بقلم : أحمد جمال بدوى منذ 33 دقيقة 33 ثانية أثارت الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء التركى الطيب أردوغان لمصر كثيرًا من الجدل وانقسم المثقفون والكتاب ما بين مؤيد ومعارض للزيارة والحقيقة إننى لأعجب بشدة من هؤلاء المعارضين للتقارب المصرى التركى أو أى تفاهم يمكن أن يحدث بين مصر ودول أخرى يمكن أن تكون إضافة وخيرًا أملاً لصالح المصريين انفسهم، ولكأنهم بذلك يمارسون نفس أسلوب النظام البائد الغبى الذى جعلنا بسياساته المتخلفة ودبلوماسيته القاصرة نخسر صداقة الكثير من الدول بالمنطقة ولأسباب تافهة مثل حكاية شارع السادات فى إيران... هل يصدق أحد ان مثل هذا الأمر يجعلنا نخسر دولة اسلامية كبرى فى حجم وأهمية إيران وقوتها مهما اختلفنا معها.. وكذلك خسرنا تركيا التي اضطرت إلي التوجه نحو أوروبا ذلك الطريق الذى يجب أن يمر طبعًا بإسرائيل، كما خسرنا العديد من دول القارة الإفريقية بسبب التخبط والرعونة وسوء إدارة السياسة الخارجية علي مدى ثلاثين عامًا وما قبلها بقليل، ونذكر طبعًا بأزمة مياه النيل التي مازالت جارية حتى الآن.. فقد أدى انسحاب مصر الحضارى والسياسى والثقافى من القارة الافريقية إلى تقزيم دورها بعد أن كانت بالنسبة لتلك الدول هى القائدة والملهمة بحق. ألا يعلم هؤلاء المثقفون المعارضون لزيارة اردوغان أن العلاقات بين الدول تقوم أساسًا علي تبادل المصالح ومقايضة المنافع ودرء المخاطر واستيراد ما ينقصنا وتصدير ما يفيض عنا وفى سبيل تحقيق هذه الأهداف لا يمكن توقع أن تكون كل الدول علي وفاق كامل أو تطالق متطابق، فلكل دولة فى النهاية أهداف ومصالح عليا، كما انه ليس مطلوبًا أن نكون مخلب قط أو كرباجًا فى يد المصالح الغربية فنعادى تلك الدولة أو نهادن هذه الدويلة أو نغض البصر عن أخطاء وجرائم دول أخر مجاورة لمجرد أداء خدمة العبد للسيد أو بالأحرى لكى يبقى كل على عرشه يحكمون!! ولتذهب حرية الشعوب ومبادئ الديمقراطية إلي الجحيم فحين يأتينا أردوغان ليقول لنا فى مصر إن مصر هى أم الدنيا واننا شعب ثار من أجل كرامته وعزته وإن مصر تستطيع أن تقود المنطقة مرة أخرى وانها يمكن بتعاونها مع تركيا فرض السيادة الاقليمية والكرامة العربية والاسلامية علي إسرائيل نفسها، فهو أمر فى صالح مصر.. ثم ما حاجته لنا وأمر الانضمام إلي الاتحاد الأوروبى بيد الأوروبيين، لقد امتلك اردوغان شجاعة القرار السياسى المتوازن والاتساق ما بين تحقيق مصلحة شعبه ووطنه ومراعاة المصالح الاقليمية والدولية الحاكمة لمنظومة العولمة، فلا تهوين ولا تهويل ولا إفراط ولا تفريط رغم كل ما يتطلبه ذلك من تقديم قرابين الصلح وعرابين المحبة وتنازلات هى ايديولوجية وثقافية اكثر منها سياسية واقتصادية. لم ينافق الرجل الإخوان المسلمين رغم هذه الحفاوة البالغة فى استقباله. فقال امامهم انا رئيس مسلم لدولة علمانية لأنه يرى انه لا تعارض بين كونك مسلمًا وعلمانيًا.. فالمسلم لا يمكن أن يكون من الكافرين بالعلم والحرية والديمقراطية، والعلمانيون ليسوا من الزنادقة الصابئين الخارجين عن روح الشرع الإلهى والقيم السماوية التي لا تتناقض مطلقًا مع القيم الانسانية والاجتماعية السوية.. مواقف اردوغان تثبت لنا مدى تخلف وغباوة عصر بأكمله وبطول ثلاثين عامًا من الجهل والقصور والخيانة حين تم تقزيم دور مصر وتعظيم دور دويلات صغيرة وهى لا تعدو مجرد جزيرة فى نيل مصر لا تظهر حتى علي خريطتها العظمى.. فأدروغان لا ينكر علاقته الاستراتيجية بإسرائيل ولكن ذلك لا يعنى اتباع سياسة العين المكسورة أو الكرامة المهدرة فالسياسة هى فن المساومة والمقايضة للحصول علي أكبر منفعة مع الاعتداد بقدراتنا وعدم إهدار طاقاتنا البشرية والطبيعية وعدم إغفال دورنا وتاريخنا وتأثيرنا فى المنطقة، وبدلاً من ان يحاول البعض إخافتنا من تعاظم الدور التركى فى المنطقة وأن تركيا تسعى لتشكيل امبراطورية عثمانية جديدة يكون فيها الرئيس التركى هو السلطان العثمانى اردوغان الأول لتعد مصر ولاية تركية تابعة للخلافة العثمانة وبدلا من إثارة تلك المخاوف الوهمية عليهم ان يحدثوننا عن كيفية أن تعود مصر لتملك مفاتيح الضبط والربط فى المنطقة.. كيف نعيد لصر ريادتها المستحقة وطاقتها المهدرة.. كيف يمكن لمصر أن تمتلك ما يمكن الرهان عليه والمساومة به.. ماذا تفعل مصر لكى تعود إلي حركة التاريخ وعجلة الإنتاج ومواكب التقدم.. فهل شاخت مصر وأصحبت الرجل المريض أو العجوز الذى عليه انتظار زواره الذين قد يكون من بينهم من يطمع لتمزيق تراثه وإهدار ميراثه الحضارى والتاريخى ليتفرق بين الدول؟ إن صرخة بعض المحللين (العثمانيون قادمون) تذكرنا بالصرخة الأمريكية الشهيرة إبان ستينيات القرن الماضى (الشيوعيون قادمون) تعبيرًا عن رعب الشعب الأمريكى من الاشتراكية السوفيتية أيام الحرب الباردة بين القطبين الكبيرين. فمتى نصرخ نحن أيضًا فى مصر مهللين مكبرين آملين (المصريون قادمون)؟ سؤال لمن يهتم بأمر هذا الوطن. أحمد جمال بدوى [email protected]