لم يكن تدمير تنظيم «داعش» الإرهابي لمتحف الموصل في العراق المدمر منذ غزو 2003 بحجة إقرار الحرية والديمقراطية وإسقاط نظام صدام حسين على وقع أسلحة الدمار الشامل المزعومة سوى مقدمة لقاطرة التدمير، فقد قام الإرهابيون وهم ما يمكن أن نطلق عليهم المستعمرين الجدد بتدمير عدد كبير من التماثيل الآشورية التي تعد من أولى الحضارات البشرية بما فيها تمثال الثور المجنح العائد للقرن التاسع قبل الميلاد في فبراير الماضي من هذا العام، فضلاً عن السرقة والنهب. لم ينته الإهاربيون من تدمير حضارة العراق حتى شرعوا في تدمير الحضارة السورية ومحو كل ما على الأرض من تاريخ تمهيداً لإعادة التخطيط جغرافياً لمنطقة جدية ودويلات صغيرة لا وجود فيها لتاريخ أو جغرافيا أو انتماءات. وقام «داعش» بتفجير معبد «بعل شميس» الروماني وهو يوجد في مدينة تدمر وسط سوريا، وفجر الإرهابيون المعبد وهو عمل يخالف كل الأعراف، والتقاليد والقوانين وهذا المعبد جزء من تاريخ سوريا، وحضارتها وقيمة تاريخية كبيرة عند السوريين وجزء من الثقافة السورية. ويعتبر معبد بعل من أقدم حضارة سوريا بل العالم أجمع، حيث تم بناؤه عام 32، وتم اكتمال إنشائه في القرن الثاني وهذا المعبد الشهير هو أقدم من معبد بعلبك تقريباً بحوالى قرن كامل، وتصميم هذا المعبد تصميم سورى بحت، ولقد تم بناء هذا المعبد على أنقاض معبد آخر، وتم بناؤه على أحد التلال الاصطناعية، وتم بناء هذا المعبد على عدة مراحل مختلفة وعهود مختلفة للعديد من أباطرة الرومان، فهذا المعبد شاهد على العديد من العصور المختلفة تاريخاً وحضارة عريقة، وداعش لا تحترم تلك الحضارة والتاريخ. وطبقاً لإحصائيات الأممالمتحدة، فقد بلغ عدد السوريين خارج بلادهم خلال العام الأخير 4 ملايين شخص، بينما بلغ عدد النازحين فى الداخل السوري 7 ملايين شخص، فيما يشكل العدد الإجمالى لسكان سوريا 23 مليون نسمة. إذن الوضع لا يتعلق بالإنسانية وإنقاذ الضحايا الذي يبتلعهم البحر يومياً من كل الجنسيات وإنما هو اللعب بورقة الإنسانية المزعومة وهي تجارة رابحة إعلامياً. إن الضجة الغربية العربية المثارة حول الهجرة غير الشرعية تدور حول ما يقرب من 200 ألف إلى 300 ألف سورى يحاولون التوجه إلى دول أوروبية، سعياً للبقاء فيها وهرباً من جحيم الهدم والتدمير.. وليسوا هم فقط فهناك جنسيات أخرى من أفريقيا وآسيا يبتلعهم البحر يومياً ولا نجد أي تسليط من وسائل الإعلام عليهم بالشكل اللافت للنظر، كما هو في الجانب السوري من أزمة الهجرة غير الشرعية. ولا نجد أن هناك من يشير من قريب او بعيد إلي 11 مليوناً «نصف سكان سوريا» بين مهاجر فى الخارج، ونازح ومشرد فى الداخل. إن تفريغ سوريا من السكان قد يكون أحد أهم العوامل المساعدة فى إقناع الرأى العام العالمى بمبررات هدم الدولة السورية وتجريفها تماماً من أجل تحقيق أحد أهم الأهداف الإنسانية السامية، ألا وهو الديمقراطية والاستقرار، بالضبط مثلما حققت الولاياتالمتحدة الديمقراطية والاستقرار فى أفغانستانوالعراق وليبيا والصومال ونيجيريا. هو عبارة عن خطوات ممنهجة، لا لتدمير حضارة الدولة السورية والقضاء على بنيتها التحتية، والتخلص تماماً من أى مؤسسات سيادية وعلى رأسها الجيش فقط، بل وأيضاً لتفريغها من السكان، تمهيداً لاستقبال سكان الخلافة الجدد من آسيا الوسطى وأفغانستان وشمال القوقاز، إضافة إلى عناصر الإرهاب الأخرى من مختلف الدول العربية، سواء الذين خاضوا عمليات فى مستنقعات الإرهاب المختلفة فى القوقاز والبوسنة والعراقوأفغانستان والشيشان وليبيا، أو الذين تدربوا على أيدي القوات الأمريكية والألمانية فى تركيا والسعودية والأردن.