أثارتْ الفضائيات موضوع الحقوقيين الذين تقدّموا للعمل بالنيابة، وبعد اجتيازاتهم للامتحان تم رفض 138 وكان السبب كما قيل لهم أنّ الوالد والوالدة ليس معهم مؤهل جامعى. ولفت نظرى أنّ الحوار تركّز حول المؤهلات الجامعية. فى حين أنّ آباء وأمهات كثيرين من المفكرين والعلماء كانوا من الأميين. وهذا الموضوع يُثير قضية هل المُتعلم أفضل من الأمى؟ وكيف يكون الازدراء من الأمى الذى ربى وتحمّل الشقاء حتى يتمكّن من تعليم ابنه؟ فإذا كان الأميون أبناء ثقافة قومية تأسّستْ على التعددية ونبذ الأحادية والاعتراف بالآخر المختلف وبالتالى لم يعرفوا لغة التكفير، لكل ذلك أعتقد أنّ الأمية المصرية أفضل من التعليم المصرى (منذ يوليو 52) وأود أنْ أوضح أنّ الأمية لا ترادف (الجهل) الذى هو فقدان المعرفة فى فرع معين، فالطبيب (جاهل) بعلوم الهندسة، والمهندس (جاهل) بالطب والقانونى جاهل بالاثنين. وعلى الضفة الأخرى فإنّ الأمية لا تنفى وجود ثقافة قومية أبدعتها الشعوب عبر آلاف السنين. وهى الثقافة المُجسّدة فى مجموع أنساق القيم، وأنّ الأميين أبدعوا فى فنون العمارة والخزف والخيامية. وذكر د. عبدالحميد يونس (إنّ بعض الأميين أوسع ثقافة من بعض المتعلمين، وأنّ القراءة والكتابة ليست هى الفيصل، لذلك تجد فلاحًا يُعبر عن وعى ثقافى أكبر من إنسان حصل على شهادة من إنجلترا. وأنا أتكلم من واقع خبرة حية. والفلاحون يكرهون القضاء الشرعى ويُفضلون حل مشاكلهم بأنفسهم) . وفى دراسة للماجستير أعدها أ. أحمد أنور ذكر أنه أعدّ استمارات استبيان للرأى العام وفى سؤال عن دور الدين فى أسباب هزيمة يونية 67، كانت النتيجة أنّ 7٫3% من نسبة الأميين يرون أنّ سبب الهزيمة هو (غضب ربنا علينا) بينما النسبة عند ذوى التعليم المتوسط 48٫2% وعند ذوى التعليم العالى 56٫6% هذا المثال يُوضح أنه رغم اعتقال عقول شعبنا فى مبنى ماسبيرو وفى المدارس والجامعات فإنّ الأميين المصريين كانوا أكثر وعيًا من المتعلمين بالأسباب الحقيقة لهزيمة يونيو، وذكر الفيلسوف برتراند رسل، أنه بدون البحث العلمى وحرية النقد (يكون من الأفضل لنا أنْ نظل أميين) كما أنّ أغلب أعضاء الجماعات الإسلامية، كانوا من خريجى كليات القمة. وهل يتصور أحد أنْ يقول مصرى أمى ما قاله د. أحمد عمر هاشم (الإسلام لا يمنع التعامل مع غير المسلمين، ولكن يمنع المودة القلبية والموالاة لأنّ المودة القلبية لا تكون إلاّ بين المسلم وأخيه المسلم) (جريدة اللواء الإسلامى عدد 153) بينما الفلاحون والعمال يستنكرون مثل هذا الكلام.