لا يمنعنا ما يبديه القطب الأمريكي من «حرص» علي مكافحة إرهاب تنظيم داعش من الإشارة إلي أن الممارسات والسياسات الأمريكية شكلت بيئة مناسبة لتكاثر الجماعات المتطرفة في المنطقة، ما جعل منها موطناً ومرتكزاً لنشر الإرهاب، وترويج دوره في الصراع الدولي بما يتسق وأهداف ومصالح القوى المعادية لمصالح شعوب المنطقة. فليست الولاياتالمتحدة تنكر علاقاتها القديمة والممتدة مع كثير من الجماعات المسلحة والمتطرفة، وليس يخفي كذلك أن تنظيم داعش نشأ في العراق في أعقاب الاحتلال الأمريكي له في مارس 2003؛ ومن ثم كان امتداد نفوذه إلي سوريا طبيعياً في ظل ما تشهده من ضعف سيطرة الدولة السورية علي كثير من مناطقها. وعليه، فلو أن الإرهاب هدف حقيقي للولايات المتحدة، وليس أداة من أدوات سياستها الخارجية، لما كان لها أن تنتظر تفاقم ما خلفته من آثار خطيرة علي أمن المنطقة، حتى نجح تنظيم داعش الإرهابي في السيطرة علي مساحات واسعة في سورياوالعراق، إلي حد إعلانه نهاية مايو الماضي تأسيس ما اسماها «دولة الخلافة» في المناطق التي احتلها في البلدين، إلي أن تراجعت مؤخراً قوة تغلغل التنظيم بفعل الضربات الجوية الأمريكية. ولعل تعدد الجنسيات الأوروبية التي يضمها تنظيم داعش يشير إلي تجاوز الفكر الإرهابي لمختلف الحدود وصولاً إلي ترسيخ دعائمه في المجتمعات الأوروبية، وهو ما دعا الولاياتالمتحدة إلي الإعلان عن خطورة تزايد حالات التجنيد الأوروبي داخل صفوف التنظيم الإرهابي، الأمر الذي لا يمكن أن تقتصر مواجهته بعمليات سحب جوازات السفر من أعضاء التنظيم حال عودتهم إلي بلادهم في أوروبا. غير أن تحالفاً دولياً علي غرار ما أعلنته الولاياتالمتحدة، ويضم إلي جوارها عدة دول أوروبية فضلاً عن تركيا وكندا واستراليا، وهو التحالف المنتظر التوسع في عدد أعضائه، لا يملك فرصاً قوية لاقتلاع جذور الإرهاب من المنطقة، ما لم يتأسس وفق رؤية إقليمية دولية مشتركة، تتوحد فيها الأهداف، وعلي أسس متينة لا يشوبها محاولات توريط المنطقة في المزيد من الصراعات المسلحة التي باتت تمزق الجسد العربي، ولعل في ذلك إشارة واضحة إلي ما جاء علي لسان وزير الخارجية الأمريكي في معرض حديثه عن قوات التحالف «الدولي» من أن التدخل البرى ضد تنظيم داعش «خط أحمر» لا يمكن تجاوزه، ما يعني أن أطرافاً «إقليمية» لها أن تنهض بذلك.! من هنا فإن جهود دول المنطقة، وآخرها مؤتمر جدة، لا ينبغي أن تنتظر دوراً تحدده، وترسم ملامحه وخطواته، إستراتيجية أمريكية لطالما غابت عنها مصالح شعوب المنطقة؛ ومن ثم فإن جهداً إقليمياً بات حقاً لنا أن نتوقعه معبراً عن قدرات دول المنطقة، ومدى تحمل قياداتها للمسئولية القومية التاريخية الملقاة علي عاتقهم في مواجهة الأطماع التوسعية للتنظيم الإرهابي، الذي لن يتراخي عن النهوض بدوره في إعلاء مصالح أعداء المنطقة، وتمرير وتبرير تواجدهم فيها. فلطالما نهضت الصراعات الداخلية بدور بارز في تنفيذ المخططات الخارجية الرامية إلي زعزعة أمن واستقرار المنطقة، وتقسيم البعض من دولها، تهيئة لنفاذ القوى الخارجية إلي مآربها في المنطقة، تحت زعم مكافحة الإرهاب. ولعل دلالات غير مرغوب فيها، لا تغيب عن كل تحليل دقيق لمضمون حديث الرئيس الأمريكي أوباما حين تناول الاستراتيجية الأمريكية في خطابه من البيت الأبيض إلي الأمة الأمريكية، فجاء فيه بشأن محاربة تنظيم داعش أن «المعركة طويلة الأمد وقد تستغرق ثلاثة أعوام»!، فضلاً عن رغبة أوباما في «بناء تحالفات إقليمية ودولية لمكافحة إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية»، لاحظ تفضيل أوباما «تنظيم الدولة الإسلامية» علي مسمي «داعش».! وتبقي إشارة واجبة، لا تشير إلي اختزال المنطقة في مصر، قدر ما تضع الأمور في نصابها الصحيح؛ ذلك أن «الإرهاب» لو بات بالفعل هدفاً حقيقياً لجهود القطب الأمريكي، لكانت لمحاربته في مصر أصداء أخرى بموجبها تتبدل السياسة الأمريكية تجاه الأوضاع في مصر، وهي تواجه إرهاباً هو «الأصل» فيما يزعم أوباما خطورة إحدى صوره علي المصالح الأمريكية.! «الوفد»