بقلم: سليمان جودة منذ 56 دقيقة 58 ثانية أظن، وبعض الظن ليس إثماً، أن الخطاب الذى تلقيته من الدكتور حازم الببلاوى، نائب رئيس الوزراء ووزير المالية، يظل خطاباً فريداً من نوعه تماماً، فهذه هى المرة الأولى التى يعترف فيها وزير، بما اعترف به الدكتور حازم فى خطابه! ففى أعقاب مجئ الرجل إلى منصبه، كان قد صارح الصحفيين،ومن بعدهم المصريين بالتالى، فى مؤتمر عام، بأنه سوف يعلن رقم مرتبه بالضبط، عندما يعرفه، وكانت هذه هىأول مرة، يبادر فيها وزير، إلى مصارحة الناس بأمر من هذا النوع، فلا يكذب عليهم، ولا يخدعهم، ولا يقول كلاماً عن إجمالى ما يتقاضاه، لا يساوى وزنه تراباً! يومها.. كتبت سطوراً فى هذا المكان، أهنئ فيها الدكتور حازم على شجاعته، وأرجوه، فى الوقت ذاته، أن يسارع بإعلان حجم مرتبه، عندما يعرفه، لأنه حين يفعل ذلك، سوف يكون قد بادر إلى شىء لم يسبقه إليه وزير، وسوف يكون قد جعل من نفسه قدوة، فى مسائل الشفافية التي يدعو إليها، ويتبناها، منذ الساعة الأولى له على الكرسى!..وكنت قد قلت يومها أيضاً، أن الوزير الببلاوى، وهو رجل مفكر، وصاحب رأى، ورؤية، قبل إن يكون مجرد وزير.. قلت، إنه، حين أعلن انه سوف يصارح المواطنين بحدود ما يقبضه من الحكومة، فإنه كان يفعل ذلك متطوعاً، دون ضغط من أحد، وقد كان فى إمكانه ألا يتطوع بشىء فى هذا الاتجاه، وأن يتهرب، لولا إحساسه الصادق بالمسئولية تجاه المصريين، الذين يدفعون من ضرائبهم، كل جنيه يتقاضاه أى مسئول يتولى موقع مسئولية فى هذا البلد، سواء كان وزيراً أو خفيراً! وليس سراً، أنى كنت بينى وبين نفسى أشك فى أن يفى الدكتور حازم، بوعده، ويعلن إجمالى مرتبه فعلاً، ليس لأنه كان يخدع الناس، لا سمح الله، حين وعدهم بما أعلنه ابتداء، ولكن لأنه سوف يحرج كثيرين من الوزراء، الذين يدخلون إلى المنصب، فى العادة، وهم حُفاة، ثم يخرجون وهم أصحاب ملايين! وكان هذا الشك، من جانبى، هو الذى جعلنى أثير الموضوع، مرة أخرى، فى هذا المكان أيضاً، ولو على سبيل تذكير الرجل بما وعد! ولم أكن أعرف أنه كان قد انهمك فى كتابة رد، على ما أثرته، وأنه كان فى انتظار أن يعرف حدود مرتبه فعلاً، ليعلنه علينا، فلما عرف، أرسل خطاباً تجده منشوراً على هذه الصفحة، وهو خطاب نادر بكل معانى الكلمة،بحكم مضمونه، ثم بحكم معنى هذا المضمون! كان كل وزير، من قبل، يتصنع الفقر، ويرتدى ثوباً من التواضع الزائف، كلما سأله أحد عن مرتبه، ويقول ما معناه إن مرتبه لا يكاد يكفيه، ويكفى أولاده، وأن الوزير رجل غلبان، وانه يتقاضى ملاليم، وانه.. وانه.. إلى آخر هذا الكلام الفارغ.. أما الدكتور حازم، فقد أعلنها صراحة، وقال ان مرتبه كوزير،30 ألف جنيه شهرياً، وأنه تقاضى بالفعل 40ألفاً عن 40 يوم عمل فى الحكومة، وأن المبلغ هو كذا.. وكذا.. بالقرش والمليم. ولابد ان خطابه يدل على شجاعة مضاعفة منه.. مرة لأنه قد أوفى بما وعد، ومرة لأنه يعلن ما لم يجرؤ جميع الوزراء السابقين عليه، على مجرد الاقتراب منه،فقد كانوا يقولون «أى كلام» إذا سألهم أحد، عن مرتباتهم، وكانوا يسارعون ب«تغيير الموضوع» على الفور، وكأنهم يسترون عورة، لا يريدون لها أن تنكشف على أحد! الببلاوى، بما أعلنه اليوم، رجل شجاع.. وهو فوق شجاعته، يظل أميناً مع الناس، وأميناً بالتالى على فلوسهم التى فى حوزته، كوزير مالية، وهو يستحق التحية فى كل الحالات، لأنه فتح باباً كان مغلقاً بالضبة والمفتاح، على مدى عقود مضت، وأخشى أن أقول إنه دون أن يقصد قد فضح كثيرين، بخطابه الفريد! عشت لنا أيها الرجل الشجاع!