جدل داخل الأوساط الاقتصادية حول تفاقم الدين المحلي الذي تجاوز 1٫1 تريليون جنيه وانعكاساته السلبية علي الوضع الاقتصادي والمعيشي للمصريين ودرجة الخطر والأمان فقد توسعت الحكومة في إصدار أذون خزانة بنحو 56 مليار جنيه ومنها سندات بنحو 505٫9 مليار وأوراق مالية وصلت الي تريليون و64 مليار جنيه وأصبح الدين يمثل 99٪ من إجمالي الناتج المحلي وهو رقم اعتبره الاقتصاديون بعيدا الي حد ما عن معامل الخطر إلا أن إصرار الحكومة علي استخدامه كأداة وحيدة لحل أزماتها وتفاقم ديونها استدعي مخاوف الكثيرين من حدوث أزمة تهدد الدولة مثلما حدث لأزمة اليونان التي بدأت بالديون المحلية التي وصلت 145٪ من الناتج المحلي وأصبحت تهدد منطقة اليورو مما اضطرها للاستدانة من صندوق النقد الدولي ومجموعة اليورو وبحزمة ما تعرف بالإنقاذ رغم أن الوضع في مصر مختلف لأنها لم تلجأ للاقتراض الخارجي فحجم ديونها لا يتعدي 39 مليار دولار إلا أن استمرار العجز في الموازنة ووصوله الي 260 مليار جنيه بالإضافة الي التزامات خدمة الدين والتي بلغت 515 مليارا يثير القلق حول تفاقم الوضع داخليا ومدي امكانية لجوء الحكومة لبدائل أخري تحد من الإقراض في الاستدانة فقد كشفت البيانات الرسمية أن معظم الديون الداخلية للحكومة معظمها من 15 بنكا و300 مليار جنيه من البنك المركزي بمفرده و248 مليار من صندوق التأمينات والجزء المتبقي من قيمة الدين في صورة سندات وأذون خزانة لجهات أخري. أكد الدكتور سعد الزنط رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والاقتصادية أن تفاقم ديون مصر الداخلية وضع طبيعي في ظل العجز في ميزان المدفوعات علي مدي 5 سنوات علي حين جزء كبير من بنود الإيرادات غير موجود مثل السياحة والصادرات مما أثر علي ميزان المدفوعات وصافي الميزان التجاري مما أدي الي تفاقم العجز ووصول مصر الي هذه النتيجة وأضاف أن هناك قطاعات تراجع دخلها بصورة كبيرة مثل الضرائب والجمارك من جراء توقف الأنشطة الصناعية والتجارية بالإضافة الي ترجع تحويلات المصريين بالخارج فطوال فترة الاضطرابات والثورات فقدت مصر بنودا أساسية. وأوضح «الزنط» أن أكبر أزمة واجهت مصر وأثرت علي معدلات الإنتاجية الاضطرابات الفئوية والعمالية وهذه الفئات للأسف مارست ضغوطا علي الحكومة واضطرت لزيادة مرتباتهم بدون وجود دخل لديها في الأموال فان المفترض أن يتم ذلك في حدود المتاح وهنا كان الخطأ مشتركا بين الحكومة والعمال. وقلل «الزنط» من أهمية تراكم الدين المحلي معتبرا وصوله الي 99٪ من الناتج القومي ليس بالرقم الكبير في ظل اتجاه الحكومة لإحداث متغيرات علي أرض الواقع بدأتها بسياسة نقدية ومالية جيدة من خلال عقد مؤتمر اقتصادي والانضمام للتكتلات الأفريقية بالإضافة الي البدء في حفر مشروع قناة السويس الجديدة والتي ستساهم بعد افتتاحها في زيادة الإيرادات بالعملة الصعبة الي الضعف مستطردا: والأهم من ذلك أن تنمية المحور سوف يكون مركزا لوجيستيا جاذبا للمشروعات الاستثمارية وخدمات الترانزيت خاصة بعد تنميته، بالإضافة الي إقامة الطرق وعمل المحاور التي تربط بين المراكز الإنتاجية والموانئ، لافتا الي نقطة مهمة يجب حلها وهي تعديل تشريعي للقوانين الحالية بالإضافة الي أن الأجواء الأمنية غير مستقرة وتحتاج الي بذل جهد لمكافحة الإرهاب والبلطجة بالشوارع والطرق رغم أنه تراجعت الي حد ما في الفترة الأخيرة إلا أنها ليست بالصورة الجاذبة للمستثمرين سواء المحلية أو الأجانب. وأضاف «الزنط» إن مسألة اتجاه الحكومة لإصدار سندات خزانة والاستدانة من البنوك لا تثير قلقا فالحكومة مدين مضمون للبنوك بالإضافة لنقطة مهمة وهي أن لها أدواتها التي تستطيع أن تسدد هذه الأموال من خلالها وأهمها حل مشكلة الاقتصاد الموازي الذي يمثل 50٪ من الاقتصاد وضروري دمجه في الاقتصاد الرسمي بدلا من العمل خارج نطاق الدولة. وأوضح أن لجوء الحكومة للاقتراض الداخلي أسبابه اخفاق مصر