رحل الفنان نور الشريف "آخر الرجال المحترمين"، عن عمر ناهز 69 عاماً بعد صراع طويل مع المرض، دون أن "يعيش فى جلباب أبيه"، الذى ظل "حبيبا دائما" لنصفه الآخر الفنانة بوسى، وأبى أن ينهى حياته دونها ليموت بين أحضانها ليجسد مشهد النهاية فى مشوار حياته. "محمد جابر محمد عبد الله"، الاسم الحقيقى للفنان نور الشريف بدأ مشواره الفنى بعد حصوله على دبلوم المعهد العالي للفنون المسرحية بتقدير "امتياز" وكان الأول على دفعته عام 1967، وبدأها في المدرسة حيث انضم إلى فريق التمثيل بها، كما كان لاعباً في أشبال كرة القدم بنادى الزمالك، لكنه لم يكمل مشواره مع كرة القدم بسبب حبه للتمثيل واتجه إليه عن طريق الفنان سعد أردش الذي رشحه للعمل معه فأسند إليه دوراً صغيراً في مسرحية "الشوارع الخلفية" ثم اختاره المخرج "كمال عيد" ليمثل في مسرحية روميو وجولييت. لم يكن طريقه نحو النجومية مفروشا بالورود، لكن عبر طريق الاشواك، كى يكسب محبة الناس -كما أحب دائما أن يقول- فالدراما الواقعية لم تفارقه، منذ أن كان عمره تسعة أشهر، حين توفى والده، ثم تزوجت أمه من آخر، وهو المشهد الذى دائما ما تذكره بالحزن والاسى. لم يعرف ملامح والده سوى من صورة وجدها بالصدفة لدى أحد اقربائه فاحتضنها بين ضلوعه، حتى عوضه عمه "اسماعيل" غياب الأب وحنان الأم الذى افتقدهما ليعيش معه فى منطقة السيدة زينب، فتوترت علاقته بأمه بعد زواجها من آخر واعتبرها طعنه لوالده، الذى دائما ما سمع عنه حديثا طيبا، -وفق آخر حواره له مع جريدة الوفد- الذى قال فيه :"غضبت من أمى جداً، أنه أمر صعب أن يحل رجل آخر محل والدك". لم ينجب "الشريف" ولداً يحمل اسمه كما يقول المصريون، لكنه كان دائما ما يكرر فى حواراته أنه يشكر ربه لأنه لم ينجب ولداً، فهو يشعر بالسعادة ويعشق ابنتيه "سارة ومى"، ويعلل ذلك بانه ربما جاء الولد ولم يكن صالحاً ويدمر اسمه وسمعته، وكان يؤكد دائما أن ابنيته هما نقطة ضعفه ومصدر عشقه. اعتبر أن الساعات التى عاشها وقت مرض ابنته "سارة" من أصعب اللحظات التى مرت عليه، خاصة بعد اكتشافه اصابتها بفيرس ليس له علاج، روايا فى احدى لقاءاته التليفزيونية أنه عاش أصعب 8 ساعات فى حياته، أثناء اجراءها لعملية جراحية، وهى اللحظة التى وصفها بأنها اخرجته عن شعوره وادراكه واغمى عليه ليصل لدرجة من الجنون. السجل الدرامى لمسيرة "نور" لم يخل من لحظات انتزعت منه العبرات والدموع، أكثرها وجعا حينما نشرت احدى الصحف الخاصة خبراً عن ضلوعه فى خلية للشواذ تضم عددا من الفنانين، وهو الموقف الصعب الذى واجهه بجرأة وخرج على المشاهدين ليقول "لست هذا الرجل". مشهد تحية المحبين له دائما ما كان يخطف قلبه ويطير به فرحة لا تخلو من الدموع، دموع الحب والتقدير والامتنان لما صنعه من تاريخ حفره داخل قلوب محبيه لينال قدرا كبيرا من الاحترام قبل الإعجاب، وهو ما ظهر فى آخر مؤتمر صحفى له بمهرجان الاسكندرية السينمائى، وهى اللحظة التى بكى فى لتنهال دموع جميع من فى القاعة. لكن المشهد الأصعب لجمهوره حينما شاهدوه يبكى حزنا وأثار الألم تكسو وجه، وقت أن تحدث عن مرضه وعن محاربى النجاح خاصة بعد فيلمه "ناجى العلى" والتى قال عنها إنها فترة عصيبة كشفت له كثير من الزملاء والاصدقاء، سوى الفنان سمير صبرى الذى دائما ما اطمئن عليه، فيقول عن تلك اللحظة باكيا فى لقاء تليفزيونى جمعه و"صبرى" : "كل يوم يكلمنى مش هنسالها ابدا يا سمير". علاقته بالفنانة بوسى كانت أيقونة العشاق، جسدها فى فيلم "حبيبى دائما"، وظهرت فى حديثه المستمر عنها فى جميع حوراته حتى بعد انفصالهما فى عام 2006، وهو الحب الذى دفع بوسى للعودة ل"نور" فى مستهل العام الجارى عقب احتفالهما بخطوبة ابنتهما الكبرى سارة بعد تسع سنوات من الانفصال ليختتم آخر لحظات عمره بين احضانها، على شاطئ الحياة.