بكل المعانى ستظل التجربة التى واجهتها جماعة الإخوان بعد ثورة يناير بالغة الدلالة والتأثير على وضع الجماعة ومستقبلها الذى ينذر باندثارها او على الأقل تواريها من الساحة المصرية ولو إلى حين. لقد عززت هذه التجربة الفرضية التى يذهب إليها كثيرون من الطبيعة الصدامية لجماعة الإخوان، ما يعزز من رفضهم فى الأوساط الشعبية المختلفة. ومع سقوط الجماعة ازدهر سوق الكتب بالكثير من الإصدارات التى تتناول كل صغيرة وكبيرة بشأنهم وكلها تصب فى خانة انتقاد مشروعهم على كافة المستويات. غير أن الملحوظة الاساسية ان البعض استغل هذه الحالة للزج ببعض الكتابات التى تفتقد للمضمون الجيد ما أفقد الثقة فى سوق الكتاب المتعلق بهذه القضية. ولعل أفضل مثال نقدمه هنا الكتاب الذى صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب مؤخراً تحت عنوان «حول تجربة الإخوان المسلمين من جمال عبدالناصر إلى عبدالفتاح السيسى» للكاتب اللبنانى فرحان صالح. يبدو غريباً للقارئ أن الكتاب، بعد أن تتصفح مادته، ليس له علاقة بعنوانه، حتى يخيل إليك أن العنوان تجارى بحت بهدف جذب القارئ المتعطش إلى كل ما يتناول قضية الإخوان التى أصبحت رقم واحد بعد تجربتهم فى الحكم لمدة عام والتى انتهت بالإطاحة بهم فى 30 يونية. الغريب أكثر هو أن يقدم للكتاب مفكر عملاق مثل السيد ياسين والذى من خلال مقدمته القصيرة قدم رؤى تتجاوز بكثير ما قد يكون المؤلف حاول تقديمها من خلال الكتاب. حيث أشار ياسين إلى جوهر أزمة مشروع جماعة الإخوان والذى يتمثل فى الصدام، يبدو ذلك من تأكيده على أن مشروع الجماعة فيما بعد إنشائها على يد حسن البنا عام 1928 يمر منذ قيامه بأزمات بالغة العمق ويدل على ذلك اصطدام جماعة الإخوان المسلمين بكل النظم السياسية المصرية ابتداء بالنظام الملكى الدستورى فى الأربعينيات، الى النظام الناصرى فى الخمسينيات والستينيات، الى النظام المصرى فى عصرى السادات ومبارك مما يدل على أن هذا الصدام المتكرر يعنى ان هناك عيوبا جسيمة اعتورت المعمار الفكرى السياسى لهذا المشروع الذى انتشر اتباعه فى العديد من بلاد العالم. وتتزايد ملامح الأزمة التى تتعلق بالجماعة أنه بعد ثورة 25 يناير وتوليها السلطة بعد حصولها على الأكثرية فى مجلسى الشعب والشورى وبعد أن أصبح رئيس حزب الحرية والعدالة محمد مرسى رئيساً للجمهورية تبين أن التفرقة بين الإسلام المعتدل والإسلام المتطرف وهمية وأن جماعة الإخوان هى المصدر الرئيسى للتطرف الدينى وهى الراعية الحقيقية للإرهاب. وقد جاءت الأوضاع بعد 30 يونية لتؤكد هذه الحقيقة حيث قامت الجماعة بحملة إرهابية منظمة على المؤسسات وعلى قوات الأمن والقوات المسلحة بل وجهت هذه الحملة سهامها ضد فئات الشعب بلا تمييز وهكذا سقط القناع وظهرت الجماعة باعتبارها جماعة إرهابية. الكتاب جولة تاريخية نقدية عن التاريخ المصرى الحديث والمعاصر حلل فيها المؤلف تكوين الدولة المصرية وتطورها عبر المراحل التاريخية المختلفة، حيث تناول الصراع العنيف بين المشروع الإخوانى فى العهد الناصرى من ناحية وما تلاه من عصور لاحقة من ناحية