تعانى الموازنة العامة للدولة من مشكلة الرواتب التى تلتهم الجزء الأكبر من الميزانية، حيث تقدر المبالغ المخصصة للأجور بنحو 207 مليارات جنيه أى ما يعادل حوالى 26% من حجم الموازنة، وإذا كان الدكتور هانى قدرى، وزير المالية، قد طالب بإعادة هيكلة نظام الأجور لنصل إلى نظام موحد للأجر يقضى على البنود الكثيرة ومن ثم جاء تطبيق الحكومة لقانون الخدمة المدنية، إلا أن الوزير لم يتعرض فى حديثه لرواتب الوزراء ومستشاريهم التى تلتهم جزءاً كبيراً من ميزانية الدولة، بل إنها تعد جريمة فى حق الشعب المصرى، ففى كل دول العالم يعد راتب الوزير والرئيس أمراً عاماً يعلمه الجميع حتى يسهل محاسبتهم بعد ذلك أما فى مصر فرواتب الوزراء ومستشاريهم تعد أسراراً عسكرية، وإذا كان المتحدث الرسمى باسم مجلس الوزراء السفير حسام القاويش قد صرح من قبل بأن راتب الوزير يبلغ 32 ألف جنيه فهناك جهات أخرى أكدت أنه يصل إلى 3 ملايين شهرياً بسبب البدلات والمواكب والنفقات الأخرى التى تتحملها الدولة. لا شىء يتغير إذا كانت مصر تتميز بوجود جهاز إدارى عقيم يضم حوالى 5.6 مليون موظف، ويطالب الخبراء بضرورة تقليصه للنصف، فإنها أيضاً تتميز بوجود أكبر عدد من الوزارات يحصل المسئولون عنها على مليارات الجنيهات دون فائدة حقيقة على الوطن أو المواطنين، ففى الوقت الذى قام فيه الرئيس عبدالفتاح السيسى بالتنازل عن نصف راتبه الذى يقدر ب42 ألف جنيه، مؤكداً أنه يستطيع العيش بالنصف الآخر، فإن رواتب الوزراء فى مصر مازالت مجهولة، ففى حين صرح المتحدث باسم مجلس الوزراء من قبل بأن راتب الوزير يبلغ 32 ألف جنيه، خرج علينا الدكتور عماد مهنا، رئيس اللجنة المركزية لمجلس علماء مصر، مؤكداً - فى أحد البرامج التليفزيونية - أن رواتب بعض الوزراء فى مصر فعلياً تصل إلى 3 ملايين جنيه، وفقاً لتصريحات محافظ البنك المركزى، مشيراً إلى أن الأزمة ليست فى الأرقام التى تعلنها الحكومة ولكن فى البدلات والمكافآت والتى لا يتم إدراجها فى الكشوف الحكومية وإنما يحصل عليها المسئولون من الصناديق الخاصة الموجودة فى معظم الوزارات، وأكد مهنا الذى تقدم باستقالته من مجلس علماء مصر مؤخراً أن الثلاثة ملايين التى يحصل عليها بعض الوزراء موزعة ما بين المرتب والمكافآت الخاصة وبدلات السفر والاقامة، بالاضافة إلى أطقم الحراسة والسماعات اللاسلكية والمواكب التى تحيط بالوزراء والتى تصل إلى 4 سيارات تتحمل الدولة تكلفة تسييرها، هذا بالإضافة إلى قوة الحراسة المخصصة لكل وزير والسيارات التى تخصص لأسرهم بزعم حمايتهم من الإرهاب، وإذا كان هذا الوضع معروفاً فى مصر منذ سنوات عديدة إلا أن البعض ظن خطأ أن الأمور تغيرت بعد الثورة، ولكن شيئاً من هذا لم يحدث، فمازالت رواتب الوزراء تتحدى فقر المصريين، إلا أن قانون الحد الأقصى للأجور الذى تم تطبيقه مؤخراً جعل الراتب الرسمى للوزير لا يتجاوز الحد الأقصى للأجور ولكن المكافآت والبدلات