الكتابة عن الملف القبطى فى مصر ظل لسنوات عديدة محاولة محفوفة بالمخاطر، لا يقدم عليها أى مؤلف أو كاتب، وإذا حاول أحدهم مسها مساً خفيفاً، نظراً لطبيعة المراحل السابقة وما حملته من محاذير، بالإضافة إلى القيود التى وضعها الكتاب على أنفسهم - ربما لم تكن موجودة – خوفاً من الوقوع فى الشبهات، واستبراء للذمة الفكرية، وعدم الرغبة فى التعرض لأى مضايقات. واللواء حمدى البطران – ضابط الشرطة السابق - واحد من هؤلاء، فلم يكن فى تخطيطه الكتابة عن هذا الملف, ولكنه كان واحداً من ملفات ثلاثة ضمها كتابه «الأمن من المنصة إلى الميدان» الذى تحدث فيه بالتفصيل عن الأمن فى عهد مبارك, وهى الملفات التى أسندت الحكومات المصرية المتعاقبة مسئوليته إدارتها إلى جهاز الشرطة, وعلى وجه الخصوص، جهاز أمن الدولة, وتلك الملفات هى: «الملف القبطى, ملف سيناء, ملف الإخوان المسلمين» وتلك الملفات شكلت بعد ثورة 25 يناير أكبر خطر واجه الدولة المصرية بعد انهيار أمنها المريع, فقد تبين أن إدارة الشرطة أو أمن الدولة لهذه الملفات كانت إدارة تتسم بالحمق. ويعيدنا المؤلف - مؤكداً نظريته - إلى قيام المجلس العسكرى بإجراء أول حركة محافظين – بعد توليه أمور البلاد - ضمت وزيراً قبطياً لمحافظة صعيدية, وقتها ثار الناس فى وجه الرجل ومنعوه من دخول مكتبه, وفشلت الدولة فى إعادة هيبتها وسطوتها عن طريق إقناع الأهالى الثائرين بأن يتركوا الرجل يدخل مكتبه, وظلت المحافظة دون محافظ حتى الحركة التالية, وتم تعيين محافظ آخر فى صمت, مع أنه فى عصر مبارك كان على رأس المحافظة رجل قبطى أحب الناس وأحبوه. الحقيقة أنها كانت أزمة طائفية بامتياز, حاولت فيها الحكومة كعادتها الاستعانة بالرموز الدينية ممثلة فى الشيخ أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر وابن المحافظة الصعيدية, بالإضافة إلى بعض رموز العائلات فى الصعيد, وهى نفس الطريقة التى كانت تتبعها الحكومات السابقة فى حل المشكلات الطائفية, لذلك كان لابد أن تفشل. كما وقعت حوادث طائفية كانت أكثر عنفا وقسوة, مثل حوادث أطفيح التى استعانت الدولة فيها بالرموز الدينية السلفية لفرض قوتها, ولكن المشكلة كانت أكبر من قدراتهم, وتم حلها بتدخل بعض عائلات المنطقة. ورأى المؤلف - بعد نشر كتابه السابق - أن الملف القبطى يلفه الغموض, وتكتنفه الألغاز, وأن إدارة الأمن له تسببت فى خسارة فادحة, كما رأى أيضاً أن أوراق هذا الملف كانت تشكل عنصراً مهماً من عناصر الضغط الأمريكية على الرئيس الراحل أنور السادات فى نهاية أيامه, رغم أنه ألقى بنفسه طواعيه فى أحضان واشنطن, وفى عصر مبارك كان الملف يضغط بشدة على أعصاب المخلوع, وكانت هناك لجنة تابعة للكونجرس الأمريكى تسمى - لجنة الحريات الدينية – يتواجد أعضاؤها بقوة بعد كل حادث طائفى يحدث فى مصر, ويتهمون حكومة مبارك بالتقصير فى حق الأقباط, وفى هذه الفترة ظهرت بعض الكتابات المنادية بضرورة أن ينظر إلى ملف الأقباط كملف للأقليات, مثل كل الأقليات العرقية فى العالم. وعندما قرر المؤلف تقديم كتابه «الملف القبطى» إلى القارئ - الذى صدر عن دار الثقافة الجديدة - حاول من خلاله جمع كل مفردات الملف التاريخية, والمنعطفات التاريخية فى أربعة أجزاء, جاء أولها بعنوان «لمحة تاريخية» رصد فيه تأثير دخول الإسلام فى مصر على الأقباط, ثم حالتهم فى العصور التالية, ثم علاقة الأقباط بالحملة الفرنسية وظهور الجنرال يعقوب كأول من فكر فى مشروع للتحرر الوطنى, ثم صعود الأقباط فى عصر الوالى محمد على. وفى الجزء الثانى يتناول حركة الأقباط فى القرن التاسع عشر, ويرصد محاولات التأثير فى الكنيسة الأرثوذكسية القبطية, ومحاولة استمالة الأقباط إلى العقيدة الكاثوليكية من جانب الكنيسة الشرقية الكاثوليكية وبابا روما, وموقف بطاركة الأقباط من تلك العمليات, وموقف الحكام المصريين منها, ثم رصد المؤلف الصعود القبطى غير المسبوق فى التاريخ, ومحاولاتهم الاهتمام بالتعليم, ومحاولات إنشاء المجلس الملى, ثم علاقة الأقباط بالبريطانيين, خاصة اللورد كرومر, وهو من أول من لفت النظر إلى ضرورة أن يتولى الوظائف الكبرى مسلمون, وكذلك أول من نبه إلى أن الأقباط ينعمون بكل الوظائف, وتناول بالتفصيل أول مؤتمر قبطى يعقد فى تاريخ مصر, وموافقة الحكومة المصرية على عقده وما ترتب عليه. وفى الجزء الثالث يرصد المؤلف حركة الأحزاب القبطية التى ظهرت فى مصر فى عهد الملكين فؤاد وفاروق, وعلاقة الأقباط بثورة 23 يوليو, وعلاقتهم بجمال عبدالناصر, ويشرح ظهور البابا شنودة الثالث فى توقيت معاصر لظهور الرئيس السادات, والتنافس بينهما على قلوب المصريين, وعلاقة البابا بالرئيس ودور أجهزة الأمن فى تأجيج الصراع بينهما, والحوادث الطائفية فى عصر السادات وأسبابها وكيفية معالجتها, والنهاية المأساوية للسادات, وتولى مبارك, ومعظم الحوادث الطائفية التى وقعت فى عصره. وفى الجزء الرابع يتحدث المؤلف عن أقباط المهجر ونشأة تنظيماتهم, وتأثيرها على أقباط مصر.