فتح النوافذ ضرورى، لازم، وحتمى فى ظل بحث دائم وأبدى عن فرص عمل جديدة. الحكومات الناجحة فى عالم اليوم هى التى تخلق التوظيف المُستمر من خلال استثمارات ضخمة ومتنوعة تأتى من كل حدب. والقادة التاريخيون هُم من تشهد عهودهم ضخ أموال كبيرة تُسهم فى التنمية. انتهى عصر زعامات الحناجر وبطولات الشعارات إلى الأبد. تلك هى اللغة السائدة فى عالم الإمبراطوريات الاقتصادية الجديدة التى تبحث عن تربة صالحة لبذورها القادمة. وهى اللغة التى تدفع الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى وضع المباحثات مع رؤساء الشركات العالمية ضمن أولوياته فى رحلاته الخارجية. لذا كان لقاء الرئيس مع ممثلى ورؤساء كبرى الشركات بداية لانطلاقة جديدة فى مجال الاستثمار الخارجى يمكن من خلالها رسم ملامح مناخ الاستثمار فى الفترة القادمة. اللقاء وطبقا لأنيس إقليمندوس رئيس غرفة التجارة الأمريكيةبالقاهرة والذى اختص «الوفد» بكثير مما دار فيه كان بمثابة إلقاء حجر ثقيل فى بحيرة راكدة منذ شهور. فى مارس الماضى التفت مجتمع الأعمال العالمى لدولة نامية تقول إن لديها فرصاً واعدة، وتيسيرات عديدة، وبناء تشريعياً مختلفاً جاذباً للاستثمار وبدأت بالفعل الشركات الكبرى تدرس مشروعات متنوعة يمكن أن تغير وجه التنمية فى مصر، وتجاوزت بعضها مرحلة الدراسة إلى التنفيذ، لكن بطء التنفيذ جدد داء الإحباط فى الشارع المصرى. والآن يُجدد الرئيس بلقاءاته الترويج لمصر باعتبارها موطناً محتملاً لتحقيق أرباح خيالية. لقاءات الرئيس بالشركات الأمريكية شملت شركات «أباتشى» وهى بالمناسبة أكبر شركة مستثمرة فى مصر فى الوقت الحالى وجنرال إليكتريك، وإيه سى آى لايف، و«بيبسيكو»، ولوكهيد مارتن جلوبال، وباك آند فيتش للطاقة، وكوكاكولا، ووايت آند كاس، ولوكونوبل إنرجى، وسكاى بور جلوبال، وشركة بلامبرج. والملاحظ أن تلك الشركات حققت قوائمها المالية خلال السنوات القليلة الماضية أرباحاً عالية فى كثير من الأسواق الصاعدة، وهو ما يعنى أن دراساتها بشأن مصر وتفاؤلها يرتكز على مُبررات واقعية. وكان أبرز تساؤلات رؤساء الشركات الكبرى حول سعر الصرف فى مصر وتذبذبه المُقلق وتخوفات المُستثمرين الأجانب من ذلك التذبذب على أرباحهم، فضلاً عن عدم وضوح سياسة تسعير الطاقة فى مصر خلال السنوات القادمة. وجاء رد الرئيس السيسى باتاً بشأن سعر الصرف حين أكد أنه سيتم طبقاً لسياسات البنك المركزى توفير العملة الصعبة للشركات الكُبرى بغرض استيراد الخامات ومستلزمات الإنتاج، ومؤكداً أن سياسة البنك المركزى نجحت رغم الأعباء المالية فى تحقيق استقرار بأسعار الصرف. وفيما يخص أسعار الطاقة أكد الرئيس أنه سيتم قريباً الإعلان عن أسعار الطاقة المتجددة للقطاع الصناعى بعد تنفيذ مشروعات متميزة فى هذا المجال، فضلاً عن وجود سياسة تسعير واضحة ومعلنة بشأن الطاقة التقليدية. لقد استثمر الرئيس نجاح الحكومة فى حل أزمة الكهرباء فى مصر خلال ستة شهور فى التأكيد على أن الدولة المصرية قادرة على مواجهة تحدياتها بقوة وحسم. وكان من اللطيف أن يقول الرجل إن مصر عندما تنوى فعل شىء تُحطم جميع العقبات الخاصة بالبيروقراطية والروتين. وكان من اللافت أن بعض الشركات الأمريكية المشاركة فى اللقاء تسهم فى مشروعات طاقة متجددة جديدة فى مصر، وهو ما كان واضحا عندما وجه الرئيس الشكر لشركة جنرال إليكتريك بحسب أنيس إقليمندوس. ويكشف رئيس غرفة التجارة الأمريكية أن حالة من الانبهار سادت ممثلى الشركات الأمريكية الكبرى عقب اللقاء، وأن بعض خبراء صناديق الاستثمار قدموا توصيات ودراسات بشأن تنفيذ مشروعات جديدة فى مصر. وجاءت قطاعات الطاقة المتجددة والنقل، واللوجستيات والخدمات على رأس القطاعات المرشحة لاستقبال استثمارات كبرى خلال الفترة القادمة. ومن المعروف أن مصر هى أكبر دولة أفريقية تستقبل استثمارات أمريكية، وثانى دولة فى الشرق الأوسط بعد إسرائيل استحواذاً على الاستثمارات. ويشير تقرير لمكتب التمثيل التجارى بالمصرى بواشنطن إلى ارتفاع حجم الاستثمارات الأمريكية فى مصر من 2.7 مليار دولار عام 2002 إلى 3.5 مليار دولار فى العام التالى ثم إلى 5.4 مليار دولار عام 2005 وتواصل ارتفاعها حتى بلغت 7.5 مليار دولار عام 2007 ثم تصل إلى 15 مليار دولار فى العام الماضى. وأوضح التقرير أن الاستثمارات الأمريكية فى مصر تمثل 0.23 % من إجمالى الاستثمارات الأمريكية فى الخارج البالغة 2791 مليار دولار. ويتركز الجانب الأكبر من الاستثمارات الأمريكية فى قطاع التعدين بقيمة 5.9 مليار دولار. ويرى إقليمندوس أن شراكة مصر وأمريكا تُحقق لمصر أهم ما تسعى إليه وهو توفير فرص عمل ووظائف، وإقامة مشروعات جديدة، وزيادة صادرات مصر، ونقل تكنولوجيات متطورة، وتدريب وتأهيل العمالة ورفع كفاءتهم. وفى الوقت نفسه فإنها تُحقق لأمريكا فتح أسواق جديدة لمنتجاتها فى أفريقيا من خلال التصنيع المباشر فى مصر التى لديها اتفاقات تربطها بأسواق عديدة يزيد عدد مستهلكيها على مليار شخص. فضلاً عن الاستفادة من فرص الاستثمار المتاحة فى اقتصاد صاعد يُحقق عائدات تصل إلى 30 % سنوياً طبقاً لتقارير دولية متنوعة. ويضيف «إقليمندوس» مؤكداً أن التكتل الأفريقى الجديد يمثل نقطة جذب كبيرة للمستثمرين الأمريكيين، فضلاً عن أن مشروع «سى تو سى» للربط بين القاهرة وكيب تاون سيؤدى إلى تغيير شامل فى خريطة التجارة العالمية.