في الحصول علي قرض من صندوق النقد الدولي وأعتقد أن وراءها ضغوطا سياسية منذ ثورة يناير الماضية. وقال إن الحكومة اتبعت في الفترة الأخيرة سياسة جيدة وربما دعمها في ذلك مساعدات واستثمارات الدول الخليجية وهي الاتفاق مع الشركات الأجنبية علي إقامة مشروعات كبري وحيوية بشرط أن تقوم بتمويلها من بنوكها ومثال ذلك شركة سيمنز الألمانية التي ستمول مشروعات الكهرباء ب16 مليار يورو قامت باقتراضها من البنك الأوروبي بالكامل. وقال الدكتور رشاد عبده رئيس المنتدي الاقتصادي المصري - العربي إن وضع اليونان مختلف عن مصر رغم أن البداية واحدة وهي تفاقم العجز والدين الداخلي إلا أن اليونان لديها مشكلة قبل الاتحاد الأوروبي فقد التفت علي المعايير التي حددها الاتحاد للدول التي ترغب الانضمام اليه وهي ألا يصل إجمالي ديونها الي أكثر من 60٪ من الناتج المحلي. وأوضح أن مصر سلكت أسلوبا جيدا للحد من تفاقم أزماتها من خلال قيامها بخفض عملتها وهي لها مزايا جيدة علي المدي البعيد اجتذاب وتشغيل أيدي عاملة وزيادة الصادرات. موضحا أن العجز يتزايد بسبب الفوائد التي تحتسب عن العام السابق فوصلت فوائد العجز الي أكثر من 251 مليارا،وقال إن قرار اللجوء للاقتراض من الداخل كان لوزير المالية الأسبق بطرس غالي نظرا لأن مصر لا تضع معايير أو سقفا للدين فمثلا الاتحاد الأوروبي يرفض أن يزيد علي 60٪ من الناتج المحلي بالإضافة لنقطة أخري وهي أن هناك دولا كبري مثل أمريكا حجم الدين يمثل 103٪ من الناتج المحلي ولكنه ليس مقلقا للإدارة الأمريكية نظرا لوجود تدفقات نقدية في شكل استثمارات أو استثمار دول ورجال أعمال خليجيين في أذون الخزانة الأمريكية ولكن مشكلة مصر تكمن في افتقادها للتدفقات النقدية التي توقفت تماما بعد ثورة يناير. مشيرا الي أن خطورة هذا الدين أنه يضطر الحكومة لاقتطاع أكثر من 25٪ من الميزانية لسداده بالإضافة الي 218 مليار حنيه مديونيات و232 مليارا دعما ومنحا اجتماعية. وفي النهاية النسبة التي تستطيع الحكومة استخدامها لا تتعدي 20٪ من حجم الميزانية. ويري «عبده» أن حل هذه المعضلة يكون بخفض المصروفات وزيادة الإيرادات ولن يتأتي ذلك إلا بتحسن مستوي الأمن والأمان الجاذب لأهم مورد للعملة وهي السياحة والاستثمار. وبرر «عبده» إفراط الحكومة في الاستدانة بسبب عجزها عن سداد القروض بالدولار في ظل تراجع الإيرادات في حالة لجوئها للاقتراض من الخارج وأشار الي أهمية اهتمام الحكومة بزيادة المشروعات والإنتاج مع الالتزام بوضع معايير للعمل لتحفيزهم والتزامهم بزيادة الإنتاجية بالمصانع التي يعملون بها. أما الدكتور إبراهيم فوزي وزير الاستثمار الأسبق فيرفض أسلوب الحكومة المفرط في الاقتراض من الخارج في ظل الاستخدامات غير الجيدة للقرض مستطردا: ضخ الأموال المقترضة في الموازنة والدعم يعتبر أوجه صرف غير مجدية ولذلك لابد من إيجاد بديل آخر للاستخدامات للقروض وهي تقديم مساعات حقيقية للقطاعات الإنتاجية حتي يستطيعوا زيادة الإنتاج ومن ثم الصادرات بالإضافة الي مساهمتها في إقامة مشروعات جديدة ومن هنا يمكن زيادة العملة الصعبة. وأوضح «فوزي» أن هناك مشاكل ومعوقات تواجه المستثمرين أهمها عدم حصولهم علي موافقات لإقامة مشروعات جديدة فللأسف معظم العاملين في الجهاز الإداري الحكومي يمتنعون عن منح موافقات جديدة. وأضاف أنه من المفترض عند إقامة مشروعات كبري وحيوية أن تتم الموافقة عليها بالأمر المباشر لسرعة الإنجاز وبدء المشروع بدلا من الانتظار لفترة قد تصل الي عامين لتنظيم مزايدة ولكن للأسف الوزراء المسئولين يرفضون إعطاء الأمر المباشر حتي لا يتعرضوا للمساءلة والمحاسبة في حالة لو قام أحد المتضررين بمقاضاه أمام المحاكم. لافتا لأهمية تحلي المسئولين بالشجاعة والسرعة في اتخاذ القرار لأن عامل الوقت ليس في صالحنا بالإضافة الي أن الحكومة ليس بامكانها الاقتراض من الخارج في ظل النقص الحاد لمواردها من العملة الصعبة.