«إذا دخل الشك من الباب هرب الحب من الشباك»، فالثقة هى أهم ركن فى أى علاقة زوجية، فإذا أقامها الزوجان استقامت حياتهما وضمنا عيشة مديدة ومستقرة، وإذا قطعا أوصالها فستتحول العلاقة بينهما إلى أشبه بملاحقة بوليسية فى فيلم إثارة. «الرجل الذى لا يثق فى امرأته لا يستحق أن تعيش معه ولو ليوم واحد»، كلمات خرجت من نساء اختلفن فى مستواهن الاجتماعى والثقافى، لكن اتفقن فى المصير والمعاناة، فكل واحدة منهن ذاقت مرارة الشك بدرجة متفاوتة، فمنهن من كانت تخضع لعمليات تفتيش دقيق ومراقبة خلال ال 24 ساعة من قبل زوجها، وأخريات واجهن اتهامات بالجمع بين زوجين وبالخيانة بسبب مكالمات تليفونية أو حلم أو لمجرد أنهن رفضن مضاجعة أزواجهن فى وقت ما، وبعضهن أقيمت ضدهن دعاوى زنا، وجميعهن أكدن أن علاقات الرجال النسائية قبل الزواج وبعده أوحت لهم أن كل النساء خائنات وعاهرات.. وفي النهاية دائما هدم حياة الأسرة. ابتسام في العقد الثالث من العمر جاءت إلى محكمة الأسرة بزنانيري لرفع دعوى خلع أكدت خلالها أن زوجها يشك فيها، وقالت في دعواها زوجى يتهمنى دائما بخيانته عند حديثى مع زملائي هاتفيا أو رفضى معاشرته» «يستقر عقرب الساعة عند التاسعة صباحا، تتخطى الباب الحديدى المفضى إلى الطابق الأول من المبنى القديم لمحكمة الأسرة بزنانيرى بخطوات واثقة، وبعين يسكنها الحزن والحذر أخذت تتفحص أرجاء المكان بحثا عن ركن هادئ تغرق فيه بهمومها بعيداً عن زحام المتنازعين، وبعد عناء تجد «ابتسام» ضالتها فى كرسى معدنى مكسو بجلد أسود اللون قابع وحيد، تهرع ابتسام صوبه، تسقط بجسدها المنهك عليه، ثم تلتقط من حقيبتها الجلدية الأنيقة حافظة مستندات باهتة اللون تحوى أوراق دعوى الخلع التى أقامتها ضد زوجها بعد 3 سنوات من الزواج. «زوجى هدم حياتنا بشكه» بهذه الكلمات بدأت ابتسام رواية تفاصيل حكايتها وبصوت يكسو الحزن نبراته، ومضت قائلة: «تعرفت عليه عن طريق إحدى صديقاتى، بهرنى بوسامته ودماثة خلقه وأصله الطيب وتفوقه فى عمله، تمنيت أن أرتدى الفستان الأبيض وأزف إليه فى موكب تحيطه فتيات يمسكن فى أيديهن باقات الورود، وحلمت أن أعيش ما تبقى من حياتي فى كنفه، واهمة بأنه سيغمرنى بحنيته، وسيحقق لى حلم الاستقرار الذى لطالما حلمت به، وعندما تقدم لخطبتى وافقت بلا تردد، وكان شرطى الوحيد ألا أترك عملى كمهندسة بإحدى الشركات الاستثمارية الكبرى، فليس من العدل أن أضحى بمنصب يحلم به ملايين من الشباب العاطل، وأضيع سنوات من الجهد والعناء، وليس هناك ما يلزم للتخلى عنها». تترقرق الدموع فى عينى ابتسام ويختنق صوتها من الحسرة وهى تقول: «قبل عريسى بشرطى وتمت الخطبة وكانت من أجمل أيام حياتي، حيث قمنا خلالها بإعداد عش الزوجية كنت أختار كل شىء من قطع الأثاث بدقة وذوق وتمنيت أن يكون بيتي الصغير من أجمل وأرق ما رأت عيناي وبالفعل انتهيت من إعداد عش الزوجية وتمت مراسم الزفاف فى شهور معدودة، ثم انتقلنا إلى بيتنا الجديد فى أحد الأحياء الراقية، مرت الأيام الأولى من زواجنا كأنني أعيش في حلم جميل بسبب السعادة التي كنت أعيشها قررت أن أكون لزوجي صديقته وحبيبته وعشيقته وأمه، لكن تأتي الرياح دائما بما لا تشتهي الأنفس.. ولم تمر سوى شهور قليلة على زواجنا حتى بدأت ملامح شخصية زوجى القبيحة فى الظهور، وتجلت أعراض مرضه بالشك، فبات إذا سمعنى أتحدث إلى أحد من زملائى فى الهاتف يفتح لى تحقيقا مطولا وفى نهايته يتهمنى بخيانته، رغم أنه متأكد أن الحديث لا يخرج عن إطار العمل، وإذا رفضت لقاءاته الحميمية اتهمنى بأننى أضاجع رجلا آخر، بل الأدهى من ذلك أنه زرع كاميرات مراقبة فى أركان البيت» تحدثت إليه كثيرا وحاولت أن أبتعد عن كل مصادر شكوكه لكن للأسف الشديد لم يشعر بالاطمئنان من ناحيتي كنت كل يوم أنام وأنا أفكر في أسباب شكه، وفي أحد الأيام طلبت منه التوجه إلى أحد الأطباء النفسيين ليعالج نفسه من مرضه النفسي إلا أنه رفض بشدة وتعدى علىَّ بالضرب المبرح وكانت أول مرة يعتدي فيها علىَّ بالضرب اشتكيت لأسرته ولأسرتي أملا في إيجاد حل لأزمتي معه لكن كل محاولاتهم باءت بالفشل معه حتى طفح بي الكيل وكرهت العيش معه. تسكت ابتسام لحظات ثم تأخذ نفساً عميقاً تملأ صدرها بالهواء وتغمض عينيها، وهى تختتم حكايتها: «يبدو أن تجاربه قبل الزواج وجلسات الرجال وأحاديثهم عن الجنس والمرأة والخيانة الزوجية جعلته يظن أن جميع النساء عاهرات، وخائنات لا شرف لهن، قد أكون أخطأت عندما تحملت شكه «المرضى» وقبلت بتصرفاته الشاذة لثلاثة أعوام كاملة، لكن كان عندى أمل أن يتغير ويكف عن تدنيسه طهارتى، وها أنا أحاول أن أصلح ما أفسدته وأضعته من عمرى وكرامتى بدعوى الخلع، ولأتيقن أن الرجل الذى لا يثق فى امرأته لا يستحق أن تعيش معه ولو ليوم واحد، وأحمد الله أننى لم أترك عملى كما طلب منى لأنه هو الباقى أما الرجال فراحلون».