لعل نظرة موضوعية، لا ينبغي أن يمنعنا منها غضب عارم ينتاب الجميع في أعقاب الجريمة الإنسانية البشعة التي ارتكبها تنظيم «داعش» الإرهابي في ليبيا، وأودت بحياة مجموعة من أبناء الوطن، ممن طردتهم الظروف المعيشية الصعبة إلي مصيرهم المحتوم، بحثاً عن لقمة العيش. في هذا السياق، يخطئ من يظن أن جهداً منفرداً يمكن أن يحرز أهدافه في مواجهة الإرهاب، فقد بات الإرهاب ظاهرة عالمية، أقرت بها المواثيق الأممية، حتى حلت كأبرز القضايا الدولية علي أجندة المجتمع الدولي، خاصة مع بداية النظام العالمي أحادي القطبية، في أعقاب سقوط الاتحاد السوفيتي في مطلع التسعينيات من القرن الماضي. ففي ظل عولمة العديد من المفاهيم، أصبح الإرهاب مفهوماً عالمياً حائراً، تتجاذبه المصالح المتعارضة للقوى الفاعلة علي الساحة الإقليمية والدولية علي السواء، دون أن ينزع ذلك عنه صفة العالمية، فكراً وتمويلاً، واتساعاً لرقعة عملياته. والواقع أن الولاياتالمتحدةالأمريكية قد عارضت طويلاً عقد مؤتمر دولي للإرهاب، من منطلق لا يخفي علي كل مراقب، يرتبط بخطورة وضع تعريف دولي للإرهاب تندرج داخله الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي لبنان أيضاً، الأمر الذي قوض وضع إستراتيجية عالمية لمواجهة الإرهاب؛ ومن ثم بات الإرهاب يواجه بعمليات «انتقائية»، تقودها الولاياتالمتحدة وفق ما تتيحه العلاقات الدولية المعاصرة من أدوار فاعلة للإرهاب، وكعنصر أساسي في الاقتصاد العالمي؛ ومن ثم عجزت تلك الجهود «الانتقائية» عن ملاحقة الإرهاب والقضاء عليه علي نحو متكامل، فكراً وتمويلاً، بشرياً ومالياً وتسليحاً. ولعل في ذلك ما يدفع باتجاه استبعاد وضع تعريف دولي للإرهاب من جانب مؤتمر قمة مواجهة الإرهاب الذي دعت إليه الولاياتالمتحدة في العاصمة واشنطن يومي الأربعاء والخميس المقبلين. وتبدو إشكالية وضع تعريف دولي للإرهاب نقطة مفصلية في توحيد الجهود الدولية في هذا الشأن، ونزع الصبغة السياسية عن تلك الجهود، وهو الأمر الذي تعاني منه التجربة المصرية الحالية، ففي حين تعلن الولاياتالمتحدةالأمريكية عن حربها علي الإرهاب ال«داعشي» في سوريا والعراق، تتجاهل الإرهاب الإخواني في مصر، حيث لا تقع جماعة الإخوان وتنظيم «داعش» في إطار مصطلح شامل للإرهاب من وجهة النظر الأمريكية، وهي «وجهة نظر» لها أصداؤها بالقطع في الغرب استناداً إلي النفوذ الأمريكي. من جهة أخرى، تشير دراسات عدة إلي أن نجاح بعض تلك التيارات الإرهابية، علي نحو ما حققه من قبل تنظيم «القاعدة»، ويحققه الآن تنظيم «داعش»، يجعل منها قبلة لغيرها من الجماعات المتطرفة والتكفيرية، ويزيل ما بينها من اختلافات فكرية ومنهجية، باعتبار الهدف، إلي حد كبير، بات قاسماً مشتركاً لا يمكن تجاهله، وفي ذلك تفسير للمدد البشري الذي يلقاه تنظيم داعش من أبناء دول عديدة، علي نحو زاد من استشعار المجتمعات الغربية بخطورة الموقف. بيد أن إستراتيجية مصرية محددة ومعلنة، لا ينبغي أن تتأخر كثيراً عن طرح نفسها أمام الرأي العام أولاً، وكذلك أمام العالم بأسره، وهو أمر ينبغي أن يستند إلي خصوصية الحالة المصرية، باعتبارها منشأ جماعة الإخوان الإرهابية، بمرجعيتها لدى كافة المنظمات الراديكالية المسلحة. في هذا السياق، لا ينبغي أن ينال أي تقليل من رغبة الدولة المصرية في إعلاء شأن الجهود الدولية لمواجهة الإرهاب؛ فليس الأمر علي هذا النحو من التبسيط، وليس في ذلك أيضاً ما يشل اليد المصرية عن معاقبة تلك التنظيمات الإرهابية، غير أن استراتيجية وطنية، تستوعب مفهوماً دولياً للإرهاب، وتستدعي جهداً دولياً، لا ينبغي أن تتمهل كثيراً.