الفنان المبدع مثل الجندى فى ميدان المعركة كلاهما يحمل سلاحاً يدافع به عن الوطن، الجندى يحمى الحدود والفنان يحمى عقولا وينمى مشاعر ووجدانا تقاوم دعاة الظلام والفتنة، وعندما كانت صناعة الدراما فى حضن الدولة شاهدنا واستمتعنا بروائع المسلسلات التى كانت ومازالت وستظل راسخة فى وجدان وعقل المشاهد خاصة مسلسلات قطاع الإنتاج بالتليفزيون المصرى الذى قدم «ليالى الحلمية» و«المال والبنون» و«الشهد والدموع» و«دموع فى عيون وقحة» و«رأفت الهجان» و«أرابيسك» و«زيزينيا» و«الشارع الجديد» و«أم كلثوم» وغيرها من الروائع، لكن بعدالثورة تغير الحال وغابت الدولة عن الإنتاج فظهرت عشوائية الدراما التى قدمت أسوأ ما لديها من أعمال فى المضمون والمصطلحات والألفاظ والمشاهد وسيطر القطاع الخاص على سوق الدراما محطماً كل القيم فى سبيل المكسب المادى فقط وفرض أفكاره التى بعدت عن الواقع وتشكيل ملامح الشخصية المصرية الإيجابية التى تتمناها بعد ثورة 30 يونية. والأغرب أن قطاع الإنتاج نفسه أصبح مهددا بالإغلاق بسبب مشاكله وتوقفه عن الإنتاج.. «الوفد» فتحت ملف قطاع الإنتاج الغائب عن الإنتاج ورصدت مشاكله وكيفية علاجها. على عبدالخالق: يجب التعامل مع الفن كالسلاح فى المعركة وليس مجرد ترفيه المخرج الكبير على عبدالخالق، قال: من الظلم أن نختزل أزمة قطاع الإنتاج على إدارة المخرج أحمد صقر، لأن الأزمة كلها متعلقة بعدم إحساس الدولة بأهمية وقيمة الفن والإبداع حتى الآن وخطورته فى تشكيل وجدان الرأى العام وبدون توفير التمويل المناسب للإنتاج لا يتحرك القطاع سواء بأحمد صقر أو غيره، وأضاف: لا يعقل أن تكون نظرة الدولة للفن حتى الآن لا تزيد على كونه ترفيها، لكن يجب عليها أن تقتنع كما هو فى الواقع أنه خط الدفاع الأول عن الجيش والشرطة والشعب وأن تكون له ميزانية مثل التعليم والصحة. وقال عبدالخالق: الرئيس الراحل جمال عبدالناصر انتبه مبكراً لأهمية وقيمة الفن وأسس كل المعاهد الفنية والموسيقية حتى عندما هاجر الفنانون لبيروت سنة 68، عقب النكسة طلب عبدالناصر من عبدالحميد جودة السحار، رئيس مؤسسة السينما وقتها، أن يعيدهم ويتعاقد معهم على أفلام عادية لأنه كان يرى أن أهمية الفن لا تقل عن أهمية الدبابة والمدفع. وأشار إلى أن الدولة حتى الآن ليس لديها قناعة بأهمية الفن بدليل أنهم لم يحددوا موعداً لعيد الفن حتى الآن، ومنذ مرور خمسة شهور على موعده الرسمى وهذا لا يصح لكونه أحد عوامل نجاح ثورة 30 يونية ولا يصح أن تستمر نظرة عهد مبارك للفن حتى الآن ورفعت يدها عن الفن وكان هذا سبباً مباشراً لتفشى ظاهرة الإرهاب وقتها، وأضاف: إن المسلسلات التى أنتجت فى العامين الأخيرين لا تليق ببلد مفترض أنه كان ومازال فى حالة حرب داخلية وخارجية تمول من أعداء