بقلم : حمزة قناوي منذ 19 ساعة 51 دقيقة عندما قامت الثورة المصرية أذهل شبابها العالم كله بما رآه فيه من ترابط واتفاق علي وحدة الهدف وإيمان بتشارك المصير، ولا ينسي العالم كله مشهد شباب الأقباط وهم يشكلون من أجسادهم وأيديهم المتشابكة طوقاً منيعاً يطوّق المصلين المسلمين في ميدان التحرير عندما ارتفع الأذان للصلاة، ويومها بكيت وبكي معي ملايين المصريين الذين اكتشفوا (الوهم) الذي ربّاه فينا نظام كان وزير داخليته يفجر الكنائس من أجل أن يشيع أن هناك فتنة طائفية في مصر وأن الأقباط والمسلمين يتربص كل منهم بالآخر بينما يقف شباب مصر في الميدان يحمون بعضهم بعضاً مسلمين وأقباطاً وقد أدركوا بوعيهم الحي أن الدين لله فعلاً ومصر للجميع وأنهم لبعضهم بعضاً أخوة وأصدقاء وأبناء وطن واحد. كانت القلوب المكتظة بالحقد علي مصر، وأذناب النظام السابق يفعلون المستحيل والممكن من أجل إفشال الثورة، غير أن الوعي المُدهش الذي أضاء بصيرة الشباب والناس في مصر كان يُسقط المخططات المتربصة واحداً تلو الآخر. في ميدان التحرير التقيت أصدقائي وزملائي في الجامعة بعد اغتراب لي عن مصر دام خمس سنوات، رأيت وجوهاً لم أكن التقيتها من قديم، وجدنا الميدان، وحدتنا نهضة مصر المرتجاة واسم مصر، وفي الميدان رأيت شاباً أربعينياً مفعماً بالحيوية يوزع أعلام مصر ويناقش الشباب بحماسة عن ضرورة المثابرة حتي تحقيق أهداف الثورة (لم يكن النظام قد أُطيح به بعد) التففنا حوله أنا وأصدقائي وجادلناه بقوة، تعرفنا عليه لاحقاً.. كان مصرياً يعمل أستاذاً في فن الإخراج السينمائي والسيناريو بالجامعات الأمريكية ويقيم في الولاياتالمتحدة، وترك كل هذا ليفترش أرض ميدان التحرير، لم أنس اسمه أبداً.. د. خالد حلمي، وكان مثله ملايين من شباب مصر. نجحت الثورة وتنفست مصر بعد احتقان وغياب دام ثلاثة عقود، ونهضت رافعة رأسها بشبابها. الآن وبعد مرور ستة أشهر علي الثورة لم يكن يتصور أحد أن يصل الحال بمصر وشعبها إلي هذه الدرجة من التفرق والتشرذم والصراع علي قضايا جانبية وفرعية بعدما اتفقوا علي (الجوهر) وثاروا لأجله، ونجحت ثورتهم في تحقيق المطلب الأساسي الذي يعد قاطرة كل تنمية وتقدم للمجتمعات الإنسانية: الحرية والكرامة. والمشكلات التي نشأت بسبب شعور بعض الفئات في مصر بأنها مضطهدة ومغبونة الحقوق والمظاهرات الفئوية التي قامت تطالب بحقوق، أحسب أنه يجب أن يرجع فيها إلي الإطار المنظم لهذا كله، فالظلم كان طائلاً الشعب المصري بأكمله، وعلي الذين يتحدثون عن الطريقة التي ستجري بها الانتخابات وما هو النظام الذي سيحكم مصر، وهل سيكون وزارياً أم رئاسياً أم مختلطاً بين صلاحيات لرئيس الدولة في السياسة الخارجية وصلاحيات واسعة لرئيس الوزراء في الشئون الداخلية، علي الذين يفكرون طيلة الوقت في مسألة المادة الثانية من الدستور ووضعها في المستقبل التشريعي الجديد لمصر دون أن ينتبهوا إلي أن هذه المادة مُطبقة بالفعل في الدستور المصري بكامل بنوده، وسارية في جميع مواده، عدا فكرة الحدود التي لا تمثل سوي 5٪ من الشريعة الإسلامية، علي الذين يفكرون في التكتلات الحزبية وإنشاء أحزاب وصحف وتجمعات وحركات غارقة في التنظير أن يسألوا أنفسهم: أين مكاسب الإنسان المصري من الثورة للآن؟ هل أعظم مكتسبات الثورة وانتصاراتها أن وضعت «رموز» النظام السابق في السجن لتتم تأجيل محاكماتهم جلسة بعد أخري ليهدأ الناس أو (يتشفي) البعض بينما جسد النظام السابق بأكمله مازال ينخر في مصر كالسرطان؟ إن الثورة المصرية العظيمة حادت كثيراً عن مسارها بالبطء الذي اعتراها والخلاف حول أهدافها الرئيسية الواضحة وضوح الشمس من حق الإنسان المصري في التمتع بجميع حقوق المواطنة والحياة الكريمة والحرية والعدل والكرامة وتأمين الوفرة له ولأبنائه.. والسبب في ذلك تضارب الآليات التي تم بها تسيير الأمور في مصر بعد الثورة بين المجلس العسكري من جهة وبين المجتمع المدني وناشطيه وجمعياته من جهة أخري، وشباب الثورة من خيرة شباب مصر المتحمسين لإصلاح فساد ثلاثين عاماً في بضعة أيام. إن الحرية والكرامة أساس الثورات في التاريخ الإنساني وأهم محركاتها وأهدافها المرتجاة، ولكن لكيلا تأكل الثورة المصرية أبناءها عليها أن تنظر لواقع الإنسان المصري المُنتظر أن توفر له الثورة أيضاً الخبز والدواء والمسكن الملائم والبيئة النظيفة لكيلا نصبح كمن يحرث البحر ويروّض الرياح. [email protected]