أخرى. رغم تأكيد المؤلف على أنه لا يحكم دراسته أية مجاملة إلا أنه لم يشر إلى أنه يحكمها موقف فكرى – ليس لنا علاقة بما إذا كان سليما أم خاطئاً – يتمثل فى الإيمان بتجربة عبدالناصر فى الحكم والتأكيد على أنها تكاد أن تكون مثالية. يقول المؤلف ص 98 إن ما يحدث فى مصر ونحن فى بداية العقد الثانى من الألفية الثالثة هو تحديدا بعض من الإرث الثقيل الذى تركه السادات على الحياة السياسية المصرية والعربية أما عن نظام الرئيس حسنى مبارك فقد عزز وجذر ما كان السادات قد بدأ به وأسس له الأمر الذى انعكس فى ازدهار جماعة الإخوان التى زين السادات بهم وبتحالفه معهم سياساته تحت ستار الدين كذلك فعل ولكن بحذر وخوف حسنى مبارك وربما لدراية منه أن مصيره إذا فتح لهم الأبواب على مصاريعها سيكون كمصير السادات والسبب أن الإخوان لا حليف لهم ولا يمكن أن يثقوا بأحد فضلاً عن أنهم يعتبرون أنفسهم حركة مصطفاة ولهم حصانة ما فوق البشرية. وعلى ذلك يقرر المؤلف أن الإخوان اليوم يضعون إرثهم الثقيل بل تاريخهم أمامهم فى مواجهة مباشرة مع الشعب المصرى خاصة مع المؤسسة العسكرية هذه المؤسسة التى أسهمت فى إسقاط أنظمة الفساد بدءاً من العصر الملكى وصولا إلى عصر مبارك ومرسى والإخوان. ورغم الضربات التى يتلقاها الإخوان فإن المؤلف يبدى خشيته من إمكانية تحالف الجماعة مع القوى التى أثرت خلال حكم مبارك مؤكداً أنه من الواجب على النخب التى تقود مصر الآن أن تكون يقظة لكل المفاجآت المقبلة. والخلاصة أن مشروع الإخوان الذى يلفظ أنفاسه هو مشروع فكرى اجتماعى وتنظيمى وسياسى لم يجلب للمصريين إلا الويلات وازدياد الأمية والفقر والأمراض. فى فصل كامل بعنوان أمريكا ومشروع الشرق الأوسط الكبير يحتل 25 صفحة من الكتاب لا يقدم المؤلف مادة تتعلق بشكل مباشر بعنوان كتابه وقد كان من المتوقع مثلاً أن يقدم تناولاً يعرض من خلاله كيف تسعى الولاياتالمتحدة لكى توظف الإخوان لتعزيز هذا المشروع أو دعمه وتحويلهم لجزء من تكوينه غير أنه فى الصفحتين اللتين ذكر فيهما اسم الجماعة تطرق لجوانب أخرى ليس لها علاقة بموضوع الفصل.. فأمريكا تدعم الإخوان كى ينتهجوا طريقاً من العنف يوصل المجتمع المصرى إلى حرب أهلية من أجل فرض رؤيتها على المؤسسات العسكرية والأمنية وتحويلهما لمواجهة الإرهاب حصراً. وماذا بعد؟ لا يقدم المؤلف لنا هنا ما يسمن أو يغنى من جوع فيما يتعلق بما عنون به فصلاً رئيسياً فى كتابه. من الحديث عن «السيسى» والمهمة الثقيلة التى يحملها على ظهره كما يذكر الكتاب يبدأ المؤلف عمله بالإشارة إلى أن الرئيس السيسى فى مهمته إنما يسعى إلى أن تكون مصر على غير ما كانت عليه أى أن تعود إلى ذاتها وأن ذلك يبدأ باعادة تصويب سياسات الدولة تمهيدا للبدء بإصلاح المؤسسات المترهلة والضعيفة التى لم يصر إلى أى تحديث لها. إذا كانت هذه تجربة تمثل رؤية من الخارج لكاتب لبنانى حاول ان يضعنا من وجهة نظره فى سياق اللحظة التى نعيشها، فإن كتاب ثروت الخرباوى القيادى السابق بجماعة الإخوان والذى صعد نجمه فى مرحلة ما بعد انشقاقه عن الجماعة، يقدم لنا زاوية أخرى.. هى