كثيرين، وابتعدت الدراما عن الواقع بقصصه البطولية والمهمة التى تصلح لأعمال كثيرة حتى وإن كان ليس مطلوبا منها رصد ذلك لكن كان يجب عليها أن تعطى دلالات مضيئة تقوى الانتماء وحب الوطن وتقاوم الإرهاب. ويكمل: للأسف غابت هذه القيمة لسيطرة الإنتاج الخاص على صناعة الدراما وغياب الدولة عن الإنتاج وهى رمانة الميزان ومرصد التوازن الفكرى لذلك يجب عليها أن تدعم قطاع الإنتاج. وأوضح: ليس حقيقيا عدم تعاون المخرجين والكتاب والنجوم مع القطاع والعكس أنا عن نفسى - والكلام للمخرج على عبدالخالق - عندما كان لدىّ مشروع بعنوان «رنين الصمت» مع القطاع وافقت على العمل بنصف أجرى وعملت تحضيرات لمدة خمسة شهور لكن فوجئت بصقر ينتج عملا آخر وغضبت منه لأنه تركنى أعمل بحجة أن التمويل قادم ولم يصارحنى ورغم ذلك ونأمل فى دراما تعيد بناء الشخصية المصرية إلا مع إنتاج الدولة حتى تواجه العبث الدرامى الذى نراه منذ عامين، خاصة قطاع الإنتاج وصاحب التاريخ الكبير وما عدا ذلك إلا من رحم ربى من أصحاب الضمير فى الإنتاج الخاص، وأشار إلى أنه عندما يتوافر التمويل المناسب يستطيع المسئول بسهولة اختيار أعمال درامية مهمة تناسب الرحلة. حسن يوسف: غياب الدولة عن الإنتاج خطر كبير! الفنان الكبير حسن يوسف الذى لعب بطولة آخر مسلسلات قطاع الإنتاج «دنيا جديدة» وانتقد يوسف نفسه الظروف الإنتاجية التى كان يعمل فيها فريق المسلسل وهدد بعدم العمل معه مرة أخرى لكنه أكد أن إنتاج الدولة بما يحمله من فكر متوازن وحس وطنى وأخلاقى لا غنى عنه فى ظل حالة التسيب التى تحكم سوق الدراما التى نراها خاصة فى شهر رمضان وهى ضخمة إنتاجياً وفنياً ونجومياً لكنها فقيرة فى المضمون ولا تهدف إلا للمكسب المادى وجذب المعلن على حساب أى قيمة أو مضمون أخلاقى. وأضاف يوسف: الآن تمر مصر فى مرحلة مفترق طرق لدينا رئيس يقاتل من أجل بناء مستقبل الوطن وإعداد جيل مؤهل نفسياً وبدنياً وأخلاقياً لبناء بلده وأنه طلب - والكلام ل يوسف - أكثر من مرة أن يراعى أهل الفن ضميرهم فيما يقدمونه من مسلسلات تراعى ظروف المرحلة، ويكمل: الحقيقة كانت الدراما أبعد ما يكون عن فكر وأمنية الرئيس وكانت القيادات التى تلى الرئيس نفسه أقل اهتماماً بالفن والإبداع ولا يقدرون أهميته وتأثيره فى تنمية الوعى والوجدان والتوجيه غير المباشر لأنها رفعت يدها عنه ولم تمول قطاعات الإنتاج سواء صوت القاهرة أو قطاع الإنتاج بالأموال وكانت النتيجة تقديم عمل «دنيا جديدة» بشق الأنفس صحيح هو غنى فى المضمون والمعنى ويرصد أهمية الدين الوسطى فى التصدى للإرهاب لكنه كان مرهقا إنتاجياً، وأشار: نحن بحاجة لأموال الدولة لعودة هيبتها فى الإنتاج الفنى وإعادة التوازن الفكرى فى المجتمع لأن غيابها أكثر خطورة ولا يساندها فى هذه المرحلة.