ما زال تيار السينما البديلة يثبت قدرته على النضال، في سبيل تقديم نماذج سينمائية مغايرة، فلا يمر عام إلا وأصنام هذه الصناعة، تتراجع أمام مد هادر لجيل من المستقلين، تتكشف ملامحه مع كل مساحة أرض يكتسبها بحربه ضد نمطية الطرح الدرامي، بتقديم نماذج تنهل من المدارس العالمية، وتتعامل مع السينما كفن مرئي، بعيداً عن ثرثرة تضج بها دور العرض المصرية. ويتيح مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وغيره من المهرجانات المحلية والعالمية، الفرصة أمام هذه النوعية من الأفلام، الأكثر عمقاً وتعبيراً عن ماهية الإنسان، وفي الدورة ال37 يتصدر فيلم «في يوم» للمخرج كريم شعبان، مسابقة «آفاق السينما العربية»، والفيلم يعد التجربة الروائية الطويلة الأولى لمخرجه، الذي يكشف عن وعي كامل بآليات العمل السينمائي، والرؤية الإخراجية والفنية التي ترتبط به. وكغيره من أفلام السينما البديلة، اعتمد إنتاج الفيلم على جهود صناعة، دون ميزانية واضحة يمكن الإمساك بها، أو حتى دعم من الجهات المنوط بها مساندة السينما غير التجارية، لما لها من دور ثقافي يسهم في تنوير لا يأتي أبداً، ورغم أن لغة الأرقام لا تتحدث في هذا الفيلم، إلا أن اللغة السينمائية الفصيحة، تتردد بين مشاهده المختلفة، بداية من «التكنيك»، ومروراً بأداء الممثلين، وانتهاءً برمزية الطرح السينمائي. ويعكس فيلم «في يوم»، الذي يراه البعض سوداوياً، مجموعة من الصور المصغرة لهذا المجتمع الكبير، بما يحمله من أزمات سياسية، واجتماعية، ونفسية، ليغزل كريم شعبان بمشاهده التي اعتمدت علي إيقاع يحمل من التأمل الكثير، مرثية لكل ما فقدناه من قيم ومبادئ وأخلاقيات، بشاعرية دامية، تنتهي بطقس جنائزي لدفن وطن لم نعد نعرفه، مع ما طرأ عليه من تغيرات عبثية، فشخصيات الفيلم المأزومة، حملت نعشاً علي أكتافها، بعد أن فقدت كل أمل في الثورة، أو احترام خصوصية جسد المرأة وسط غابة من الذئاب، أو الحصول علي الحق في الحياة علي أرض تطرد أبناءها، ولا يخلو العمل من مفارقة، تصنعها مشاهد حفار القبور، أو دافني الموتي، الذي يعيش نفس الأجواء الكابوسية، ولكنه يتحول إلي شخص أكثر تفاؤلاً، مع استقباله لنعش ضحاياه. ورغم تعبير الفيلم عن مجتمع نراه لاهثاً ومادياً إلي أقصي حد، إلا أن الصورة التي رسمها المخرج، كانت مرادفاً لحالة الموات التي نعيشها، مع ثبات أغلب الكادرات، خاصة وأن هذا النوع من السينما، يعكس مشاعر شخصياته بحركة الممثل وإيقاع المشهد، إضافة إلي اختيار أماكن وزوايا تصوير موفقة، وقصدية أن تتحول اللقطات إلي لوحات تشكيلية، خاصة في اللقطات الواسعة والبانورامية، التي اعتمد عليها المخرج كفواصل، أو روابط بين قصص أبطاله المختلفة، وهي الحالة التي ساهم في صنعها مدير التصوير هابي خليل، الذي يخوض تجربته الأولي في التصوير السينمائي باحترافية، حتي في اللقطات المتوسطة والقريبة، ساهمت رؤية المخرج وعين مدير التصوير في تقديمها بشكل ملفت ومريح. وفي النهاية نحن أمام تجربة تستحق الاحترام، بل استحقت أيضاً أن تتصدر المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي، إذا ما انطبقت شروط اللائحة علي الفيلم، الذي يبشر بوجوه واعدة، تتناسب قدراتها مع طموحات هذا الجيل، سواء علي قنديل أو لانا مشتاق، إضافة إلي فاطمة كمال، ورأفت بيومي، ونادين إيميل، ووفيق أبوالسعود، ونورا، وحضور دافن الموتي مصطفى درويش، إضافة للموسيقي المعبرة لخالد الكمار، ومنسق المناظر زياد فيروز، الذي لعب أحد أهم أدوار البطولة، في فيلم يتشارك فيه الإنسان والجمادات صدارة مشهد معتم.