الرعايا وعدل السلطان بقلم:أحمد أبو زيد الاربعاء , 31 أغسطس 2011 03:41 روي حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في كتاب «التبر المسبوك في نصيحة الملوك»، انه كان في زمن عمر بن عبد العزيز قحط عظيم، فوفد عليه قوم من العرب فاختاروا منهم رجلاً لخطابه ، فقال ذلك الرجل: يا أمير المؤمنين إنا اتيناك من ضرورة عظيمة، وقد يبست جلودنا على أجسادنا لفقد الطعام وراحتنا في بيت المال، وهذا المال لا يخلو من ثلاثة اقسام: اما أن يكون لله أو لعباد الله أو لك، فإن كان لله فالله غني عنه، وإن كان لعباد الله فآتهم اياه، وان كان لك فتصدق به علينا ان الله يجزي المتصدقين. فتغرغرت عينا عمر ابن عبد العزيز بالدموع، وقال: هو كما ذكرت، وأمر بحوائجهم فقضيت من بيت المال، فهم الاعرابي بالخروج، فقال له عمر يا أعرابي: كما أوصلت الى حوائج عباد الله واسمعتني كلامهم، اوصل كلامي وارفع حاجتي الى الله تعالي، فحول الاعرابي وجهه قبل السماء وقال: الهي اصنع مع عمر بن عبد العزيز كصنيعه في عبادك. وروى الغزالي ان رجلا انقطع من قافلة الحج، وضل الطريق، ووقع في الوحل فجعل يسير الى أن وصل الى خيمة فرأى امرأة عجوزاً، ورأى على باب الخيمة كلباً نائما، فسلم الحاج على العجوز وطلب منها طعاماً. فقالت العجوز امض الى ذلك الوادي واصطد من الحيات بقدر كفايتك لأشوى لك منها وأطعمك، فقال الرجل انا لا اجسر أن اصطاد الحيات، فقالت العجوز انا أتصيد معك فلما مضت وإياه وتبعهما الكلب اخذاً من الحيات بقدر كفايتهما، فأتت العجوز وجعلت تشوي له الحيات فلم ير الحاج من الاكل بداً وخاف ان يهلك من الجوع والهزال فأكل ثم انه عطش وطلب منها الماء ليشرب فقالت له: دونك العين فاشرب فمضى الى العين فوجد ماء مالحاً مراً، ولم يجد من شربه بدا، فشرب وعاد الى العجوز وقال: اعجب منك ايتها العجوز ومن مقامك في هذا الموضع. فقالت كيف تكون بلادكم؟ فقال يكون في بلادنا الدور الرحيبة الواسعة، والفواكه اللذيذة اليانعة، والمياه العذبة، والأطعمة الطيبة، واللحوم السمينة والغنم الكثيرة والعيون الغزيرة. فقالت العجوز قد سمعت هذا كله، فقل لي: هل تكونون تحت يد سلطان يجور عليكم، وإدا كان لكم ذنب اخذ اموالكم واستأصل احوالكم وأخرجكم عن مسرتكم؟ فقال: قد يكون ذلك. فقالت اذاً يعود ذلك الطعام اللطيف والعيش الظريف والنعم اللذيذة مع الجور والظلم سماً ناقعاً، وتعود أطعمتنا مع الأمن ترياقاً نافعاً، أو ما سمعت ان اجل النعم، بعد نعمة الاسلام الصحة والأمن. ومن الحاج والعجوز ينتقل الغزالي الى موقف لعمر بن الخطاب مع اطفال يتامى وأمهم الفقيرة، فقد قال زيد بن أسلم: رأيت ليلة عمر بن الخطاب يطوف مع العسس فتبعته وقلت أتأذن لي أن أصاحبك؟ قال: نعم، فلما خرجنا من المدينة رأينا ناراً من بعد، فقلنا ربما يكون قد نزل هناك مسافر، فقصدنا النار فرأينا امرأة ارملة ومعها ثلاثة اطفال، وهم يبكون وقد وضعت لهم قدراً على النار، وهي تقول: الهي أنصفني من عمر وخذ لي منه بالحق، فإنه شعبان ونحن جياع. فلما سمع عمر بن الخطاب ذلك، تقدم وسلم عليها وقال: اتأذنين أن أدنو اليك، فقالت ان دنوت بخير فبسم الله، فتقدم وسألها عن حالها، فقالت اطفالي جياع وقد بلغ مني ومنهم الجهد والجوع، وقد منعهم عن الهجوع، فقال عمر: وأي شىء في هذه القدر؟ فقالت تركت فيها ماء لأشاغلهم به ليظنوا انه طعام فيصبروا. قال زياد: فعاد امير المؤمنين وقصد دكان الدسم فابتاع منه دسماً «أي سمنا» ومضي الى دكان الدقيق فابتاع منه ملء جراب، ثم وضع الجميع على كاهله، ومضى به يطلب المرأة والاطفال. فقالت: يا أمير المؤمنين ناولنيه لأحمله عنك فقال ان حملته عني فمن يحمل عن ذنوبي، ومن يحول بيني وبين دعاء تلك المرأة والاطفال علىَّ، وجعل يسعى وهو يبكي الى ان وصلنا الى المرأة، فقالت المرأة جزاك الله عنا خير الجزاء، فأخذ عمر جزءاً من الدقيق وشيئا من الدسم فوضعهما في القدر، وجعل يوقد النار، وكلما ارادت ان تخمد نفخها والرماد يسقط على وجهه ومحاسنه الى أن انطبخت القدر، فوضع الطبيخ في القصعة وقال للمرأة كلي فأكلت المرأة والاطفال فقال عمر أيتها المرأة لا تدعي على عمر فإنه لم يكن عنده منك ولا من أطفالك خبر. [email protected]