أثار مشروع قانون الصحافة جدلاً كبيراً مؤخراً ووجه الإعلاميون انتقادات عديدة على بعض نصوص المشروع الذي اعتبره البعض من أفضل القوانين التي منحت الصحفيين قدراً كبيراً من الحرية، فيما ذهب آخرون إلى أن من وقفوا خلفه دسوا السم في العسل بما أثارته بعض المواد من تمييز عنصري بين المؤسسات الصحفية، وما سعي إليه بعض القائمين على وضع القانون لادخال بنود تخدم أهداف ومصالح المؤسسات القومية، لذا طالب الاعلاميون بضرورة عرض القانون على عموم الصحفيين لإبداء رأيهم، والعمل على تغيير كافة المواد الخلافية، رافضين تمريرها. بداية الأزمة جمال عبد الرحيم، السكرتير العام لنقابة الصحفيين، أكد أن مشروع قانون الصحافة تضمن العديد من السلبيات، قائلا: كنا نتمنى ألا توجد سلبيات في هذا المشروع الموحد الذي يعد ترجمة لنصوص الدستور، فمنذ البداية تم تشكيل لجنة لاعداد التشريع مكونة من 24 شخصية لاعداد مشروعات القوانين وفي أول اجتماع لها في شهر اكتوبر الماضي، تم زيادة العدد الى 50 عضواً من 24 وهنا بدأت المشكلة، حيث اعتمد اختيار الاعضاء الجدد على المصالح الشخصية، ولم تكن اللجنة ممثلة من كافة التيارات، حيث تم استبعاد عناصر نقابية ذات كفاءة، وعندما بدأ العمل تم وضع لائحة حددت انتهاء عمل اللجنة من اعداد مشروع القانون في شهر يناير. أضاف عبد الرحيم: وبالفعل تسلمت اللجنة التنسيقية نصوص المشروع على أن تقوم باعادة صياغة المواد خلال اسبوعين لكنها توقفت لمدة 5 أشهر، وظل مشروع القانون حبيس الأدراج، والهدف من ذلك هو استمرار المجلس الأعلى للصحافة في اداء عمله، لأن خروج القانون للنور ينهي عمله تماما. وعبر جمال عن أسفه للسلبيات التي علقت بالقانون فقد تم تفصيل بعض المواد في القانون لخدمة بعض رؤساء المجالس والادارات بالمؤسسات القومية، كما تم وضع نص آخر يخدم مصالحهم، حيث أجاز لهم النص الجمع بين منصبي رئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير، وهذا نص معيب يخدم مصالح معينة، فليس من المعقول أن يتولى رئيس التحرير مهام رئيس مجلس الادارة ويمارس عمله في نفس الوقت، لذا لابد من الفصل بين الادارة والتحرير. وهناك نص المادة 84 الذي ينص على احالة الصحفيين والاداريين بالصحف القومية للمعاش عند سن 60 سنة وامكانية المد لمدة 5 سنوات أخرى، وهذا نص غير دستوري لأن التجديد يجب أن يطبق على الجميع بدون تمييز، فلابد أن يشمل الصحف المستقلة والحزبية لكن النص قصر التجديد على الصحف القومية فقط، كما وضعت اللجنة بعض النصوص الانتقالية التي اكدت استمرار المجلس الأعلى للصحافة لحين تشكيل الهيئة الوطنية للصحافة في حين أن القانون رقم 166 لسنة 2013 نص على أن المجلس الاعلى للصحافة يجب أن تنتهي مدته بمجرد اصدار قوانين الصحافة، وهنا نجد أنهم قاموا باضافة مادة تؤكد استمراره لحين تشكيل الهيئة الوطنية للصحافة علماً بأن تشكيلها سوف يستغرق سنة كاملة، وكل هذا يهدف للإبقاء على المجلس الأعلى للصحافة، كما أن هناك مادة اخرى تنص على استمرار رؤساء مجالس التحرير في ادارة مهامهم لحين انتهاء مدتهم فاذا انتهت مدتهم، ولم تكن الهيئة قد شكلت، يتولى هنا المجلس الاعلى للصحافة تعيينهم مما يعطيه الحق في تعيين هؤلاء. ويرى جمال عبد الرحيم أن هناك ضرورة لاعادة النظر في تلك المواد وإلغائها. الدكتور