يومًا يلو الآخر تكرر محاولات الدولة القطرية في الخروج عن الإطار العربي، وتقليب الدول العربية على بعضها البعض، حتى باتت لا تنتمي إلى ذلك الكيان، ولا تحمل من صفاته شيئًا سوى اشتراكها في مجلس التعاون الخليجي فقط. استنكار شديد أعلنته جامعة الدول العربية على لسان أمينها العام دكتور "نبيل العربي" حول القصف التركي المستمر لعدد من مناطق شمال جمهورية العراق، من خلال بيان للجامعة طالبته فيه تركيا باحترام سيادة العراق على كامل أراضي العراق، والالتزام بمبادئ حسن الجوار وبالاتفاقات الموقعة بين البلدين. لتخرج من بعدها قطر وتبدي تحفظها على ذلك البيان، وتكون بذلك هي الدولة العربية الوحيدة التي اعترضت على بيان إدانة الجامعة العربية، الأمر الذي اعتبره خبراء الشأن السياسي والدبلوماسي أن قطر بذلك أكدت بما لا يدع مجال للشك خروجها عن الموقف العربي، ووقفها جانب التحالفات التركية والأمريكية بحثًا عن مصالحها. طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، اعتبر التحفظ القطري علي بيان جماعة الدول العربية مرتبط بمواقفها تجاه تركيا، ومرتبط بالخلاف حول المساحة القطرية في المنطقة. وأكد في تصريحات خاصة لبوابة "الوفد" أن الإدارة القطرية لا تعير اهتماما لملفات جامعة الدول العربية، لكنها تعمل وفق حساباتها في النطاق الإقليمي، مضيفا أن هذا الموقف ليس جديدا لخدمة السياسة التركية، فدائما ما تغرد قطر خارج السرب لتعكير صفو منطقة الخليج، وليس المقصود العراق أو سوريا. وأشار إلي أن هناك تنسيق قطري تركي في كثير من الملفات، ومصالح مشتركة بين الطرفين، سواء ترتيبات علي مستوى العلاقات الثنائية أو مناكفة دول مجلس التعاونالخليجي، في محاولة للخروج عن المحور السنى الذي تريد السعودية أن تبنيه. واعتبر القصف التركي لشمال العراق، رغبة من تركيا بأن يكون لها موقف في الإقليم، خاصة وأن المسألة الكردية ليست مقتصرة علي تركيا فقط إنما ممتدة إلي العراق، والجانب التركي يخشي قياد دولة كردية، لذا ترى ضرورة القضاء علي التمدد الكردي قبل أن تتسع الدائرة ومنعهم من إتمام مشروعهم نحو إقامة دولتهم. وأوضح السفير أحمد القويسني، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن بيان الجامعة العربية أكد علي عدم جواز الاعتداء علي دولة مجاورة ودعت تركيا إلى احترام الاتفاقيات والمواثيق الموقعة بين الدولتين، بما يعلي من السيادة العربية وسيادة العراق علي أرضها، لأن المصلحة العربية تؤكد عدم جواز انتهاك الحدود. وأشار إلي أن موقف قطر يكشف علاقتها الوثيقة بتركيا، بإعطائها الحق في انتهاك حدود أراضي العراقوسوريا، وهي بذلك ترسخ خروجها عن الصف العربي بشكل واضح، يعكس وجود محور تركي قطري وحلفا ضد المصالح العربية، ظهر بشدة في دعم جماعة الإخوان، وللمرة الثانية في القصف التركي لأراضي العراقوسوريا. وأضاف أن قطر تنتهج نهجا خاص بها ضد المصالح العربية ولا يفرق بين شقيق وصديق، وإذا كانت تتحدث عن تركيا كدولة شقيقة وتؤيدها في حق الدفاع عن نفسها بضرب وانتهاك حدود العراق، فيمثل ذلك خلط في كثير من المبادئ لدي صانع السياسة القطرية وأيضا في مفاهيم الأمن القومي