34 عاماً من الخلافات حول معاهدة السلام منذ 21 دقيقة 40 ثانية لو اطلعتم على الغيب لاخترتم الواقع . ولو أن السادات يعلم أن أبناءه المصريين سيلقون مصيرهم قتلاً برصاص الصهاينة على الحدود، ربما لم يكن ليوقع على اتفاقية للسلام مع إسرائيل. وربما كان له رد فعل أقوى مما نراه الآن. ولم تحظ اتفاقية بين دولتين بهذا اللغط والجدل على مدار أكثر من ربع قرن من الزمان مثلما حظيت هذه الاتفاقية. واتفاقية السلام مع الإسرائيليين التى يسميها الكثيرون بالخطأ اتفاقية « كامب ديفيد» مازالت محل خلاف بين المصريين والعرب . هناك من يرون فيها خيانة وخضوعاً للوبي الصهيوني . وهناك من يرونها قد جنبت مصر والعرب ويلات حروب . ولو أن الفلسطينيين قد لبوا نداء السادات للمشاركة فى المباحثات، ما اضطروا أن يتفاوضوا مرات ومرات. ولربما كانوا قد حققوا حلم الدولة الفلسطينية الذي أخروه بصراعاتهم واختلافاتهم علي من يمثلهم ويتحدث باسمهم. وربما لم يكن هناك حاجة للذهاب إلى هيئة الأممالمتحدة نتسول من الدول اعترافاً بعضوية كاملة لفلسطين وسط خوف ورعب من الفيتو الأمريكى. وقبل 34 عاماً بالتمام والكمال وفى مباحثات كامب ديفيد فى سبتمبر 1977 دعا الرئيس جيمى كارتر إلى أول اجتماع ظن أنه سيكون فاتحة خير بين السادات وبيجين .. فى الاجتماع أحكم السادات نظارته السوداء على عينيه . وشرع في قراءة لمشروعه للسلام . وبجانبه جلس بيجين صامتاً كأنه حجر. وكارتر ينصت بإمعان وتركيز شديد .. وفجأة سأل كارتر بيجين عما اذا كان يستطيع القيام بعمل عظيم يتساوى مع زيارة السادات التاريخية للقدس .فأجاب بيجين وكأنه حضر للإجابة من قبل وقال إنه باستقباله الحار للسادات وترحيب إسرائيل به قد قام هو وشعبه بالعمل المطلوب . ثم أضاف متهكماً لقد كنا نرحب بالرجل الذي تظاهر بالقيام بمناورات الخريف الروتينية ، ثم تعمد الهجوم علينا في اللحظة التي يعلم فيها تماماً أننا جميعاً في المعابد .. فرد عليه السادات قائلاً إن ذلك كان خداعاً استراتيجياً . فاستشاط بيجين من الغيظ وقال بحدة إن الخداع هو الخداع .. وانفض اللقاء الأول دون نجاح . وخرج السادات إلى نزهة في ضواحي ميرلاند لكي يهدأ . وفى المساء كان أعضاء الوفود الثلاثة يتناولون عشاءهم معا في الفناء تحت ضوء القمر وتبادلوا الدعابات وتناولوا المشروبات. أما كارتر وبيجين والسادات فقد تناول كل منهم عشاءه على انفراد وهم يفكرون في الفشل الذي لحق باللقاء الثلاثي.. وفى اليوم التالى التقى السادات كارتر فى الكشك الخشبى الذى يقيم فيه فى كامب ديفيد وقال له إنه لن يستطيع أن يوقع على اتفاق لايضمن لكل العرب حقوقهم . وقال له أنا لن آتى إلى هنا للتفاوض على حل منفرد ، إنما جئت لوضع إطار عام للتفاوض والحل .. وأصر على أن ينص فى اتفاق كامب ديفيد على أسس تضمن للفلسطينيين والعرب حقوقهم .. وفى مساء 7 سبتمبر عام 1977 وبعد أن تم الاتفاق على بنود اتفاقية كامب ديفيد رفعت كؤوس النبيذ ليشرب الجميع نخب الاتفاق الذى دعا إليه الرئيس الأمريكى ، اعترض السادات ضاحكاً عندما قدم له عزرا وايزمان النبيذ وقال له إنني مسلم ولست كافرا مثلك . فأحضروا للسادات كأساً من عصير البرتقال. ودقت الساعة الخامسة والنصف وكان جيمي كارتر يجلس منهكاً إلى مائدة عشائه وظهره للنافذة منحنياً من فرط الإرهاق وصوت السادات يجلجل وهو يضحك طالباً من الحضور الانصراف حتى ينام الرئيس المنهك جيمى كارتر. وخرج متوجهاً إلى الكشك الخشبى المخصص لإقامته وهو ممسك بعصاه الشهيرة ويهش بها فى الهواء وكأنه يهش على غنمه .. سلام على السادات العظيم يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حياً . أحمد بكير