أزمة دائمة بدأت منذ نزول الوحي على النبي "محمد"، ولا زالت مستمرة حتى الآن وتوابعها حاضرة، فلا يزال رسولنا الكريم يتعرض لحملات مغرضة من التشويه والسخرية، وهي في الأصل محاولات للنيل من الإسلام ذاته. "شاعر، كاهن، ساحر"... أوصاف كاذبة طالت الرسول منذ أن بدأ دعوته للإسلام، واستمرت منذ ذلك الحين حتى يومنا هذا، اختلفت في شكلها ولكن ظل هدفها كما هو الحط من قيمة الرسول، كما أنها انتقلت من الأشخاص إلى الدول التي دخلت في سباق إهانة الرسول بأفلامهم التي تجسد شخصيته. عادت تلك الإساءات للظهور مجددًا في وقتنا هذا بعد مرور سنوات عديدة، على يد المجلة الأولى التي تخصصت في تدشين "كاريكاتير" يسيء للرسول، وهي مجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية، التي عمدت منذ عام 2011 على السخرية والاستهزاء بالرموز والقيادات الدينية في الإسلام الحنيف. كانت آخرها في عام 2013، حين نشرت صحيفة "شارلي إيبدو" صورًا مسيئة للرسول تسخر من أحد الشعائر الدينية وهي "ذبح الأضحية" عند المسلمين، كاتبة اسم النبي محمد سيد الخلق على ذلك الرسم، بعدما أفردت له صورة غلافها الرئيسي، توضح فيه قيام إحد أعضاء تنظيم "داعش" وهو يذبح شخص على أنه أضحية العيد. وفي عام 2011 نشرت رسمًا كاريكاتيرًا يشير إلى قيام الرسول بعضّ فم أحد صحفي المجلة، في إشارة مزعومة منها إلى مدى العنف الذي يتبع في الدين الإسلامي الحنيف. وفي العام التالي واصلت الصيحفة الساخرة إساءتها للنبي والمسلمين، حيث أصدرت عددًا خاصًا عن سيرة حياة الرسول وأرفقته برسوم توضيحية ساخرة في صفحاتها الأولى. ولم تهدأ الصحيفة، حيث أصدرت في العام التالي كتابًا مصورًا حول سيرة النبي "محمد" مكون من 46 صفحة، يحمل العديد من الصور الكاريكاتيرية التي تعبر عن حياة الرسول وسيرته النبوية مجسدة شخصيته المقدسة. وتستمر المسيرة على يد الصحيفة الدنماركية " يولاندس بوستن" حيث نشرت عام 2006، 12 رسمًا مسئيًا للنبي وبعد أقل من أسبوعين، في 10 يناير 2006 قامت أحد الصحف النرويجية والصحيفة الألمانية "دي فيلت" وصحف أخرى في أوروبا بإعادة نشر الصور الكاريكاتيرية. محاولة أخرى جاءت على يد أحد الأحزاب المعادية للإسلام في هولندا، وهو حزب "غيرت فيلدرز"، الذي عرض رسوم كاريكاتورية تمثل النبي "محمد" على التلفزيون الحكومي، تحت زعم أن ذلك دفاعًا عن حرية التعبير والرد على الإرهابيين. ومن الرسوم الكاريكاترية إلى الأفلام التي تجسد النبي "محمد" علانية، والتي كان آخرها ما أعلنت عنه قطر، أنها ستقوم بإنتاج سلسلة أفلام بميزانية تزيد على مليار دولار، تنتجها مجموعة "النور القابضة" القطرية للإنتاج الإعلامي. وبعد اكتمال التصور القصصي العام والمعالجة السينمائية، بدأت المجموعة بالعمل على أكبر سلسلة ملحمية سينمائية في العالم، على أن يكون إطلاق الفيلم الأول منها في 2018، يجسد فيها شخص النبي. كذلك إيران التي سبقت "قطر" في إنتاج تلك النوعية من الأفلام، حيث بدأت يوم الخميس الماضي دور العرض السينمائى الإيرانية في عرض فيلم النبي "محمد"، الذي أثار الجدل في الدول الإسلامية، لوجود إقبال كبير على مشاهدته، وانتشرت بالفعل أفيشات الفيلم الذي يجسد طفولة النبي، في شوارع طهران. ولكن كانت الولاياتالمتحدة الأمريكيةهي أول من بدأ تلك الأفلام التي تجسد شخص الرسول من خلال فيلم "براءة المسلمين"، الذي خرج من إنتاج الهيئة العليا بأمريكا، وقد استغرق إعداد الفيلم 3 سنوات، ومدته 3 ساعات، وتم إعداد نسخة "مدبلجة" له باللغة العربية. ويصف الفيلم الرسول بأوصاف غير لائقة، ويستهزئ به وبالوحي، وبالسيدة خديجة رضى الله عنها، ويتضمن مشاهد غير لائقة تجسد شخص النبي الكريم مع السيدة خديجة، ومع بعض زوجاته. ومن جانبه رأى الدكتور "أحمد كريمة" أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن تلك الأفعال هي محاولات خسيسية للإساءة للإنبياء والرسل جميعهم وبصفة عامة، وتعد ظاهرة قديمة الزمان، فخلال حياة النبي "محمد" تعرض لمثل هذه الأفعال الدنيئة، واتهمه كفار قريش بأنه أفاق وساحر وكاهن ومختلق ومجنون وكثيرًا من الإتهامات. وتابع، أن تلك الإتهامات والأقاويل ذهبت إلى "قمامة" التاريخ وبقى الرسول "محمد" شفيع الأمة ورسول نورانيًا وطاهرًا لا تختلف عليه أمتين، مستشهدًا بقوله في سورة الأنعام: "وكذلك جعلنا لكل نبي عدو من المجرمين وكفى بربك هاديًا ونصيرًا". وأضاف، أن أهل السفاهة حين يعجزون عن مبادلة الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان يلجأون إلى الافتراء والتضليل، وهذا الأمر لا يزعج أمة المسلمين، والمفروض أننا نجعله خلف آذننا وظهورنا ولا نلقي له بالًا ابدًا. وأشار إلى أن دين الإسلام أكبر من أن تهزه رسمة كاريكاتيرية أو يزلزله فيلم مسيء أو أعمال روائية ممن عميت أبصارهم وبصائرهم، مستشهدًا بقوله في سورة "الصف": "يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره المشركون"، فالسخافات لا يلتفت إليها ولا يُعتنى به. وأوضح أن الهجوم لم يكن على رموز الإسلام فقط، بل حاولت قوى الغرب في قديم الزمان تشوية سيدنا "عيسى" عليه السلام، وذلك التشويه كله سواء للدين الإسلامي أو غيره يعد كلام فارغ.