بقلم محمد الحنفي [email protected] وثورة الشباب، لايمكن أن تكون ثورة قولا، وعملا، إذاتوقفت عند حدود العمل على وضع حد لتهب ثروات الشعوب، بل لا بد من العمل على محاكمةناهبي تلك الثروات، سواء كانت مادية، أو معنوية، وسواء كان أولئك الناهبون لثرواتالشعوب، أو المال العام، كما يسمونه، حكاما، أو مجرد مأمورين يستغلون النفوذ، أومن أصحاب الامتيازات، الذين يرخص لهم بنهب ثروات الشعوب، بطريقة، أو بأخرى، أوكانوا مشغلين لا يقومون بتأدية حقوق العمال، كما هي منصوص عليها في المواثيقالدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وفي القوانين الوطنية، أو المحلية المتلائمة معهافي كل بلد من البلاد العربية، أو كانوا مهربين صغارا، أو كبارا، نظرا لتأثيرهم علىالإنتاج الوطني، الذي يتعرض، بسبب ذلك، لكساد كبير، قد يؤدي، في كثير من الأحيان،إلى إفلاس المؤسسات الوطنية الإنتاجية، وتسريح العمال، وباقي الأجراء، وهجرةالرساميل الوطنية إلى دول أخرى، أملا في تحقيق النمو المطلوب، أو كانوا مروجينكبارا، أو صغارا، لقيامهم بنهب جيوب أبناء الشعب في كل بلد عربي، ولأنهم يقفونوراء التأثير على أداء العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، العاملين في مختلفالمؤسسات الإنتاجية، والخدماتية، والتجارية، والزراعية، وغيرها، وكل من ساهم منقريب، أو بعيد، في عملية النهب الممنهج لثروات الشعوب. فلماذا ضرورة أن تكون ثورة الشباب، من أجب محاكمة ناهبيثروات الشعوب؟ وما هي العبرة التي نأخذها من محاكمتهم؟ وما هي الأهداف التي تتحقق من وراء هذه المحاكمة؟ هل هي أهداف تربوية؟ هل هي أهداف مرحلية؟ هل هي أهداف إستراتيجية؟ وهل يتوقف المسؤولون عن عملية نهب ثروات الشعوب؟ وكيف تصير الشعوب العربية، إذا صارت خالية من ناهبيثروات الشعوب؟ وهل تصير الثروات في خدمة مصالح الشعوب العربية فعلا؟ أم أن تلك الثروات تصير في خدمة شيء آخر، لا علاقة لهبالشعوب؟ وهل تنسحب سيادة الشعوب، في حال تحققها عن طريق ثورةالشباب، على ثرواتها، من أجل توظيفها في خدمة مصالحها؟ وما طبيعة الدولة التي تأتي في ظلها محاكمة ناهبي ثرواتالشعوب؟ وما طبيعة الدستور المدستر لمحاكمة ناهبي ثروات الشعوب؟ إن ثورة الشباب، هي ثورة آتية من الشعب، وإلى الشعب، وهيثورة معبرة عن طموح إرادة الشعب في كل بلد عربين وأقصى ما يطمح إليه الشعب في كلبلد عربين أن يتحررن وأن يتمتع بالديمقراطية، في إطار دولة مدنية ديمقراطيةعلمانية، وأن يتم التوزيع العادل للثروة الوطنية في كل بلد عربي، وأن يتم تشغيلجميع أبناء الشعب، من المحيط، إلى الخليج، وأن تكون هناك تنمية اقتصادية،واجتماعية، وثقافية، تتناسب مع النمو الديمغرافي، وأن يتمتع جميع الناس، بجميعالحقوق: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وأن تحضر كرامةالإنسان في العلاقة مع المواطنين في كل بلد عربي، وأن يعتبر احترام كرامة الإنسانمسألة مقدسة، حتى لا يتعرض المواطنون إلى دوس كرامتهم من قبل الحكام، ومن قبلالمستغلين (بكسر الغين)، الذين لا يهتمون إلا بتنمية ثرواتهم، على حساب كرامةالإنسان. ولذلك، فثورة الشباب، يجب أن تعتبر ثورة من أجل محاكمةناهبي ثروات الشعوب؛ لأن تركهم بدون محاكمة، لا يعني إلا الإفلات من العقاب،والإفلات من العقاب، لا يمكن أن يؤدي إلا إلى المزيد من نهب ثروات الشعوب، التيتؤدي ضريبة الإفلات من العقاب على مدى عقود بأكملها. ومحاكمة ناهبي ثروات الشعوب، تعني محاكمة: 1) الفساد الإداري، المنتج لنهب ثروات الشعوب؛ لأنه لايمكن أن يكون هناك نهب، بدون قيام فساد إداري، قائم على أساس تفشي المحسوبية،والزبونية، والإرشاء، والارتشاء. فالفساد الإداري، يمهد الطريق أمام عملية النهب الهمجية،التي تتعرض لها أموال الشعوب. ولذلك، فالقضاء على الفساد الإداري، ومحاكمة المسؤولينعن شيوعه في الإدارة، في كل بلد من البلاد العربية. وبدون فساد إداري، لا يصل المستفيدون منه إلى المراكزالاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، لتصير الإدارة في البلاد العربيةمواطنة، خالية من كل أشكال الفساد الإداري. 