في محاولة للحفاظ علي قيمة الكلمة والنص، عقدت جمعية مؤلفي الدراما العربية ندوة مساء الثلاثاء الماضي تحت عنوان »أزمة الدراما التليفزيونية بين الإعلام والإعلان« بالمجلس الأعلي للثقافة. أكد الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن رئيس الجمعية ومنظم الندوة ان أحداث الاسكندرية أصابت كل المصريين مسلمًا ومسيحيًا وطالب الحضور بالوقوف دقيقة حدادًا علي أرواح الضحايا. وقال عبدالرحمن: إن سطوة الإعلان طغت علي قيمة الدراما، وباتت شركات »الصابون« تتحكم في صناعة الدراما، وبات النجم صاحب الكلمة الأولي والأخيرة وهذا عكس ما كان سائدا في فترة الستينيات وكان الكاتب يعرض الفكرة أو الموضوع علي التليفزيون وبعد ذلك يتدخل المخرج لاختيار بطل العمل، لكن هذه الأيام تبدل الحال وأصبح النجم يتقاضي أجرًا يصل إلي 20 مرة ضعف أجر الكاتب، وأشار عبدالرحمن في حديثه إلي أن لغة الحوار أصابها الابتذال وانه عندما كتب ذات مرة كلمة »طلقني« قامت الدنيا ولم تقعد، لكن اليوم نسمع كلمات جارحة وسباباً علنياً. والتقط المؤلف أبوالعلا السلاموني خيط الحديث قائلا: أمر طبيعي ان ينسحب الكتاب المحترمون من الساحة فقد حول التليفزيون الكتاب إلي ترزية. وأن الرائع أسامة أنور عكاشة مات حزنا وكمدًا علي ما آل إليه حال الدراما المصرية. وأضاف أبوالعلا السلاموني: ان زحف الإعلان علي الدراما أدي إلي تفشي ظاهرة النجم واللجوء إلي الألفاظ السوقية التي تخدش الحياء لمغازلة المشاهد. مما أدي إلي تراجع مستوي الأعمال الدرامية للخلف وكثرت الأعمال الدرامية التي تناقش السير الذاتية بغض النظر عن صاحب السيرة الذاتية وهل تناول قصته مفيد أو ضار، كما انتشرت ظاهرة إعادة الأفلام القديمة في شكل مسلسلات اعتمادا علي نجاحه، واختتم السلاموني حديثه قائلا: ان التليفزيون تخلي عن مسئوليته القومية رغم انه ملك للجميع وليس ملك شركات الإعلان. وتحدث الكاتب الكبير سيد الغضبان مشيرا إلي أن الدراما صنعت نفوذ مصر في العالم.. وقال بالحرف الواحد »أقارب الوزراء وأبناء مسئولين كبار نهبوا التليفزيون الذي يعاني في الوقت الراهن من تراكم الديون والتي تصل إلي 4 مليارات جنيه، وأوضح الغضبان ان الازدواجية أدت إلي تفشي الفساد ففي وقت من الأوقات كان رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون نفسه رئيس مدينة الإنتاج الإعلامي أي يجمع بين منصبين احدهما مهمته رقابية، وواصل الغضبان هجومه موضحا ان المرض معروف ودليل ذلك ان قناة "Nile T.Vس عندما ظهرت كان الهدف منها تقديم أعمال بلغات أجنبية للتواصل مع الآخر وكان سعر الدقيقة الإعلانية 299 جنيها لكن سرعان ما تغير شكل القناة وفازت بالامتياز الإعلاني شركة يمتلكها شخص له نفوذ وبلغ سعر دقيقة الإعلان 4 آلاف جنيه. وصرح المؤلف بشير الديك أثناء كلمة سيد الغضبان قائلا اننا نعيش كارثة كبيرة.. وان الفساد تحول إلي غول عظيم الحجم، وأكد محمد كامل القليوبي ان الاستثمار الثقافي هو استثمار في بناء الإنسان وهذا بكل أسف أمر غير مفهوم في مجتمعنا لأن الفن تحول إلي سلعة وأصبح المخرج الشاطر هو البارع في سلق العمل، وهذا يكشف ان حسابات البقالين تحكم الابداع في مصر. وقال الدكتور أحمد شوقي العقباوي أستاذ الطب النفسي: إن تراجع مستوي الاعمال الدرامية وسيطرة الاعلان أمر طبيعي في بلد »ماشية بالقدرة ومن غير رؤية تسيطر عليها ثقافة كامننا وشعبولا«.. واننا نعيش تديناً ظاهرياً وانتشر الفساد والافساد وأصبحت الأشياء شكلاً بلا مضمون وطالب المسئولين بعدم الاقتراب من ضمير المجتمع قائلا: ربنا يلطف بينا.. الدولة هشة والدنيا سداح مداح. وتحدثت أيضا الكاتبة فتحية العسال مشيرة إلي ان الابداع يتحكم فيه إداريو ماسبيرو وليست عقولاً فاهمة وواعية لقيمة الكلمة ومحتوي الرسالة. حضر الندوة الدكتور عماد أبوغازي رئيس المجلس الأعلي للثقافة ونخبة من الكتاب والفنانين منهم يسري الجندي ومحمد كامل وثناء شافع وأحمد ماهر.