لا يستطيع أى مصري مهتم بالشأن العام أن يتجاهل المؤتمر السنوى السابع للحزب الوطني الديمقراطى الذى افتتحه الرئيس حسني مبارك - رئيس الحزب - مساء السبت الماضى واستمر لمدة ثلاثة أيام، ولا يعود ذلك لقوة الحزب وشعبيته التي يدعيها قادته، ولا لاتساع عضويته والتى بلغت 3 ملايين و357 ألفاً و138 عضواً - كما يقول زكريا عزمى الأمين العام المساعد لشئون التنظيم في الحزب - وإنما لسبب رئيسى هو اغتصاب هذا الحزب لسلطة الحكم طوال 32 عاماً عبر تزوير منهجى للانتخابات العامة، وكون رئيس الحزب هو رئيس الجمهورية، آخذين في الاعتبار أن رئيس الجمهورية في مصر - وطبقاً لدستور 1971 - هو صاحب القرار الوحيد، سواء كان قراراً سياسياً أو تنفيذياً أو تشريعياً أو إدارياً! وقد عقد المؤتمر تحت شعار »فكر جديد.. علشان تطمئن علي مستقبل أولادك«، وشعار »الفكر الجديد« ارتبط ببروز دور »جمال مبارك« السياسى كشريك لرئيس الجمهورية في الحكم ورويث قادم للمنصب، وإنشاء لجنة السياسات، وهو الشعار الذى عقد المؤتمر العام الثامن للحزب في ظله عام 2002 وظل يتكرر مع كل مؤتمر سنوي منذ المؤتمر السنوي الأول عام 2003 وكان شعاره »الفكر الجديد.. وحقوق المواطن«، وتحول فى المؤتمر السنوي الثاني عام 2004 إلي »الفكر الجديد.. وأوليات الإصلاح«، وفي العام الماضى 2009 كان الشعار »الفكر الجديد.. من أجلك أنت«. والفكر الجديد حسب ما قاله جمال مبارك ».. رؤية مفصلة لمجتمعنا المصري.. كيف يعمل وكيف ينمو مجتمع قائم علي الوسطية الإيجابية، يعلى من فهم المواطن وحقوقه.. ويؤمن بدور جميع فئات الشعب فى المسيرة الوطنية، مجتمع قيم يستمد الصدق والنزاهة والوئام والتضامن من أدياننا السماوية، يحمي الضعيف ويحافظ علي غير قادر، مجتمع تتضامن جميع فئاته لمواجهة مصاعب الحياة.. مجتمعنا مجتمع الحرية في الرأي والكلمة.. حرية ترعي الآخر وتحترم رأيه.. مجتمعنا يقوم علي الثقة، ثقة في النفس تسمح لنا بأن نقتحم العالم وأن نخاطب دون خوف أو ريبة«. وبصرف النظر عن الإنشائية الواردة في هذا التعريف لشعار الفكر الجديد، فعملياً انقسم الفكر الجديد إلي محورين أساسيين: - الإصلاح الاقتصادى والاجتماعى. - الإصلاح السياسى. والإصلاح الاقتصادى هو تأكيد للسياسات المعتمدة منذ عام 1974 في عهد الرئيس الراحل أنور السادات والقائمة علي التحول إلي نوع من الرأسمالية »المتوحشة« والتي تعمقت خلال التسعينيات من القرن الماضي في ظل الرئيس حسني مبارك. وأعلن الرئيس مبارك فى المؤتمر السنوى الثاني للحزب في كلمته في ختام المؤتمر عام 2004 أن الإصلاح يتطلب انسحاب الدولة من عملية الإنتاج، وتزايد الاعتماد علي القطاع الخاص وتوفير 2 مليار جنيه كموارد جديدة له، ودخول القطاع الخاص في مجالات حيوية كانت حكراً علي الدولة منها توليد الطاقة والاتصالات وإدارة الموانئ والمطارات، وتنفيذ برنامج الخصخصة ببيع وتصفية 172 شركة فى مختلف القطاعات وبيع نصيب الدولة في 695 شركة مشتركة بين القطاعين العام والخاص، وتشمل التصفية والبيع طبقاً للبيانات الرسمية شركات صناعية وخدمية وبنوكاً وشركات تأمين. وحدد المؤتمر العام التاسع للحزب عام 2007 ثلاثة محاور رئيسية أكد عليها الرئيس مبارك، من بينها »توفير الحماية الاجتماعية للفقراء ومحدودى الدخل، باعتبار أن العدالة الاجتماعية ركن أساسى في سياستنا العامة. إنها العدالة في توزيع ثمار النمو والتنمية«. وعاد المؤتمر السنوى السادس فى 2009 لتأكيد هذه السياسات والإعلان عن إصرار الحكم علي المضى فى بيع ما بقى من القطاع العام ومؤسسات وشركات الدولة تحت اسم »صكوك الملكية الشعبية وإصدار القوانين اللازمة للبدء في التنفيذ خلال الدورة البرلمانية 2009 - 2010. وفي يوم السبت الماضي فى افتتاح المؤتمر السنوي السابع للحزب الوطني قال الرئيس حسني مبارك: ».. وفضلاً مما حققناه من إصلاح سياسي.. فقد قام برنامجنا للإصلاح الاقتصادى علي تحول مهم وجذرى لإعادة صياغة دور الدولة من كونها المحرك الأوحد للنشاط الاقتصادى والمصدر الرئيسي للتشغيل، إلي دور جديد ومتطور يضع الأطر المنظمة للنشاط الاقتصادى ويفسح المجال للقطاع الخاص. يتابع ويراقب أداء الاقتصاد ويعني بتصحيح مساره«، مضيفاً: »لقد خضنا هذه