يراهن المصريون علي أن البرلمان القادم، إما سيكون مفتاح اقامة دولتهم الديمقراطية الحديثة التي قاموا من أجلها بثورتين، أو يتحول الي انتكاسة كبري تهدد التجربة بالكامل وتعيدنا الي عصر الحزب الواحد، والصوت الواحد، الذي تسببت في إفساد الوطن، وحولته الي عزبة يمتلكها عصابة يمكن أن توجهه في أي اتجاه، فبدون تعددية حزبية وتداول سلمي للسلطة واحترام للحقوق والحريات العامة.. لا تحدثني عن ديمقراطية، وانما تصبح مجرد شعارات لسرقة الأوطان وإفساد البشر وتحويلهم الي خدم وعبيد عند مجموعة من اللصوص وسارقي الأحلام والثروات والنفوذ وصولا لسرقة المستقبل والأمل أيضا، ويصبح المواطنون أربع فئات إما مهاجرين للخارج وكافرين بالوطن، وإما إرهابيين ينضمون لجماعات العنف والتطرف والإرهاب بدعوة التغيير بقوة السلاح، أو ينخرطون في دائرة الفساد ليصبحوا جزءا من العصابة كل حسب موقعه، أما الغالبية فسترضي بالانزواء والقبول بالأمر الواقع وفقد الأمل في التغيير للأفضل وتكتفي بعيش حياتها تنتظر الموت، وتصبح طاقة سلبية مهدرة ناقمة علي كل شيء في المجتمع دونما أدني فعل أو تأثير، وهو ما ينتج عنه مجتمع متناحر وفاسد ومستبد، وبنظرة سريعة سنجد ان ذلك هو ما نعانيه نتيجة وأد الديمقراطية عبر عقود طويلة. ورغم الشعارات المثالية للثورة يوليو 1952 وإعلانها الانحياز للديمقراطية، ورغم ما حققته من نجاحات في بعض المجالات، إلا أننا لابد أن نعترف بأن إلغاء الأحزاب من أكبر الأخطاء التي وقع فيها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، فقد تسبب في إفراغ الثورة من مضمونها، وحولها الي «ثورة الصوت الواحد» وليست «ثورة الشعب» وقد يكون ذلك أحد الأسباب غير المباشرة لنكسة 1967، فقد فعل «الزعيم» ذلك بايعاز من جماعة الإخوان المسلمين شركائه في الثورة وقتها، قبل ان ينتهي شهر العسل بينهما ويحل الجماعة نفسها عندما اكتشف أنها أوعزت له بذلك لتبقي وحيدة علي الساحة وترغب في السيطرة عليه وجعله خاتما في أصابعها، ألغي «عبدالناصر» لمنع عودة الوفد الي الحكم من جديد حيث اكتشف أنه لو أجريت انتخابات حرة ونزيهة فإن الشعب سوف يعيد الوفد والباشوات والاقطاعيين للبرلمان، ففضل ان يتخلص من التجربة الديمقراطية التي كانت شعارات الثورة ليأتي برجاله ويمسك بخيوط اللعبة كلها في يده، وهو سر انقلابه أيضا علي محمد نجيب الذي كان يريد تسليم السلطة بعد إجراء انتخابات ديمقراطية، وهو ما أدي فيما بعد الي وجود تجربة سياسية مشوهة أدت بعد 60 عاما الي ثورة يناير. والحقيقة أنه بدون احزاب تصحح المسار عاشت مصر فترات صعبة، وعندما انشأ الرئيس السادات المنابر لم يكن جاداً في إنشاء حياة حزبية تمسك بالحزب الواحد الذي يقوده الي جانب أحزاب كرتونية، وورث مبارك الحزب الوطني وورث نفس التفكير أيضا ورغم وجود 23 حزبا قبل ثورة يناير إلا أن اغلبها إما محاصرا أو مسيطرا علية من الأجهزة الأمنية أو مصنوعا تحت عينها، وبعد 25 يناير حاول الإخوان استنساخ تجربة الحزب الوطني والسيطرة علي كل شيء ففشلوا سريعا، ورغم ذلك مازالت النتيجة بعد ثورتين دون تغيير حقيقي في دعم الحياة الحزبية، وان هناك من يسعي الي تكرار نفس الممارسات القديمة التي ثبت مع الزمن فشلها، وهو سر التخبط الذي نشهده الآن في تقسيم الدوائر. والمتابع لأزمة قانون تقسيم الدوائر الانتخابية سوف يكتشف أن القائمين علي وضعه لا يريدون تعددية حزبية، لا يريدون منافسة حقيقية، لا يريدون انتخابات