رحلة التحول من الهيام بالجماعة والتوحد معها إلى الانقلاب عليها والتشهير بها فى كل محفل. والكتاب تجربة شخصية مليئة بالذكريات والأحداث التى يصعب سردها وإن كان يمكن استخلاص أهم ما تود التأكيد عليه ويتمثل فى أن عضوية الجماعة إنما تعنى أن التفكير خطيئة والاختلاف ممنوع والسمع والطاعة فريضة لا مفر منها، وهو ما يجعل من الوجود فى قلب الجامعة محفوفاً بالمخاطر لمن يرفضون تسليم عقولهم للآخرين. وذلك هو ما حدث مع الخرباوى والذى خرج عن الجماعة وانشق عنها عام 2002. فقد كانت الطريق إلى الإخوان مليئة بكل ما هو طيب.. حتى وضعهم فى قلبه، وعلى مدى فصول الكتاب وكشاهد من أهلها يقدم لنا الخرباوى الكثير من الحكايات التى لا بد أن تقف عندها وتشير إلى أساليب عمل الجماعة بغض النظر عن بعض التوابل أو التلوينات التى لا بد أن يكون المؤلف قد أضافها من عنده ليضفى على القضية ملمح الرواية وهى بالفعل أقرب إلى ذلك. من وفاة حسن الهضيبى مرشد الجماعة الذى خلف البنا يضعنا المؤلف فى سياق نهج الجماعة فيشير إلى أن الهضيبى كان يحمل فى نفسه شيئا من رجال النظام الخاص فقد كان يعتبر أنهم هم الذين أدخلوا الجماعة فى محنة قاصمة يافعة وتسببوا برعونتهم فى حل جماعة الإخوان الذى أسفر عن مقتل البنا. ويشير إلى أنه فى السجن خلال الستينيات وإثر اتهام الجماعة بمحاولة اغتيال ناصر التقى رجال النظام الخاص بسيد قطب وتلاميذه وتأثروا به وبمواقفه فى تقسيم المسلمين إلى فريقين مجتمع المسلمين والمجتمع الجاهلى وعلى هذا قام ما يصفه الخرباوى بالحلف المقدس بين النظام الخاص وتلاميذ سيد قطب أو «إخوان قطب». يحكى لنا الخرباوى كيف أطلق التلمسانى المرشد العام التالى شرارة بدء حركة الإخوان فى نقابة المحامين ودور المحامى مختار نوح فى تلك المهمة وما تبع ذلك من بروز صراع بين تيار الليبرالية المصرية بكل تنويعاتها مع الجماعة فى النقابة. فى معرض رحلته يشير الخرباوى إلى بعض المواقف التى كان طرفا فيها والآراء التى صدرت من آخرين كان لها تأثيرها فى رؤاه ومن ذلك ما يذكره نقلا عن الدكتور توفيق الشاوى فى نقاش بينهما حيث قال: من الظلم لحسن البنا أن نجعله قديساً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فقط أخطأ البنا فى أشياء كثيرة إلا أن من كتب تاريخ الإخوان من جماعتنا كتبوه بعقلية المريد لا بعقلية الباحث ولذلك تتكرر الأخطاء، البنا أخطأ لا شك فى مسألة التنظيم الخاص وقد اعترف لى ولآخرين قبل موته بهذا الخطأ وقال: «لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما أنشأت التنظيم الخاص». وفى حسرة على ما آلت إليه الأمور يقول المؤلف: كانت فكرة استعادة الخلافة الإسلامية ذات يوم هى الفكرة الحاكمة عند الإخوان وكان حلم الوصول إلى أستاذية العالم هو الخاطر الذى نعيش من أجله وكان بناء الفرد المسلم هو الوسيلة فإذا بالحال يتبدل ومآل الحلم يتغير ليصبح التنظيم وبنياته هو الهدف والحلم والخاطر والأمل وأصبح الوسيلة هى بناء الفرد المطيع القادر على القيام بواجبات الجندية التنظيمية. فكان الفراق بين المؤلف وبين