اليوم، موعدنا الأسبوعي، بعيداً عن الساسة والسياسة.. ويقطعهما، معاً! لندخل في عالم الأكل، وهو أحد المطالب الأساسية الثلاثة: المأكل، والمسكن، والمشرب! والسؤال اليوم: هل تأكل طعاماً في غير موسمه.. البعض يري أن تطور نظم حفظ الطعام يجعلنا نقبل ذلك.. ولقد عرف الإنسان وسائل عديدة لحفظ الطعام- تماماً كما عرف الحيوان، حتي من أصغرها مثل النمل.. وأكبرها مثل الدببة.. وعرفنا من هذه الوسائل: التجفيف، والتجليد، والتمليح، والتدخين، والتعبئة، وحتي التعليق في الهواء الطلق، إذ عرفنا تجفيف الأسماك، صغيرها مثل الجمبري والسردين «العومة» في دول الخليج، إلي الماكريل وأسماك القرش حتي ذيولها وزعانفها التي تجفف وتصدر إلي اليابان ليصنعوا منها أغلي طبق شوربة، يصفونها بأنها فياجرا شوربة ذيول القرش!، والسردين بسبب كمياته في خليج عمان والخليج العربي يتم تجفيفه بفرشه علي رمال الشواطئ، الجيد منه- بعد التجفيف- يصلح للأكل خارج الموسم أو طعاماً للبدو في عمق الصحراء.. وما هو أقل جودة يستخدم كسماد للطباق إلي الدخان وغيره من المزروعات، وهو أفضل سماد.. يليه سمك الماكريل المجفف أو الكنعد، ويعلق- بعد التجفيف- في الهواء الطلق.. في دول الخليج وغيرها، حتي في دول الكاريبي ويصلح لعمل «الصالونة» أي طبخه في صلصة الطماطم مع العيش «الذي هو هناك الأرز» في وعاء واحد.. وهو يشبه ما كان يعشقه أثرياء مصر- زمان- بسمك «الباكالاه» الذي مازال موجوداً في فرنسا ويؤكل في المواسم. وعرفنا التجميد.. في الديب فريزر للأسماك والقشريات.. واللحوم والطيور والدواجن ولكن لكل نوع قدرته علي التجميد.. وكم شهراً يصمد! بعدها تتحول كل ذلك إلي مجرد ألياف.. منخفضة القيمة، ولذلك تشتري مافيا التجار هذه الأشياء قرب انتهاء موعدهنهاية صلاحيته.. ويقدمونه لنا.. منهم لله! ويجب ألا تزيد مدة التجميد علي ستة أشهر.. مهما كانت درجة التبريد أو التجميد.. تماماً كما عرفنا نحن المصريين، ومنذ الفراعنة، حفظ الأسماك بالتمليح: فسيخ من البوري.. أو من السردين، أو من الملوحة، التي تصنع من سمك كلاب البحر، وهي أشبه من سمك بوري المياه العذبة.. وغيرها.. أيضاً كما عرفت شعوب شمال غرب أوروبا عملية حفظ أسماك الرنجة.. بالتدخين «في هولندا والنرويج والدانمارك وبريطانيا» أو من تمليح الرنجة «الهيرنج» ويا سلام علي أكلها علي نواصي شوارع امستردام يومي السبت والأحد! ثم عملية تعبئة الأسماك: السردين في اسبانيا والبرتغال والمغرب والجزائر وتونس.. وأسماك التونة والماكريل في جزر اليابان والآن في تايلاند وتايوان وفيتنام، ومعها أسماك «الباسا» التي لا يقبل عليها المصريون رغم انخفاض أسعارها. أما القضية الآن فهي أن تأكل طعاماً مزروعاً في فصل زراعي.. ولكن في فصول أخري.. يعني، وبسبب تقدم صناعة الحفظ يمكننا أن نأكل البطيخ- وهو محصول ربيعي صيفي- ولكن في عز الشتاء.. تماماً كما نأكل المانجو وهي محصول صيفي.. في عز شهور البرد والمطر! وكذلك تجد البلح الأسود «الأمهات والرملي» وهو محصول لا يجود إلا في شهور سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر في شهور يناير وفبراير ومارس.. كيف.. حتي العنب أيضاً والكنتالوب وهذا يتحقق فقط بسبب انتشار التجميد.. في الثلاجات التي تدخل إلي داخلها سيارات النقل بالكامل.. في عز الموسم.. ولا تخرج إلا في غير الموسم.. ولهذا نجد الآن- في الأسواق- ونحن في عز الشتاء يعني طوبة وأمشير البطيخ والكنتالوب والمانجو.. هل تتقبل النفس البشرية ذلك؟! وأتذكر مقولة أبي- رحمة الله عليه- عندما كان يقول: إذا طلعت المانجة لا تأكل البطيخ.. الآن تغيرت هذه القاعدة.. وان كنت أرفض هذا التغير فالفواكه- في غير مواسمها- لا طعم لها.. ولا رائحة. نعم.. هناك منتجات يطول موسمها بسبب حرارة الجو.. مثل منتجات الصعيد تنضج مبكراً عن مثيلاتها في الوجه البحري وأوروبا، ولذلك تربح أكثر.. وهناك منتجات يطول عمرها، فالموز يقطع قبل نضجه، ربما بشهرين ولذلك نستورده من أمريكا الجنوبية والوسطي مثل دول الكاريبي: نيكاراجوا وكوستاريكا واكوادور.. وتصل إلينا بالبحر، عبر برادات.. وقبلها كنا نستورد الموز الصومالي الذي يصنعون منه دقيقاً لعمل الخبز. كما تجود تجارة نقل الخضر والفواكه من بلغاريا ورومانيا وتركيا والشام ولبنان والأردن.. لتصل إلي دول الخليج عبر برادات أي سيارات نقل مجهزة بالثلاجات.. ولهذا نجد دول الخليج تأكل أي منتجات، وعلي مدار العام.. وليس فقط «الجح» أي البطيخ شرقاً من إيران أو غرباً من السعودية أو مصر.. أو الدلاع من تونس، وكذلك الحمضيات أي البرتقال التونسي والمغربي والاسباني منافساً للمصري. ولكنني رغم ذلك لا أفضل هذه المنتجات في غير مواسمها.. والسبب هو دخول عملية التهجين أي استخدم المهجنات والهيرمونات في كل شيء. ولعن الله التهجين والهيرمونات.. ولعن أيضاً كل المهجنين وأمثالهم فلم يعد للمانجة طعمها ولا رائحتها.. ولا نكهتها اللذيذة.. وعوضنا علي الله!