التحولات الاقتصادية الكبري وعيوننا علي غير القادرين من أبناء الشعب، واخترنا البديل الصعب عندما اتبعنا منهجاً متأنياً للإصلاح يحفظ التوازن بين فئات المجتمع حتي لا يدفع غير القادرين الفاتورة الباهظة للتحول الاقتصادى.. كان البعد الاجتماعي وسيظل المحور المحرك لجميع سياساتنا الاقتصادية. وضعنا سياسة واضحة لتحقيق العدالة الاجتماعية، ولتوسيع شبكة الضمان. اتبعنا سياسات محددة لاستهداف الفقر تقوم علي تمكين غير القادرين والأخذ بأيديهم للخروج من دائرته ومعاناته.. كان شاغلنا الشاغل وسيظل هو تحسين نوعية الحياة ورفع مستوي معيشة الإنسان المصرى وتطوير ما يقدم له من خدمات التعليم والرعاية الصحية والإسكان والمرافق وغيرها«. وحدد الرئيس ثلاثة أولويات للمرحلة القادمة، أولها »المزيد من الاستثمار والنمو وإتاحة فرص العمل«، وثانيها »المزيد من تدعيم قاعدة العدل الاجتماعى بين أبناء الوطني ومحافظاته«. وللأسف فالواقع عكس هذه الأقوال تماماً. لقد خضع الحكم لضغوط صندوق النقد والبنك الدوليين وهيئة المعونة الأمريكية والفئات الطفيلية من الرأسمالية المصرية، لتنفيذ ما يسمى بسياسات التحرر والتثبيت والتكيف الهيكلى للتحول إلي اقتصاد سوق رأسمالى منفتح ومندمج في الاقتصاد الرأسمالي العالمى، وبدأت هذه السياسة عام 1974 تحت اسم الانفتاح في ظل الرئيس الراحل أنور السادات، واكتسبت قوتها وعنفوانها في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات في ظل الرئيس حسني مبارك.. وأدت هذه السياسات إلي »أزمة شاملة نعيشها اليوم في ظل هيمنة »رجال الأعمال« على الحكم وتأسيسهم لدولتهم، تتمثل في تراجع معدل التنمية »علي سبيل المثال تراجع معدل التنمية من 7.2٪ عام 2007 إلي 4.3٪ في الربع الثالث من العام المالي 2008 - 2009، وانخفاض معدل الادخار القومى وتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 53٪، وارتفاع الدين المحلي إلي 745 مليار جنيه والدين الخارجى إلي 173 مليار جنيه »30.9 مليار دولار«، وتخصيص 60٪ من الموازنة العامة للدولة لسداد أعباء الديون، وارتفاع نسب من يعيشون تحت خط الفقر، والذى يقدر الصندوق الدولي للتنمية الزراعية التابع للأمم المتحدة عددهم ب48 مليون نسمة، ويعاني 2.4 مليون مواطن - أغلبهم من حملة المؤهلات العليا والوسطى - من البطالة، وارتفعت أسعار السلع الأساسية - الغذائية خاصة - بصورة فلكية، وتراجع مستوي معيشة الطبقات الشعبية والفئات الوسطى بصورة مخيفة، ويعاني المجتمع من تفاوت طبقى حاد، وعرفت مصر ظواهر شاذة غير مسبوقة طوال تاريخها مثل وفاة المواطنين في طوابير الخبز، وغرق وموت المئات في قوارب الهجرة غير الشرعية، والآلاف من حوادث وسائل النقل البرية والسكك الحديدة والبحرية، وانتشار العنف والبلطجة، وشيوع التعذيب فى السجون والمعتقلات وأقسام الشرطة، وتراجع مصر فى قائمة الشفافية الدولية من المركز السبعين إلي ما بعد المائة، أي تفاقم واستشراء الفساد، وتفجر كوارث صحية وبيئية تهدد حياة المواطنين، كما عرفت مصر ظاهرة العشوائيات وعددها علي الأقل 1300 منطقة عشوائية يعيش فيها نحو 20 مليون شخص أي ربع سكان مصر. وفى تقرير أخير للمعهد القومي للتخطيط أن نسبة من يعيشون تحت خط الفقر في مصر ارتفعت من 40.55٪ عام 2004 - 2005 إلي 41.69٪ من إجمالي السكان، وأن هناك 5 ملايين مواطن لا يحصلون علي ما يكفى للانفاق علي مجرد الحد الأدني الضروري من الغذاء، أي يعانون من فقر مدقع. ووعد الرئيس بالتوسع في التشغيل وتوفير 4.5 مليون فرصة عمل جديدة خلال 6 سنوات »من 2005 إلي 2011« بمتوسط 750 ألف وظيفة سنوياً لم يتحقق، ويستحيل تحقيقه في ظل حجم الاستثمارات العامة والخاصة المحلية والخارجية التي تفتح سنوياً في مصر. ومع ذلك لو سلمنا جدلاً بإمكانية توفير هذا الحجم من التشغيل فسنجد أن حجم البطالة القائم حالياً والذى تقدره الحكومة بأقل من مليون عاطل وتقدره منظمات دولية واقتصاديون بما يتراوح بين 2.5 مليون و3 ملايين عاطل سيزداد سنوياً بحوالي 150 ألف عاطل جديد، حيث يبلغ عدد الداخلين سنوياً إلي سوق العمل 900 ألف طبقاً للتقديرات الرسمية. والخلاصة أن النتيجة النهائية للحكم هي مزيد من الفقر والبطالة والفروق الطبقية والفساد.