التنظيم والذى انتهى إلى فصله من الجماعة، وهو الذى خلق مرارة فى حلق الرجل وشعر معها بالمهانة التى لحقت به من إخوان كان يظنهم سهاماً له فكانوها ولكن فى فؤاده على حد قوله. لقد كانت ملفات التحقيق والمحاكمة التى جرت له فى الجماعة بمثابة صاعقة هبطت على رأسه حيث وجد فيها شهادة مكتوبة من أحد المحامين من الإخوان وكان من بين الوقف معهم ضد غوائل الأيام يشهد بأنه حرض ضد قائمة الإخوان فى نقابة المحامين وشهادة أخرى من محام بأنه كان يدير مؤامرة على الإخوان بتحريض من مختار نوح. من الرؤى الفكرية والشهادات إلى مستوى آخر من النظر للإخوان فى كتاب صدر عن قطاع الثقافة بأخبار اليوم وهو كتب «مؤامرات الإخوان من واقع ملفات السى أى ايه وملفات الإم 16» ففى هذا الكتاب على مايذكر المؤلف أكثر من ملف لعمليات سرية للغاية ومنتهى السرية كشفت عنها أجهزة استخبارات ومعلومات دولية مؤخراً بشأن علاقة جماعة الإخوان المصرية وتنظيمها الدولى بوكالة الاستخبارات المركزية ومؤسسة الاستخبارات والمهام الخاصة بالموساد. يشير الكتاب إلى أن من بين ما تكشفه الملفات اتفاقية وقعها الشيخ حسن البنا مع الزعيم النازى أدولف هتلر وبيانات عن كتيبة اخوانية مسلحة تحاول جماعة الإخوان إحياءها من جديد. وهناك الكثير من الحكايات والمرويات التى يقدمها لنا المؤلف على أنها وثائق سرية قد يكون من الصعب تصديقها وقد تعبر عن حقيقة، حيث إن الحكم النهائى عليها غير متيسر فى ضوء سيولة ما يتم تقديمه وكثرته وافتقاد بعضه للدقة حيث يؤكد المؤلف أن تنظيم الإخوان أجرى حواراً شاملا مع تنظيم القاعدة تعهدت الجماعة خلاله بمساعدة القاعدة على مراحل متفق عليها للخروج من قائمة التنظيمات الإرهابية والاندماج فى العمل السياسى العلنى ماقبل اعلان التنظيم إلقاء السلاح ونبذ العنف والخروج من تحت الأرض للتفاوض مع أمريكا. ويشير المؤلف إلى أن ذلك تم برعاية امريكية حيث منحت إدارة اوباما الإخوان الضوء الأخضر مع تولى محمد مرسى حكم مصر للقيام بهذه العملية. الكتاب ملىء بما يصفه المؤلف بالخبايا والتى تثير الدهشة ومن ذلك مثلا اتفاق سرى وقعته الجماعة مع الاستخبارات الأمريكية فى واشنطن عام 1975 وتلتزم فيه الجماعة فى أحد بنوده بتوفير الملجأ الآمن والحماية المحلية اللازمة لعملاء وجواسيس وضباط الوكالة اذا دعت حاجة عملياتهم فى مصر وليبيا وتونس إلى ذلك مقابل التزام الوكالة بمنح قيادات الجماعة المصرية وقت الطوارئ التأشيرات اللازمة لتنقلاتهم حول العالم إلى حق اللجوء السياسى الآمن فى الولاياتالمتحدة. ويشير الكتاب ضمن ما يتناوله بشأن عمليات الجماعة السرية إلى ما يذكر أن تقارير حديثة تتمتع بالسرية كشفت عنه صادرة من وكالة الاستخبارات الأمريكية عن امتلاك الجماعة معسكرات تدريب عسكرية ذات طابع استخباراتى ووحدة اتصالات حديثة تديرها الجماعة مع تنظيمات دينية مصرية على رأسها الجهاد السلفية فى جنوب الصحراء ليبيا منذ عام 1977. كما يشير الكتاب إلى ما يذكر أنه لقاء لمرسى مع ضباط من الموساد الإسرائيلى فى القاهرة بحضور ضابط رفيع من وكالة الاستخبارات الأمريكية.