كغيره من الناس فى بر مصر، تراقصت الأمانى المؤجلة والمستحيلة أمام عينيه بوقوع الثورة، إنه حسين يونس الموظف المعاق الذى تقدم منذ العام 2009 للحصول على شقة فى مشروع اسكان الهناجر، وقوبل طلبه بالموافقة إلا انه اكتشف بعدها أنها "موافقة على الورق" فقط ولم يحصل بالتالى على حائط فى هذه الشقة، صبر طويلا، وبعد قيام الثورة تقدم بطلب آخر برقم 7394 بتاريخ 21 فبراير 2011 لوزارة الإسكان، وكان الرد: "خلال شهر سنرد عليك"، ولم يرد حتى الآن أحد. تعود قصة البداية فى مأساة حسين كما يرويها لبوابة الوفد الإلكترونية، عندما كان عمره 6 أشهر حيث انفصل والداه, وتزوج كل من الأب، والأم, وبقى هو مع جدته لأمه, ترعاه «على قد صحتها» فاضطر إلى النزول إلى ساحة العمل مبكراً، ومن أجرة الأعمال البسيطة التى امتهنها استطاع أن يلتحق بالمدرسة ويعول جدته أيضاً, حتى تخرج فى المعهد العالى للمساحة شعبة ميكانيكا، ومع ذلك اشتغل فى «فرن», وبعدها بفترة موظفا فى مديرية المساحة بالقاهرة. عندما أصبح عمر «حسين» 20 عاماً، أصيب بحمى شوكية, ونتيجة للفقر والجهل وأشياء أخرى، اعتقد أنها «شوية برد»، لكن الأمر تطور وأدت الحمى إلى اصابته بالتهاب فى النخاع الشوكى, مما أدى بدوره إلى شلل نصفى وعدم تحكم فى الإخراج، يقول حسين: «البداية كانت تنميل وسخونية, اعتقدت أنه برد، ولكن التنميل زاد ووصل من رجلى إلى السرة, فاستنجدت بالجيران ونقلونى إلى مستشفى المنيرة, ولكن الدكاترة اتخضوا من حالتى وقالوا ده مش عندنا ده محتاج القصر العينى بسرعة, وهناك اتحجزت, وقضيت 3 سنوات وعملت أكثر من 11 عملية فى الرجلين, والبطن، والمرارة, وكنت المريض اللى «جربوا فيه» أول عملية أعصاب من البطن، لأن أعصاب رجلى الاتنين كانوا «راكبين فوق بعض» ونجحت العملية ورجلى «فتحت», ولكنى خرجت بعكاز وعدم قدرة على التحكم فى الإخراج. «صبحى بياع الجرايد» هو المحطة التالية فى حياة «حسين».. يقول: «بجوار بيتنا فى السيدة كان هناك بياع جرايد مبتور القدمين اسمه صبحى, ولأننى تحولت إلى فئة المعاقين فقد أصبح صبحى صديقى. أصابنى اكتئاب حاد بعد خروجى معاقاً من القصر العينى, ولزمت المنزل, ورفضت مقابلة الناس, ولكن صبحى كان لا يتركنى، ولم يترك إلحاحه علىّ بالخروج للدنيا، واستئناف حياتى, واصطحبنى بالفعل إلى نادى «الحبانية» لذوى الاحتياجات الخاصة فى ميدان أحمد ماهر, وهناك رأيت بشرا من أمثالى وأكثر, وأصبح لى أصدقاء ودنيا أستطيع أن أتعايش فيها بلا خجل, وبالنسبة لعملى فقد انطبق على القانون 259 لفئة مستحقى المرتب مع الإعفاء من مزاولة المهنة». عندما أصبح عمر «حسين» 25 سنة، التقى فى نادى الحبانية ب«عم سليمان الكفيف», الذى كانت تصحبه ابنته إلى النادى, أعجب حسين ب«سماح», وطلب يدها من عم سليمان وتزوجا بالفعل، وعاشا فى منزل أبيها بالمطرية، حتى أنجب 3 أطفال, وتوفى أبوه تاركاً ل «حسين» طفلين آخرين غير شقيقين ليتولى أيضا رعايتهما وتربيتهما. فجأة أصبح لدى «حسين» 5 أطفال وزوجة لا تعمل, وبدأت رحلته للتنقل من شقة إيجار قانون جديد إلى أخرى, وخلال 7 سنوات تنقل بين 5 شقق ومع كل شقة وكل منطقة كان ينقل أطفاله من مدارسهم, وتحول أثاث شقته إلى ركام متكسر من النقل و«الهبد والرزع», فالكنبة أصبحت بدون أرجل, والسرير بدون «ملة», والدولاب الوحيد بلا أرفف ولا أبواب. أشار عليه بعض الأصدقاء بالتقدم بطلب شقة من وزارة الإسكان, وكانت فرحة «حسين» لا توصف كما يقول عندما أرسلوا إليه موافقة الوزير رقم 706 بتاريخ 12 فبراير 2009 فى إسكان مشروع الهناجر فى القاهرةالجديدة بالعمارة 18، لكن فرحة «حسين» لم تكتمل، عندما عرف أنها مجرد «موافقة وزير» وأن المطلوب من حسين استكمال الإجراءات ودفع 11 ألف جنيه مقدم تعاقد لشقة مساحتها 57 مترا، يقول حسين: «الشقة طلعت حلم على الورق, والمشكلة أنى لا أملك قرشا من ال 11 ألفا المطلوبة وقتها وحتى اليوم بالطبع, وشقتى الإيجار التى أسكن بها الآن فى مساكن المقطم سينتهى عقدها نهاية هذا الشهر ويرفض صاحبها التجديد, ولا أعرف أين سأذهب بأولادى وبقايا عفشى». هل لدى وزارة الإسكان " بعد الثورة " إجابة ل «حسين يونس» 38 سنة المعاق, وزينب، ومنى، وصفاء، ومريم، وعمر.. أولاده؟