على كوبرى قصر النيل وقف شاب فى مقتبل العمر مقلدا شخصية الممثل محمد رمضان فى أحد أفلامه الشهيرة، بنفس حلقة شعره وجسمه العارى وهو يرقص ممسكا بمطواة مقلدا طريقته وحركاته. هذا هو حال الكثير من المراهقين الذين يتأثرون سريعا بأبطال أفلامهم المفضلة، وينقلون صورهم بتباهٍ على صفحات الإنترنت. أساتذة علم الاجتماع قالوا إن «تدنى لغة الحوار فى الشارع جعل بعض كتاب السينما ينقلون ذلك إلى أفلامهم بدعوى الواقعية، ويضعون اللائمة على أذواق الناس الذين نزلوا بإرادتهم ليشاهدوا هذه الأفلام». ويرى آخرون أن «الدراما والسينما تؤثران بشكل كبير على الوعى الاجتماعى للجماهير. على مواقع التواصل الاجتماعى أصبحت أفلام المنتج السبكى محل هجوم وحملات نقد ومقاطعة لمستخدمى موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، فبدأت حملات لمقاطعة هذه الأعمال لتقديمها فنا هابطا لا يحمل أى قيمة. ويرى عدد من القائمين على هذه الحملات أن «ثورة 25 يناير غيرت كل شىء فى البلاد، لذلك فإننا كمشاهدين يجب أن نتغير أيضا، ونبتعد عن الأفلام الهابطة التى كانت سمة أساسية لحكم مبارك. ولم يعد يخفى علينا جميعا مدى الانحطاط الأخلاقى الذى نعيشه منذ أكثر من 3 سنوات، أخلاق الشباب والبنات باتت سيئة وانتشرت كلمات وألفاظ خادشة للحياء فى مجتمعنا، عندما كنا نسمعها فى الماضى نختبئ من صاحبها إلا أنها باتت عادية جدا فى أيامنا هذه. والغريب أن القنوات الفضائية كانت سببا في الانحطاط الأخلاقي، فتلك القنوات سلاح ذو حدين، إما أن تكون وسيلة لبناء المجتمع، وإما أن تكون سكينًا يتم من خلالها ذبح الفضائل والقيم، إلا إنه يبدو جليًا أن كثيرًا من الفضائيات اختار الطريق الثاني، وقرر التضحية بكل مبادئ الإعلام، من أجل الفوز بأكبر عدد من المشاهدين، مما عرض النسيج الاجتماعى للخطر، من خلال التشهير والسباب والخوض فى الأعراض وتصفية الحسابات، الأمر الذي يصفه الخبراء بظاهرة «الردح الإعلامي»، والذي يدفع الرأى العام ثمنه من خلال تدنى الذوق العام، حتى وصل الأمر إلى أن بعض البرامج التى تقدمها راقصات متضمنة أغاني هابطة وكلمات مبتذلة تخدش الحياء، وأصبحت الأسر تسمع من الألفاظ، والكلمات غير اللائقة والعبارات المسيئة ما يؤذى مشاعر وأسماع المشاهدين. يقول دكتور أحمد يحيي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة قناة السويس: إن الدراما والسينما تؤثران على الوعى الاجتماعى للجماهير، فعلى سبيل المثال أفلام مثل «هى فوضى» و«حين ميسرة» كان لهما تأثير إيجابى وقوى جدا على وعى الجماهير التى قامت بثورة «25 يناير»، لكن فى مقابل ذلك هناك أعمال لها تأثير سلبى جدا على الجماهير، خاصة الشباب وبصفة أخص على غير المتعلمين، من حيث أنها تسطح وعيهم، وتشتت انتباههم عن القضايا الجوهرية للمجتمع المتمثلة فى قضايا الفقر وانهيار الخدمات والمرافق وقضايا التفاوت الرهيب بين الفقراء والأغنياء وقضايا القهر والاستبداد والفساد والعلم والمعرفة والحب الأصيل المبنى على العطاء وقضايا الانتماء للوطن والمساواة بين المواطنين والرجل والمرأة والمواطنة والبيئة والجمال والنظافة والنظام واحترام القانون. ورأى أن الأفلام الرائعة الخالدة منذ الثلاثينيات حتى يومنا هذا قضاياها مست تاريخ السينما المصرية، مثل أفلام يوسف إدريس وطه حسين ونجيب محفوظ التى تحولت إلى أفلام سينمائية بجانب أعمال أسامة أنور عكاشة ويوسف شاهين وغيرهما، وفى مقابل ذلك توجد السينما الهابطة التى لا تهدف إلا إلى إضحاك الناس والربح، وسلبياتها خطيرة جدا، حيث إنها تشتت انتباه المواطنين عن قضاياهم، وتنشر فى أذهانهم قيما غير إيجابية ولا أخلاقية، مثل عرض تجارة وشرب المخدرات والمغامرات الجنسية والألفاظ الخارجة، مؤكدا أنه حتى لو لم يتم تقليد مثل هذه الأمثلة السيئة إلا أنها تتسبب فى تشتيت المواطنين عن قضاياهم.