العربي، بدلا من الدفاع عن حرمة أراضي أشقائه العرب، فتركيا صديق ولابد أن يكون في المقدمة الأشقاء العرب ويأتي من بعدهم من يأتي. وأكد أن مفهوم الأمن العربي غير موجود في الذهن القطري علي الإطلاق، ودعمها الموقف التركي ليس مستغربا، فتركيا دولة جوار عربي وكذلك إيران، والمصلحة العربية في الإقليم أولي بالاهتمام، بالتالي عدم مشاركة قطر في بيان تأييد العراق يثير كثير من اللغط حول السياسة الخارجية القطرية. "مختار غباشي" نائب رئيس مركز العربي للدراسات السياسية، رأى أن خصوصية العلاقة بين قطروتركيا هي من دفعتها لإبداء مثل ذلك التصريح، لأن هناك إتفاقية دفاع مشترك بين البلدين، وتعاون استراتيجي واقتصادي وعسكري. وأضاف في تصريحات لبوابة "الوفد" أن هناك إتفاقية عقدت بين تركيا وحكومة بغداد، تبيح للأولى الدخول في العراق لضرب معاقل الأكراد ومقرات حزب العمال الكردستاني، حتى عمق 400 متر. ولفت إلى أن الجامعة العربية تضم 23 دولة، لا يمكن أن تصدق جميعهم على البيان ذاته، فلا يوجد إجماع حول قضية واحدة، ولكن قطر تستغل الفرص دومًا لإبداء الاعتراض والتحفظ على معظم المواقف العربية. "قطر دولة وظيفية" هكذا عبر أحمد بهاء الدين شعبان، رئيس حزب التحالف الاشتراكي، عن تحفظ قطر على بيان جامعة الدول العربية، مشيرًا إلى أنها تؤدي دور واضح ومحدد لخدمة المصالح الأمريكية التركية لا يوجد فيه شك، فأكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط موجودة في قطر، فهي تنفذ تلك الأوامر مقابل الدعم والمصلحة حتى وأن كانت في ضد الصالح العربي. وأشار في تصريحات لبوابة "الوفد" إلى أن اعتراضها على البيان يعد منطقي؛ لأنها تتبع تعليمات الدول الأكبر منها مثل تركياوأمريكا، وهم دول ليسوا أعضاء في جامعة الدول، ولكنهما ينفذوا ما يرغبون فيه عن طريق أتباعهم مثل قطر. وأوضح، أن قطر على الدوام ما تقف ضد المسار العربي، لأنها دويلة صغيرة لا تملك أي مقاومات أو قدرات أو موقع استراتيجي أو مواهب وكفاءات بشرية تعطيها القوة بين الدول، ووقوفها جانب أمريكاوتركيا، كي تحمي نفسها من الدول الكبار مثل السعودية وإيران. وتابع أن قطر على أتم استعداد كي تبيع نفسها لمن يضمن لها القوة وينفذ مصالحها، ولا تعتبر منتمية إلى الدول العربية، لأن سمومها طالت المسار المصري أيضًا، الذي يعتبر عمود الشرق الأوسط، فهي تحاول هدم استقرار الدولة الكبرى. وأشار "مروان يونس" مستشار التخطيط الدولي والسياسي، أن قطر لم تعد داخل السرب العربي بالفعل، إزاء كل تلك المواقف والتحفظات غير اللائقة التي تطلقها، فأصبحت لايربطها بالدول العربية سوى عضويتها في مجلس التعاون الخليجي. وتابع، أن قطر أصبحت معادية لكل الدول العربية التي لا توافق السياسية الأمريكية والتركية، لذلك فهي أصبحت تقف وراء الحليف الجديد لها، بعد تحالفها مع تركيا وستظل بجوارها دائمًا. ولافت إلى أن حالة الضعف التي وصلت إليها تركيا والخوف من إعلان الأكراد دولة جديدة لهم داخلها، هو ما دفعها إلى ضرب معاقلهم في العراق، ولكن محاولة الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" بالقضاء على كل منافذ الأكراد تكللت جميعها بالفشل.