صفوت العالم، رئيس لجنة رصد وتقييم الأداء الاعلامي، يرى أن مشروع القانون ليس نهائياً فقد تم اعداده بناء على ما جاء في نصوص الدستور، فلابد من حماية الاعلاميين مع ضرورة توافر قيم اخلاقية ومهنية في ميثاق الشرف الصحفي، وأكد ضرورة طرح نقاط الخلاف في مشروع القانون في حوار مجتمعي، حتى تؤخذ في الاعتبار ويتم مناقشتها وتعديلها حتى نخرج بقانون بلا عيوب أو سلبيات. سلبيات عديدة من جانبه أكد عبد الحليم قنديل، الكاتب الصحفي، أن مشروع قانون الصحافة تمتع بجوانب ايجابية عديدة، لكنه أحيط بالكثير من الاعتراضات، والتعليقات «الركيكة» يقول: جاء القانون لتطبيق الدستور على الواقع الصحفي المنقسم، الذي بات بحاجة لاعادة تنظيم، لضمان الحيادية والاستقلالية، فقد تم إلغاء المواد السالبة للحريات وإلغاء الحبس في قضايا النشر، كما جاء في المادة 71 من الدستور، والتي ألغت الحبس فيما عدا الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين، أو بالطعن في أعراض الأفراد، حيث يحدد عقوبتها القانون، وكان من المتوقع أن يتم عرض القانون على جميع الصحفيين بالمؤسسات الصحفية لابداء رأيهم في مشروع القانون قبل عرضه على مجلس الوزراء، لأن الحكومة من الممكن أن تخلق أزمة، وتفرق وحدة الصحفيين، خاصة أن هناك بعض المواد اثيرت حول الكثير من الاعتراضات، ولم يتم تغييرها، فما أثير حول زيادة سن المعاش بمشروع القانون اختص الصحف القومية دون الحزبية والمستقبلية، وهذا الأمر كان يجب تداركه منذ البداية، خاصة أن الصحف الحزبية والخاصة وأن الصحف الحزبية والخاصة مثلها كمثل الصحف القومية يعمل فيها صحفيون، ويمارسون نفس المهنة، لذا كان من الضروري كما يشير قنديل تعديل تلك المادة، حتى يتساوى جميع الصحفيين، كما نصت المادة 205 على إعفاء المؤسسات الصحفية القومية ووسائل الاعلام من ديونها السيادية المستحقة للدولة، وهنا كان من المفترض أن يطبق الأمر على باقي الصحف، فمشروع القانون بذلك وضع تمييزاً غير عادل بين الصحفيين، فيجب ألا يخدم مصالح الصحف القومية، ويتجاهل باقي الصحف، لذا لابد أن تعرض مواد القانون على الصحفيين والاستماع لآرائهم، لحل المواد الخلافية لأن الخلاف حول تشريع يخص الصحفيين، لأننا في وقت نحتاج فيه للوحدة، خاصة أن الحكومة تتربص للاستفادة من اية خلافات. الدكتور فوزي عبد الغني، عميد كلية الاعلام بجامعة فاروس بالاسكندرية، يشير الى أن ما جاء بمشروع القانون من الغاء عقوبات الحبس للصحفيين جاء نتيجة لنضال وكفاح مستمر للصحفيين، لتحقيق مزيد من الحرية، لكنه لا ينبغي أن يكون هناك تفرقة بين المؤسسات الصحفية لأن الاعلامي لديه مجموعة من الأهداف والمعايير، وضوابط خاصة بحرية التعبير ولا شك أنها تنطبق على جميع الاعلاميين في كافة الصحف، فليس من المعقول أن يتم مساعدة الصحف القومية، لأن ذلك سيكون على حساب رؤية تلك الصحف. تحرر من العشوائية وحول ملاحظاته على المشروع أكد جمال فهمي الكاتب الصحفي أنه حتى الآن لم نر انتقادات ذات قيمة، فالمشروع يتكون من 207 مواد، ويعيد تنظيم البيئة الصحفية والاعلام، حتى يتم اطلاق كافة الحريات وتطوير الاعلام الوطني المصري، بما يكفل الحريات والمبادئ كما جاء في الدستور، ويحولها الى ضمانات قانونية حقيقية، ويرسم معالم تطوير المؤسسات الصحفية، فهو