العنف والتخريب وتعديل قانون الطوارئ (2) بقلم : المستشار محمد حامد الجمل منذ 19 دقيقة 3 ثانية صدر الأسبوع الماضي قرار تفعيل وتطبيق قانون الطوارئ، مع إدخال تعديل علي أحكام هذا القانون، يتضمن مجال تطبيقه بحيث يشمل نشر الشائعات غير الصحيحة التي يترتب عليها تكدير الأمن العام، مع التأكيد من وزارة الداخلية بعدم تطبيق أحكام القانون، علي غير ما سبق ذكره مع جرائم المخدرات والإرهاب والسلاح... إلخ. وتأكيد عدم تطبيقه علي الناشطين السياسيين أو التظاهر أو الاعتصام السلمي للتعبير عن الرأي، أو المطالب الشعبية!! ويثير القرار المذكور، العديد من الأسئلة، كما اعترض عليه في وسائل الإعلام، عدد كبير من القوي السياسية، كما تمت مظاهرة كبيرة أخري من قوي سياسية مختلفة يوم الجمعة الماضي، واستند المعارضون علي أن أمر هذا القانون يجيز اعتقال أي مواطن، دون أمر قضائى، كما أن الأحكام التي تصدر من محاكمة أمن الدولة طوارئ طبقاً لنصوص تصدر نهائية، وبما تم بعد التصديق عليها من الحاكم العسكري العام، ولا يجوز بالتالي الطعن عليها، وذلك بالمخالفة للأحكام الواردة، بالمعاهد الدولية للحقوق المدنية والسياسية، والمنضمة مصر إليها، فضلاً عن عدم دستورية العمل بهذا القانون، سواء في ظل الدستور المؤقت أو الدستور الساداتي المعلن!! فقد تم تطبيق هذا القانون منذ اغتيال السادات 1981، وبقي معمولاً به بعد 25 يناير، وقد استخدم في القمع السياسي للمعارضة، رغم إعلان أنه لن يطبق إلا علي جرائم الإرهاب والمخدرات، ورغم التطبيق الطويل المستمر والموسع طويل الأمد لهذا القانون خلال الفترة المباركية بأكملها، فإن هذا القانون لم يمنع وقوع جرائم الإرهاب سواء بالأقصر أو طابا أو الحسين أو بالكنائس بالإسكندرية وبإمبابة، كما انتشرت المخدرات في البلاد بشدة، ومن ثم فإنه لم تكن له فائدة جدية، في قمع الإرهاب أو تهريب المخدرات، هذا فضلاً عن أنه توجد بقانون العقوبات أحكام كافية لعقاب جرائم الإرهاب والبلطجية، والمخدرات وتقديم المتهمين للقضاء الجنائي الطبيعي، كما أن عرض أحكام قانون الطوارئ يتعارض مع حقوق الإنسان التي تحتم محاكمة المتهمين أمام قاضيهم الطبيعي، بالإضافة إلي أن أحد الأهداف الأساسية لثورة 25 يناير هو إلغاء هذا القانون السيئ السمعة لكفالة إعادة الحريات والحقوق العامة للمصريين!! وقد قال وزير الداخلية اللواء العيسوى في مداخلة بإحدى الفضائيات الأسبوع الماضى إنه أفرج منذ توليه الوزارة عن جميع المعتقلين السياسيين بمقتضي قانون الطوارئ إنه لم ولن يقرر اعتقال أي ناشط سياسي باستخدام هذا القانون!! وذلك رداً منه علي السؤال عن الضمانات التي تكفل عدم إساءة استخدام هذا القانون الذي يجيز اعتقال المواطنين دون إذن قضائى، كما أعلن الوزير بياناً بضمانات تطبيق الطوارئ!! وبالإضافة لما سبق فإن تفعيل هذا القانون لن يقضي علي الانفلات الأمني الذي تعاني منه البلاد، فالقانون لا تطبق أحكامه ذاتياً، وإنما يتعين توفر قوات الشرطة في الشارع وبالقرب من المواطنين، وأن يكون لدي هذه القوات الإرادة والمعدات والسلاح والإمكانيات لمنع الجريمة، ووقف أي عدوان علي الأفراد أو علي الممتلكات الخاصة والعامة!! وهذا للأسف لم يحدث منذ يناير الماضي رغم نفاذ القانون، فقد انسحبت الشرطة بعد الضرب الدموي العنيف لقتل المتظاهرين المسالمين الذين كانوا يحتجون ويرفضون النظام البائد بالمحافظات المختلفة، بل لقد وقعت أحداث العدوان علي السجون وأقسام الشرطة وسرقة الأسلحة منها مع تهريب المساجين الخطرين في ظل نفاذ وسريان قانون الطوارئ!! ولقد انقضي أكثر من أسبوع علي قرار تفعيله ولم ينته للأسف الانفلات الأمني ويعود الانضباط إلي الشارع والأمن للمواطنين وذلك باعتقال المجرمين الهاربين وعددهم سبعة آلاف، أو استعادة الأسلحة المسروقة وعددها 8000 قطعة كما أنه مازالت جرائم الاعتداء علي الأفراد وسرقتهم بالإكراه مع سياراتهم تحدث يومياً تقريباً في القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية وغيرها، وذلك لأنه لم يتم وضع وتنفيذ الخطط الصحيحة لانتشار قوات الشرطة مع تمركز كمائنها بالطرق السريعة والعامة وفي الميادين علي مسافات تتقارب لردع المجرمين!! ولم يتم كذلك تنفيذ حملات المطاردة للهاربين من المجرمين المساجين، واسترداد الأسلحة المسروقة منهم!! بل إنه للعجب، أعلنت الداخلية أنها سوف تعطي من يعيد السلاح المسروق رخص حمل قانونية وهذا حل لم ولن يعيد الأسلحة المسروقة!! وقد صرح وزير الداخلية بالمصري اليوم بأن الشرطة سوف تضرب بالرصاص الحي في القلب لمن يهاجم مديريات الأمن... إلخ استخداماً لحق الدفاع الشرعي!! ورغم كل ما سبق فإن العمل وتفعيل قانون الطوارئ لا يكفي وحده، لأن معنويات ضباط الشرطة قد تأثرت بما حدث في الأيام الدموية للثورة، وأيضاً من المحاكمات للعديد منهم بتهمة قتل المتظاهرين ولابد أن تعمل وزارة الداخلية والإعلام علي تأكيد حق الشرطة في استخدام القوة المناسبة للدفاع الشرعي وأنه لا مسئولية علي أي منهم يلتزم فعلاً بذلك!! فالذين يحاكمون لم يكونوا في حالة دفاع شرعي، وإنما في حالة تعمد قتل المتظاهرين المسالمين!! ورغم أنه قد استخدم قانون الطوارئ لقمع وإرهاب المعارضين للنظام الاستبدادي الفاسد فإنه في حالة الانفلات الأمني الحالي من الحتمي والضروري استخدامه حتي يعود الأمن والأمان للمصريين ولكن لابد أن تعدل الحالات التي تطبق عليها وحذف جريمة نشر الشائعات التي تهدد حرية الرأي والنقد ولا شك في صحة قول الشاعر «السيف أصدق أنباء من الكتب في حدة الحد بين الجد واللعب». *رئيس مجلس الدولة الأسبق