بسم الله الرحمن الرحيم «وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِين» نزلت هذه الآية فى سلمان الفارسى. من خيرة أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم وذوي القرب منه، وكان راسخ الإيمان، عالمًا فاضلاً، زاهدًا، تقيًا، ومن الموالين المخلصين للإمام أمير المؤمنين وأهل بيت النبوة، وأوّل الأركان الأربعة. كان فارسيّ الأصل من مدينة رامهرمز، وقيل: من جي بإصبهان، وقيل: من مدينة جنديسابور، وقيل:من شيراز، وقيل: كان أبوه من دهاقين جي، وُلد فى (رامهرمز)، ونشأ بها في عائلة ومحيط يُدينون بالمجوسيّة، ويعبدون النيران. في أحد الأيام مرّ بكنيسة للنصارى، فرآهم يُقيمون شعائرهم الدينية فأعجبته، فصمّم على الهروب من أبيه وأسرته وبلده، فانتقل إلى بلاد الشام ودخل إحدى كنائسها، فأقام بها يخدم أُسقفها،وبعد مدة انتقل إلى الموصل، وأصبح بها خادما لكنيستها وكاهنها، وبعد مدة إقامته في الموصل انتقل إلى مدينة عموريّة ببلاد الروم، وبها قام بخدمة كنيستها والراهب فيها، ولما حضرت الراهب الوفاة قال له: إنّ نبيًا سيُبعث على دين إبراهيم الخليل(ع)، ويتواجد بأرض ذات نخل، وله آيات وعلامات، منها: خاتم النبوة بين منكبيه، ويأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، فأوصاه الراهب أن يلحق به ويؤمن برسالته. وبُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بدين الحق في مكة أم القرى واضطهدته قريش وأخرجته مهاجراً إلى المدينة فسمع به سليمان, وذات صباح وبينما كان سلمان يعمل في حديقة اليهودي حين حضر إليه قريب له فأخذ يقص عليه قصة الرجل الذي تجتمع إليه الناس في قباء ويزعمون أنه نبي, فما أن سمع سلمان ذلك حتى انتفض بدنه بشدة حتى ظن أنه سوف يقع على سيده... ونزل من على النخلة وأخذ يستفسر عن ذلك النبي المنتظر فغضب منه سيده فلكمه لكمة شديدة. ولكن سلمان أخذ بعض العنب وذهب به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم حدَّثَ سلمان نفسه لا بد وأنه الرسول المنتظر ومن علاماته التي يعرفها سلمان جيداً أنه لا يأكل الصدقة فلينظر ماذا سيفعل. وقال سلمان لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد بلغني أنك رجل صالح وأنك ومن معك غرباء هنا ومعي طعام كنت قد خرجت به للصدقة ورأيت أن أعطيه لكم لأنكم عابرو سبيل» فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «كلوا منه» وأمسك يده فلم يتناول منه شيئاً, فقال سلمان لنفسه: هذه أولى العلامات التي حدثني عنها القس الطيب ثم دخل الرسول المدينة «التي كانت تسمى يثرب» فأسرع إليه سلمان بهدية وقدمها إليه وهو يقول له: «إنها هدية لك لأني رأيتك لا تأكل من الصدقات» فأكل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل أصحابه معه, فقال سلمان لنفسه: «هذه العلامة الثانية والله». وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي على جنازة فتحول سلمان إلى ظهره ليرى خاتم النبوة فألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم رداءه عن ظهره فنظر سلمان فرأى الخاتم, فأخذ يقَبِّل رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبكي فأمسك به رسول الله صلى الله عليه وسلم, وسأله عن قصته فقص عليه سلمان حكايته كاملة. وروي عن أنس بن مالك أنّه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة: عليّ وعمار وسلمان» عمّر طويلاً، ويقال بأنه عاش350 سنة، وقيل: 250 سنة، حتّى تُوفي بالمدائن سنة 35 ه، وقيل سنة 32ه، وقيل سنة 36ه، وقيل سنة 34ه، وتولّى الإمام أمير المؤمنين غسله وتكفينه ودفنه، وقبره في المدائن يُزار، كان له من الولد عبدالله ومحمد وثلاث بنات.