خلال أيام الأسبوع الماضي، اشتري المصريون الشهادات الادخارية ذات العائد 12٫5٪، بما قيمة 35 مليار جنيه، نفس السيناريو الذي شهدناه عندما اشتري المصريون أنفسهم شهادات قناةالسويس بما قيمته 64 مليار جنيه في أسبوع أيضاً.. وهذا يطرح سؤالاً: هل الشعب غني فعلاً، أم الأمر يقتصر علي فئات معينة تكدس أموالها في البنوك، غير الفئة البسيطة التي تدفن ما يمكن أن تدخره تحت البلاطة؟ أيضاً لماذا أخرج المصريون كل هذه المبالغ التي تتجاوز 100 مليار جنيه، في طرحي شهادات قناةالسويس والادخارية وربما تعادل 12٫5 مليار جنيه وهو ما يقل قليلاً عن الاحتياطي النقدي الدولاري، الذي يزيد علي 16 مليار دولار. فحسب ثقافة المصريين العاديين، يفضلون الإيداع في البنوك، خوفاً علي ما تيسر لهم من أموال، فاضت عن حاجتهم، أو اقتطعوها من قوتهم لاستخدامها في مواجهة الأزمات، هذه ثقافتهم رغم أن هناك أدوات استثمارية تعطي عائداً يزيد علي نسبة ال12٫5٪، إلا أن المصري يفضل البنك علي ما عداه من أدوات استثمارية أخري، وهو ما يفسر هبوط البورصة منذ طرح الشهادات الادخارية ذات عائد ال12٫5٪ حيث فضل البعض الخروج من البورصة باتجاه البنوك، للاستفادة بالعائد الأعلي. وكما يقول خبراء اقتصاد فإن نجاح الأوعية الاستثمارية ذات العائد الذي يفوق ال12 مرتبط بشكل أو بآخر بالسيكولوجية المصرية من حيث تجنب المغامرة والبحث عن الاستثمار المضمون بعائده الثابت. ولأن المنتجات البنكية، سواء شهادات قناةالسويس أو الشهادات الادخارية تعطي عائداً دورياً «ربع سنوي» أو «شهريا»، وهو الأمر الذي يتفق مع احتياجات المواطن المصري، من حيث وجود دخل ثابت ومضمون يعين علي تكاليف الحياة. كما أن المنتجات الجديدة لا تحتاج خبرة كتلك التي تحتاجها البورصة أو الاستثمار العقاري. وأضافوا أن الشهادات البنكية تخاطب فئات معينة تبحث عن الأمان كالمتقاعدين وأولئك الذين لا يملكون خبرات في مجالات الاستثمار وكذلك الأسر المرتبطة بعائل يعمل في الخارج. أكد منير الزاهد، رئيس مجلس إدارة بنك القاهرة، أنه يوجد إقبال شديد علي شهادات «البريمو ستار» التي طرحها البنك بفائدة 12٫5٪ شهريا، لافتا إلي أن طرح شهادات الادخار يعد أحد جوانب خطة الشمول المالي التي يسعي الجهاز المصرفي منذ فترة عن طريق طرح منتجات جديدة، وهي الخطة التي تستهدف ضم المواطنين إلي التعامل البنكي. وأضاف «الزاهد» أن زيادة معدلات الادخار تساهم في زيادة معدلات تمويل المشروعات التنموية، وتقليل معدلات البطالة وكذلك الحد من معدلات الاستهلاك، لافتا إلي أنه من المتوقع ان تعمل شهادات الادخار علي زيادة حجم الودائع لدي الجهاز المصرفي المصري والتي تبلغ 1٫6 تريليون جنيه. «شرائح جديدة» وقال علاء فاروق، رئيس قطاع التسويق والمنتجات ومبيعات التجزئة المصرفية بالبنك الأهلي المصري، إن شهادات الادخار التي طرحها البنك مؤخرا قد لاقت إقبالاً كبيراً من جانب العملاء خصوصاً من شريحة غير المتعاملين مع البنوك، الأمر الذي يدفع العاملين بالفروع للاستمرار في العمل حتي الساعة 11 مساء، مشيراً إلي أن عددا من المتعاملين مع منتجات البنوك الأخري قد تحولوا لشهادات الادخار الجديدة مما لها من عائد مرتفع من شأنه ان يساهم في مواجهة ارتفاع الأسعار. وأوضح أن ارتفاع الفائدة علي شهادات الادخار لم يؤد إلي رفع الفائدة علي القروض الشخصية، والتي بلغت 13٫5٪، وبذلك فإن مناخ الاستثمار لم يتأثر بالسلب جراء طرح شهادات الادخار. وأكد الخبير الاقتصادي رشاد عبده أن الأمر مرتبط بسيكولوجية الشخصية المصرية التي تتجنب المغامرة وتبحث عن المضمون وهو ما تحققه البنوك بطبيعة الحال فعائد الشهادات الجديدة ثابت ومضمون وصرفه دوري، وهو الأمر الذي يبحث عنه المواطن الذي يواجه ميزانية شهرية توازن بين المتطلبات الحياتية والإيرادات الشهرية. وأضاف أن الشهادات المطروحة سواء لقناةالسويس أو الادخارية، قدمت عائداً مجزياً للغاية، مقارنة بأسعار الفوائد المقررة علي الودائع، وبالتالي فإن الهامش الذي يزيد علي 2٫5٪ مقارنة بالعوائد السائدة، يبدو أمراً مشجعاً لاقتناء مثل هذه الشهادات. وأشار «عبده» إلي أن الشهادات تبدو استثمارا لا يحتاج أي خبرة، ولا يتطلب أي مغامرة، كما أنه ثابت، وهي تركيبة متميزة للمستثمر المصري المتحفظ بطبعه ويهوي الدخل الثابت المضمون. وقال: فلننظر إلي الأدوات الاستثمارية الأخري، كالبورصة أو العقارات، فكلاهما يحتاج خبرة، أو تتطلب من صاحبها التعامل مع مخاطرة الاستثمار، إضافة إلي أنها استثمارات تحتاج لوقت حتي تأتي أكلها علي مستوي العائد، بينما الشهادات الجديدة ستأتي بعائد بعد شهر واحد من الإيداع. وأضاف: تراثنا يدلنا علي تركيبة المواطن المصري، مستشهداً في ذلك بالمثل الشعبي الدارج «امشي سنة ولا تعدي قنا». ورجح «عبده» بقاء هذه الفئة ضمن البنوك حتي بعد انتهاء مدة الشهادات الادخارية المقررة ب3 سنوات، لأن طبيعة المواطن البنكي، تفضل أدوات استثمارية بعائد ثابت وبدون مخاطرة، وبعد مضي السنوات الثلاث سيبحث أصحاب الشهادات الجديدة عن أدوات جديدة.