون ذات بعد وطني، وجهوي،وإقليمي، ومحلي، وتكون منفتحة على جميع أفراد الشعب في كل بلد عربي، ومتتبعة لماينشر في الإعلام السمعي / البصري، والسمعي، والمقروء، والإليكتروني، من أجلالإحاطة بما يجري على مستوى نهب الثروات، التي ترجع ملكيتها إلى الشعوب، أو علىمستوى الأوجه التي تصرف فيها: وهل يستفيد منها الشعب، أم لا؟ رغبة من المسؤولين، ومن المشرفين على عملية الصرف، فيجعل ثروات الشعوب لا تخدم غير مصلحة الشعوب. وإلا فإن إجراءات المحاسبة، في أفقالمحاكمة، تبدأ بسبب التبذير، الذي تتعرض له ثروات الشعوب؛ لأن التبذير، هو نفسهشكل من أشكال النهب.