لا يعرف أحمد الدميرى، أحد الناجين من الغارة الإسرائيلية الغاشمة على مدرسة بحر البقر، شيئا فى حياته سوى النضال ضد اسرائيل .. فالرجل الذى بدأ حياته طالبا فى مدرسة بحر البقر اختار عن قناعة تامة أن يعمل سكرتيرا فى المدرسة التى عاش فيها أسوأ لحظات حياته على الإطلاق أثناء إغارة الطيران الإسرائيلى عليها، فقط ليبقى الى جوار صور أصدقائه الشهداء بانتظار أن يأتى يوم الثأر من القتلة الصهاينة. أثناء حديثى معه بكى الرجل ثلاث مرات.. الأولى عندما سألته عن يوم المذبحة وما جرى فيها، والثانية عندما تذكر معاقبة نظام مبارك له على رفع دعوى قضائية ضد اسرائيل، فى الوقت الذى يعيش أهالى ضحايا المذبحة على تبرعات أهل الخير، والأخيرة عندما سألته عن أولاده الخمسة الذين يسعى إلى تربيتهم بشكل افضل وتعليمهم فنون النضال ضد اسرائيل. بعد مرور 41 عاما على وقوع جريمة بحر البقر ماهو شعورك الآن تجاه اسرائيل؟ - عند وقوع المجزرة فى يوم 8 أبريل1970 كنت تلميذا بمدرسة بحر البقر، وعندما كبرت لم اطق البعد عن المدرسة، وكان القدر رحيما بى فتم تعيينى سكرتيرا بنفس المدرسة، لأشاهد يوميا صور الأطفال الشهداء تحلق بجانبى. هل تتذكر ما حدث يوم قصف مدرسة بحر البقر؟ - يوم الاعتداء على المدرسة كان يوما غير عادي.. ذهبت الى المدرسة وكانت الطائرات الاسرائيلية تحلق فوق المدرسة وسط سخرية التلاميذ منها، لم نستطع إكمال الطابور.. أمرنا المدير بالذهاب للفصول سريعا.. شاهدنا الطائرات وهى تقترب من المدرسة وكأنه استعراض عسكرى وفجأة ألقت 5 قنابل.. وأخذ مدرس العربي يصيح «ياولاد الكلب».. كان ضرب القنابل كثيفا ومتتاليا.. شاهدت القنبلة الأولى وهى تضرب الفصول المجاورة.. وظل الطلاب يبكون حتى ضربت القنبلة الفصل الذى أجلس فيه. وماذا حدث بعد ذلك؟ - لم أدر بنفسى بعد ذلك إلا فى المستشفى، وعلمت أن معظم أصدقائى فى الفصل ماتوا ومنهم صديقى الذى كان يجلس بجانبى أحمد عبد العال السيد وكان أقرب أصدقائى وأحبهم إلى قلبى وكنا نذاكر سويا ونلعب طوال اليوم مع بعضنا ولم نفترق إلا بعد الغارة الصهيونية على المدرسة، ووالده إلى الآن يبكيه ويحتفظ بملابسه خاصة انه كان الولد الوحيد بين أخواته الخمس البنات. وما هى آخر كلمات صديقك قبل الغارة؟ - كان مهتما جدا بقضية الخنادق المحفورة أمام كل بيت وقال لى أثناء الطابور وقبل صعودنا الى الفصل إنه يتمنى ان يهدم الخندق الموجود أمام بيته لأنه يشعر بالحزن كلما نزل فيه خوفا من الغارات الاسرائيلية وبعد صعودنا الى الفصل كنا نشاغب مع بعضنا حتى وقعت الغارة التى شعرت معها بخوف شديد وسقط القلم من يدى بعد ضرب القنبلة الأولى ونزلت لإحضاره أسفل الديسك فسقطت القنبلة الثانية على الفصل الذى أجلس فيه وفقدت الوعى تماما ولم أفق إلا فى مستشفى الحسينية. هل كان الضحايا كلهم من الأطفال والمدرسين فقط؟ - ما لا يعرفه أحد على الإطلاق أن اسرائيل لم تضرب مدرسة بحر البقر فقط ولكنها ضربت الجمعية الزراعية المجاورة لها وورشة كبيرة للحدادة ومجموعة من الفلاحين الذين كانوا يسيرون بجوار المدرسة بثلاث قنابل كبيرة راح ضحيتها 10 من عمال الورشة و20 فلاحا كانوا فى الجمعية وثلاثة من شباب القرية بالإضافة الى وفاة 19 طالبا فى المدرسة وإصابة 35 آخرين. ولكن الأرقام المعلنة لم تتحدث عن قتلى من الفلاحين والعمال؟ - الجميع اهتم بطلاب المدارس على اعتبار أن اسرائيل شنت العديد من الغارات على بحر البقر بعد نكسة 67 وقتلت عدداً كبيراً من أهلها لأن بحر البقر كانت فى خط المواجهة مع اسرائيل. وماذا عن سيد العطرى الجاسوس الذى ساعد إسرائيل فى ضرب بحر البقر؟ - سيد العطرى تم تجنيده قبل الضرب وهو الذى وضع أجهزة الرادار الاسرائيلى التى ضربت على أساسها طائرات الفانتوم مدرسة بحر البقر وكان يعيش وسط الأهالى ويحاول أن يجمع معلومات عنهم وسمعت وقتها أنه جمع معلومات عديدة من الأهالى وأرسلها الى اسرائيل وكان دائم السؤال عن أحوال الناس وثقتهم فى خوض مصر حرباً لتحرير سيناء قبل أن يتم القبض عليه والحكم بسجنه 25 عاما ولكن أفرج عنه مع عبود الزمر بعد الثورة فى مارس الماضى. وما مصير الدعوى القضائية التى رفعتها ضد إسرائيل؟ - رفعت دعوى فى محكمة مصر الجديدة عن طريق المحامى عصام الاسلامبولى الذى قال لى قبل الدعوى ان القضية مضمونة لأن جريمة إسرائيل لا تسقط بالتقادم.. إلا أن النظام السابق أعاق الدعوى. ترددت أنباء عن سرقة بعض آثار مذبحة بحر البقر من متحف أحمد عرابى؟ - بالفعل اختفت بعض الآثار من متحف أحمد عرابي بالتدريج وعندما شعرنا بالخطر مما يحدث أرسلنا شكاوى عديدة إلى محافظ الشرقية السابق الذى اضطر تحت الضغوط والتهديد بالتظاهر الى نقل ما تبقى من الآثار إلى غرفة غير مجهزة على الاطلاق بمدرسة بحر البقر. وما هى طبيعة الآثار الموجودة الآن فى المدرسة؟ - لدينا قنبلتان لم تنفجرا وبعض «مرايل» المدرسة التى كان يرتديها الشهداء وأحذية الأطفال وبعض الكتب والكراسات والشنط.. ولكن المكان الحالى خطر على تلك المقتنيات.