حرة يختار فيها الشعب الأفضل، وحتي لو أعلنوا عكس ذلك، فالواقع يكذبهم، ورغم قرار المحكمة الدستورية ببطلان القانون السابق فإنهم لم يتعلموا الدرس، فيحركهم هاجس السيطرة علي كل شيء وإبعاد منافسيهم، ولا أعرف ما سر التمسك بلجنة فاشلة أدخلت خارطة الطريق في نفق مظلم، لماذا التمسك باللواء رفعت قمصان رغم أنه كان مسئول الانتخابات بوزارة الداخلية في تجارب برلماني 2005 و2010 سيئ السمعة، فلصالح من ذلك، فالقائمة المطلقة حتي يأتي 120 عضوا مرضي عنهم دون منافسة حقيقية، وتوزيع الدوائر الظالم الذي يتم وفقا للاهواء وتبعا لمعايير متناقضة ليس من أجل العدالة أو تكافؤ الفرص وانما فقط لابعاد تيارات بعينها او ارضاء اشخاص بعينهم، المهم لا يدخل البرلمان الا من هو مرضي عنه، ويقبل بدور التابع، ففي الماضي كان الناخبون لا يذهبون لصناديق الاقتراع لأن النتيجة معروفة مسبقا انه سيتم تزويرها، اليوم لن يذهبوا لانه يتم تزوير سمعة المرشحين انفسهم، وتقديم فئة منهم علي أنهم الوحيدون حماة الوطن والوطنية رغم فسادهم، وهو خطر لو تعلمون عظيم، فالشعوب لن تقبل بعودة الفاسدين ابدا وقد يتحولون الي طاقات سلبية أو أصوات عقابية وفي الحالتين الخاسر سيكون الوطن. والواقع أن أغلب المرشحين ينتمون الي ثورتي 25 يناير و30 يونيو وبينهم مشترك كبير، الا انه بعد ثورتين يبقي السؤال إلا يمكن ان تقبلوا شركاء في تحمل المسئولية والحلم والعمل والبناء من أجل المستقبل، وهو ما كفله الدستور لمجلس النواب القادم، أم أنكم تريدون تكرار نموذج «موافقة فتحي سرور»، «ريموت كونترول أحمد عز»، و«بناء عليه سعد الكتاتني»، فهذه الممارسات لا تبني أوطانا وإنما تصدر لصوصا ومتطرفين، ولا تدعم الديمقراطية وإنما تصنع ديكتاتورية مٌقنّعة وهو ما نحذر منه لانه خطر علي الجميع. وتبقي الخلافات داخل لجنة وضع قانون تقسيم الدوائر واصوات الرفض الشعبي لتسريبات التقسيم فرصة لنؤكد ان العودة لدوائر 2010 في الفردي بمعدل مقعدين لكل قسم اداري هي الحل لمنع الخلافات ومنح فرص مساوية للجميع وفقا لمعيار واحد وبدون نسبة انحراف سخيفة تصل الي 25% كما يقول المستشار ابراهيم الهنيدي وزير العدالة الانتقالية، فاستثناء المحافظات الحدودية من الوزن الانتخابي لكل مقعد مقابل 160 ألف صوت غير دستوري ومن حق ابناء المنوفية وسوهاج والغربية وغيرهم أن يطعنوا فيه، وتغيير اشكال الدوائر التي استقر عليها الشعب منذ سنوات طويلة سوف يتسبب في مشاكل عديدة نحن في غني عنها، وسيخلق صراعا قبليا جديد لم نكن نعرفه رغم اننا لم نتخلص بعد من مشاكل الصراع القبلي القديم وهو خطر اجتماعي كبير وجب ان نحذر منه، ويبقي الخوف من عودة جماعات العنف والتطرف للبرلمان في غير محله لان الشعب كشفهم، ولا يجب استخدام تلك الفزاعة في القضاء علي التجربة الديمقراطية، والأكثر خطورة أن التحجج برفض تقسيم دوائر 2010 رغم لأنه الوحيد العادل أنه يعتمد علي معيار واحد للجميع وهو كل قسم إداري يكون له مقعدان، والإخوان لم يعد لهم وجود واستخدامهم فزاعة خداع للرئيس عبدالفتاح السيسي قبل الشعب، ومحاولة خبيثة لعزله عن المجتمع كما كان يفعلون مع سابقيه خاصة الرئيس المخلوع حسني مبارك في آخر سنوات حكمه وهو امر خطير جدا، وعلي الرئيس أن يدرك أن الخطر الأكبر يكون من الحاشية، ونحن نطالب الحكومة بإصدار قوانين انتخابات عادلة، ونسألها هل حقا هي جادة في إجراء الانتخابات من الأساس أم أنه ما يحدث تسلية وقت ومجرد إلهاء؟