يتعامل مع الاعلام بشكل يضمن له التحرر من قيود العشوائية التي تلوث انتاجنا الاعلامي. وتضعه على طريق الالتزام بالمهنية والاصول الاخلاقية، فقد تم تغيير الاطار الاداري والتنظيمي للمؤسسات الصحفية، لتقدم للمواطن الاخبار الدقيقة، وأشار الى أنه تم التركيز في القانون على أن يكون الاعلام العام المملوك للشعب مستقلاً، فحق المواطن في المعرفة هو جزء أساسي من حقوقه، فالقانون يسعى لتغيير البيئة الاعلامية. ووصف الدكتور صابر حارص، أستاذ الإعلام بجامعة سوهاج جهود نقابة الصحفيين والجماعة الصحفية عامة في اعتراضها على قانون تنظيم الصحافة والإعلام الموحد وإجراء التعديلات المصوبة للمواد السالبة فيه بأنه حلقة في سلسلة النضال الوطني ليس من أجل الصحفيين والإعلاميين فحسب ولكنه من اجل المجتمع بأسره، مضيفا أن الضمانة الحقيقية لتنظيم العمل الصحفي والإعلامي ليست القوانين والتشريعات فقط ولكن أخلاقيات الصحفيين والإعلاميين وضمائرهم من جهة وقناعات النظام السياسي بسلطاته الثلاث وخاصة القضائية بحرية الصحافة واستقلاليتها ونزاهتها ووطنيتها من جهة أخرى لأن هذا هو الضمانة الحقيقية لتطبيق وتفعيل هذه القوانين والتشريعات. وأوضح حارص الذي يرأس وحدة بحوث الرأي العام أن بعض الإعلاميين بحاجة ماسة إلى تأهيل وتدريب على احترام المعايير المهنية والأخلاقية وخاصة التي تضمن التزامهم بالمسئولية في مقابل الحرية والاستقلالية، وحذر حارص من تكرار التجربتين اللتين مرت بهما وسائل الإعلام في مصر إبان فترة ما بعد ثورة يناير التي شهدت تحويل الحرية إلى فوضى وتحويل الصحافة إلى أدوات صراع لقوى سياسية ومالية داخلية وخارجية تهدد الأمن القومي للبلاد، وفترة ما بعد 30 يونية التي تحولت فيها وسائل الإعلام إلى منابر للسب والقذف والتشهير والتجريح والتحريض والاستقطاب والتسخين والدعوة للكراهية وتغذية مشاعر التعصب والتخوين والتكفير، مؤكدا أن الخلاف بين الإعلام والسلطة لن يتوقف لأنه طبيعي ويأتي في إطار صراع أبدي بين السلطة التي تسعى لتوظيف وسائل الإعلام كأدوات دعائية ودفاعية عن سياساتها وقراراتها وتوجهاتها وبين إعلام منقسم يضم منافقين وأصحاب مصالح شخصية من ناحية، ووطنيين ومهنيين يعملون من أجل مصلحة الوطن والإعلام من جهة أخرى، وأضاف حارص أن هذا الانقسام في الجماعة الصحفية هو الحلقة الأهم في كفاح الجماعة الصحفية والإعلامية، مطالبا بضرورة محاسبة الصحفيين والإعلاميين ذاتياً حتى تضمن الجماعة الصحفية والإعلامية تطهير مؤسساتها أولاً بأول من داخلها ولا تترك باباً يدخل منه أعداء الصحافة والإعلام أو المنتفعون منهما. وأكد حارص ضرورة حماية الصحفيين والإعلاميين من صاحب المشروع أو السلطة السياسية أو جماعات الضغط والمصالح التي تحول الإعلاميين إلى موظفين لديها خاصة بوظائف شكلية تسمح برشوة أو إسكات الإعلاميين، داعيا إلى أهمية تفعيل التنظيمات الخاصة بالمواقع الصحفية والمحلية التي تحولت إلى مشروعات أو جماعات مصالح تستهدف توثيق العلاقة مع مؤسسات السلطة والدولة المحلية لتحقيق مصالح شخصية أو حماية مصالح مالية وأوضاع اعتبارية وأدبية، مشيرا إلى اهمية المواقع المحلية في تغطيتها للشئون المحلية وإبرازها وضرورة تطويرها وتأهيل العاملين فيها تحت رعاية وإشراف من التنظيمات الصحفية المسئولة عن ذلك.