تفوق ذلك بكثير. المستشارون وإذا كان الوزير يؤدى وظيفة سياسية تخطيطية معينة والدولة تفرض له هذا الراتب حتى تغنيه، فهذا أمر مقبول، ولكن الطامة الكبرى فى المستشارين الذين يمثلون عبأ كبيرا على الدولة، ورغم المطالب الدائمة بالتخلص من هذا الجيش الذى لا فائدة منه، فما زال هؤلاء يتم تعيينهم فى كافة الوزارات، ورغم تقليص أعدادهم بعد الثورة، إلا أن ما يتقاضونه يمكن أن يساهم بشكل كبير فى القضاء على الفقر واقامة مشروعات لتشغيل ملايين العاطلين، فوفقا للإحصاءات الرسمية يبلغ عدد المستشارين فى الوزارات المختلفة حوالى 20 ألف مستشار يتقاضون مكافآت تقدر ب18 مليار جنيه، وهذا الرقم يعادل حوالى 9% من إجمالى المبالغ المخصصة لرواتب العاملين فى الدولة، أى أن ال20 ألف مستشار يحصلون على ما يقرب من عشر ما يحصل عليه 5.6 مليون موظف يعملون فى الجهاز الإدارى بالدولة، وإذا نظرنا لحجم العمل الذى يقوم به هؤلاء المستشارون نجده لا شىء، خاصة أن معظمهم من أهل الثقة فمنهم ضباط سابقون وسفراء وصحفيون، وتعد وزارات المالية والتنمية الإدارية والتخطيط من أشهر الوزارات التى تستعين بمستشارين. جنة المستشارين هذا وقد عرفت مصر نظام المستشارين عقب قيام ثورة يولية 1952 ووقتها تم تعيين عدد من الضباط الأحرار كمستشارين فى بعض الجهات الحكومية، ثم تطور الأمر بعد ذلك حتى أصبح منصب المستشار فى وزارات ما قبل الثورة نوعاً من الرشوة المقنعة للبعض، أو التكريم للبعض الآخر، أو كمجاملة لثالث، وبعد قيام ثورة 25 يناير اعتقد البعض أن النظام قد تغير بالفعل وطالبوا بالقضاء على جيش المستشارين إلا أن هذا لم يحدث، وكل ما قامت به حكومات ما بعد الثورة خاصة حكومة المهندس ابراهيم محلب هو تقليل أعداد المستشارين وبالتالى تقليل ما يحصلون عليه من رواتب كانت تتراوح بين 60 ألفاً و200 ألف جنيه شهرياً، ولكن مازال جيش المستشارين موجوداً فى معظم الوزارات ولا يقدمون إنجازاً مشهوداً. وإذا كان الدكتور عادل عامر، مدير المركز المصرى للدراسات القانونية والاقتصادية، يرى أن الوزير يقوم بعمل هام ومنحه مبلغاً يكفيه ويكفى أسرته أمر ضرورى، فإن وجود المستشارين مشكلة تزيد من أزمات الاقتصاد المصرى وتحمل ميزانية الدولة أعباء إضافية، حيث أن عددهم كبير ويتواجدون فى معظم الوزارات والهيئات ويتقاضون رواتب كبيرة، ومن المعروف أن هؤلاء المستشارين كانوا من ميراث النظام السابق الذى كان يقوم بتعيين الموالين له فى منصب المستشار فى الوزارات المختلفة كمكافأة لهم، ولكن الآن يجب القضاء على هذه الظاهرة خاصة أنه منصب لا حاجة له فى معظم الوزارات التى تضم كفاءات فى كافة المجالات، وهناك جهات فى الدولة تقدم المشورة الفنية للهيئات المختلفة كالمراكز البحثية وهيئة مستشارى الدولة والجامعات ومراكز دعم واتخاذ القرار، وهذه كلها يمكن الاستعانة بها وقت الحاجة بدلاً من تعيين مستشارين بمبالغ طائلة بلا عمل حقيقى.