2) الفساد السياسي، الذي يقف وراء إفساد الحياةالسياسية، في مختلف المحطات الانتخابية، وعلى جميع المستويات، سعيا إلى تزويرإرادة الشعب في كل بلد عربي. ذلك أن الفساد السياسي، لا يهدف إلى إيجاد مؤسساتتمثيلية حقيقية، بقدر ما يهدف إلى إيجاد مؤسسات مزورة على المقاس، حتى تخدم مصالحالحكام، ومن يسبح في فلكهم، حتى تصير، وبإخلاص، في خدمة مصالحهم الاقتصادية،والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ومن أجل أن تتحول إلى أدوات منظمة، لعملية نهبثروات الشعوب، سواء كانت هذه المؤسسات ذات بعد محلي، أو إقليمي، أو جهوي، أو وطني. ولذلك كانتن ولا زالت، ضرورة محاكمة من يقف وراء انتشار الفسادالسياسي، في كل بلد عربي، مسألة أساسية؛ لأن الفساد السياسي هو التعبير الأسمى،على المستوى السياسي، عن عملية النهب المتواصلة، التي تتعرض لها ثروات الشعوب فيالبلاد العربية، خاصة، وأن الفساد السياسي، يقف وراء المغالاة في ممارسة الفسادالإداري، وفي انتشار الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي. 3) الفساد الاقتصادي، الهادف إلى التسريع بتكديس ثرواتهائلة، في أيدي فئة قليلة من المفسدين الاقتصاديين، وخاصة الذين يستفيدون مناقتصاد الريعن الذي يشيع كثيرا في البلاد العربية. فالمفسدون الاقتصاديون، يعتبرون مسؤولين عن تفشيالممارسات الاقتصادية الفاسدة، كاقتصاد الريع، والاتجار في الخمور، وفي المخدرات،وفي التهريب، وغير ذلك من الممارسات التي تتنافى مع قيام اقتصاد وطني متحرر، قائمعلى الصناعة، والزراعة، المنتجتين للخيرات، والمشغلتين لليد العاملة، والمفعلتينللتجارة الداخلية، والخارجية. ومن هذا المنطلق المذكور، تكون محاكمة الذين يقفون وراءالفساد الاقتصادي ضرورية، للتخلص من كل أشكال النهب، التي تتعرض لها ثروات الشعوبالعربية. 4) الفساد الاجتماعي، الذي يستهدف مجالات التعليم،والصحة، والسكن والشغل، بهدف تحويلها إلى مجالات لنهب جيوب المواطنين، وعلى نطاقواسع، حتى يصير التعليم من بدايته، إلى نهايته بالمقابل، وتصير الصحة كذلك، ويصيرالسكن بعيدا عن متناول ذوي الدخل المحدود، ويصير التشغيل في حكم المستحيل، إذا لمتدفع رشوة ضخمة، من أجل الحصول على شغل معين. وهو ما يعني أن محاكمة المسؤولين عنتفشي الفساد الاجتماعي، بأشكاله المختلفة، صارت ضرورية، من أجل إيقاف تدهورالمجتمع العربي، في كل بلد من البلاد العربية، ومن أجل أن يصير تلقي الخدماتالاجتماعية ضروريا، ومتاحا لجميع المواطنين، في كل بلد عربي، باعتبار الخدماتالاجتماعية حقا لجميع المواطنين، في كل بلد من البلاد العربية. 5) الفساد الثقافي، الذي يؤدي إلى إفساد القيم الثقافية،الموجهة لمسلكية الإنسان، في كل بلد من البلاد العربية، ومن أجل أن يصير فسادالقيم في المسلكية الفردية، والجماعية، وسيلة للقبول بكل أشكال الفساد الإداري،والسياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، بصفة تلقائية، فكأن ذلك الفساد قائم على أساسقانوني في واقع الإدارة، وفي الواقع السياسي، وفي الواقع الاقتصادي، وفي الواقعالاجتماعي، مع أن الأمر ليس كذلك. فالفساد يخرج جميع الممارسات الإدارية، والسياسية،والاقتصادية، والاجتماعية، عن القوانين المعمول بها، حتى وإن كانت تلك القوانينغير متلائمة مع المواثيق الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان. وإلا فلما كان هناكفساد. ولذلك فمحاكمة المسؤولين عن إفساد القيم الثقافية، في كلبلد من البلاد العربية، والتي تقف، بسبب فسادها، وراء القبول بكل أشكال الفسادالأخرى، التي تقف وراء نهب ثروات الشعوب، تعتبر ضرورية، لوضع حد للفساد الثقافي،ومن أجل وجود ثقافة جادة، ومسؤولة عن إشاعة قيم الكرامة الإنسانية، التي يجب أنيتمتع بها كل إنسان في البلاد العربية، من المحيط، إلى الخليج، ومن أجل وقوف قيمالكرامة الإنسانية، وراء التصدي لكل أشكال النهب، التي تتعرض لها ثروات الشعوب فيالبلاد العربية، ومن أجل أن لا يكدس المسؤولون الملايير، من الثروات المنهوبة، فيالحسابات الخارجية، والداخلية، ومن أجل أن لا يتم تجميدها في العقارات، التي تزدادقيمتها ارتفاعا بسبب ذلك. فمحاكمة الفساد، من خلال محاكمة المسؤولين عنه، لا يعنيإلا إيجاد آلية أساسية لحماية ثروات الشعوب، حتى تصير تلك الثروات في خدمة الشعوب.