«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصطلح الشرق الأوسط تحققت ولادته عام 1902
نشر في الوفد يوم 03 - 02 - 2015

يأتي هذا الكتاب في إطار التحليل السياسي الذي اتبعه المؤلف لسياسة أوروبا الغربية في منطقة الشرق الأوسط، فيما تشكل مقولاته حلقة جديدة في سلسلة اهتمامات المؤلف بالمنطقة، لأنه بدأ دراسته لعلاقة هذا الثنائي السياسي ما بين أوروبا إلى الشرق الأوسط بكتاب عن أوروبا والشرق الأوسط، وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.
وهي الفترة التي أعلنت فيها أوروبا الغربية عن تشجيعها لما يصفه المؤلف بأنه عمليات التحرير السياسي في المنطقة، وكانت تتبع في ذلك سياسة انطلقت من عوامل شتى من الإيجابيات والسلبيات. أما هذا الكتاب فهو يحلل مضامين أهداف السياسات الأوروبية الغربية.
ولكن بعد الأحداث الفاصلة التي شهدتها السنوات الخمس الأخيرة، وأطلق عليها المحللون وصف الربيع العربي وهي الظاهرة التي بدأت كما هو معروف من تونس ومن ثم في مصر. فيما لاتزال عواقبها الخطيرة ماثلة في أقطار أخرى تواجه مشكلات بالغة القسوة ما بين سوريا إلى اليمن وغيرهما.
ويحلل هذا الكتاب سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه هذه التطورات في مجموعها، وهي سياسات تمليها مصالح الطرف الأوروبي بالدرجة الأولى، سواء كانت مصالح اقتصادية وفي مقدمتها إمدادات الطاقة على وجه الخصوص، أو كانت مصالح استراتيجية يجسدها بدورها ضرورات أمن الأصقاع الجنوبية من أوروبا الغربية المطلة على البحر المتوسط.
حارت البشرية في تحديد بُعْد الزمان والمكان بالنسبة للمصطلح الذي أصبح متداولاً وشائعاً على مستوى عالمنا بأسره، المصطلح هو: الشرق الأوسط.
من حيث الزمان يكاد علماء التاريخ السياسي المعاصر يقفون عند عام 1902 الذي يتصورون أنه العام الذي تبلور فيها مصطلح الشرق الأوسط بوصفه المنطقة التي تجمع بين قارة آسيا من أقصى غربها، وقارة إفريقيا عند تخومها الشمالية، ولاسيما تلك المطلة على البحر الأبيض المتوسط.
في هذا السياق يذهب معجم المصطلحات التاريخية إلى أن البعد الجغرافي للمنطقة التي تحمل اسم الشرق الأوسط يبدأ من تركيا شمالاً، إلى خليج عدن جنوباً، فيما يمتد أيضاً من ربوع وسط آسيا ثم غربها وحتى الأصقاع المغاربية (العربية) المطلة على المحيط الأطلسي.
وعندما يقف المؤرخون الغربيون بالذات عند سنة 1902 فلأنها كانت سنة فاصلة مع مطلع القرن العشرين، حيث مهدت لتوقيع الاتفاق الودي بين أكبر اثنتين من قوى الاستعمار وهما إنجلترا وفرنسا، وكان تاريخ الاتفاق المذكور هو عام 1904 حيث أُطلقت يد إنجلترا في المشرق (العربي) فيما أُطلقت يد فرنسا في المغرب (العربي أيضاً).
لكن تاريخ العالم يقف من جانبه عند أحداث فاصلة بحق وهي أيضاً متوازية مع هذه البدايات من طرح مصطلح الشرق الأوسط.
في هذه الفترة من عامي 1902- 1905، شهد العالم أولاً إعلان نظرية ألبرت أينشتاين في النسبية، كما انبهر عند تحليق أول طائرة في تاريخ البشرية على يد الأخوين ويلبور وأورفيل رايت في أميركا.
بيد أن المصطلح المذكور كان قد سبقه مصطلح آخر ربما يجسد مفاهيم أكثر تحديداً وهو المصطلح التالي: الشرق الأدنى.
وكانوا يقصدون به مع أفول القرن التاسع عشر، تلك المنطقة الواقعة بين غرب آسيا وشمالي إفريقيا التي كانت تحت سيطرة الدولة العثمانية أو السلطنة التركية، وكانت لغتها العربية، ويغلب على أهلها التدين بدين الإسلام.
حدث خلال الحرب العالمية
أياً كان الأمر فالحاصل أن ظل التعبير يراوح مكانه متأرجحاً بين شرق أوسط وشرق أدنى، حتى اندلعت الحرب العالمية الثانية مع مطلع أربعينات القرن الماضي، فإذا بإنجلترا والحلفاء، ولأسباب استراتيجية – عسكرية يختارون القاهرة مقراً لقيادتهم، وأطلقوا عليه عنوان مركز العمليات الاستراتيجية في الشرق الأوسط.
وفيما شهدت الخمسينات وردح طويل من ستينات القرن أسبقية لمصطلح العالم العربي - وطن القومية العربية، فقد أسفرت تراجيديا حرب يونيو 1967 عن عودة غالبة هذه المرة لمصطلح الشرق الأوسط الذي أصبح تعبيراً مفضلاً للدلالة بالذات على أبعاد الصراع العربي (الفلسطيني) - الإسرائيلي (الصهيوني)، وهو المصطلح الذي اختارت استخدامه ومن ثم أشاعته منظومة الأمم المتحدة، ابتداء من أواخر الستينات وحتى الوقت الحاضر.
لكن بحكم التقارب الجغرافي عبر المتوسط، فقد ظلت أوروبا الغربية معنية بالشرق الأوسط بكل ما شهدته المنطقة وماتزال تشهده من تطورات بالسلب والإيجاب على حد سواء.
من هنا نفهم عنوان الكتاب الصادر أخيراً عن جامعة أكسفورد البريطانية، والذي لم يختر له مؤلفه عبارة بديهية مثل: أوروبا والشرق الأوسط، بل جاء عنوان هذا الكتاب على النحو التالي: «أوروبا في الشرق الأوسط».
وجاء العنوان منطقياً، بل استكمالاً لكتاب سبق المؤلف إلى إصداره عن أوروبا والشرق الأوسط.
ومن ناحيته أيضاً، يحرص مؤلف الكتاب، وهو الأكاديمي الإنجليزي ريتشارد يونغز – على أن يبادر قارئه موضحاً أن علاقة أوروبا، سواء في الشرق الأوسط أو مع الشرق الأوسط، لم تكن أمراً ميسوراً ولا كانت سمناً على عسل كما قد يقال، بل كانت أقرب إلى المدّ والجزر، الشد والجذب ولهذا فالعنوان الفرعي لكتابنا يضيف المعنى التالي: فرصة أم استبعاد.
يتألف هذا الكتاب من 12 فصلاً يستهلها مؤلفنا بنظرة تحليلية على تحديات شرق أوسط جديد. وفيها يتوقف ملياً عند المتغيرات التي استّجدت على عدد من مواقع ومحاور المنطقة، وجاءت عبر السنوات الأخيرة على شكل تحولات وانتفاضات أو فلنقل ثورات أو متغيرات، بعضها يحاول أن يرسخ استقراره في تربة الواقع، وبعضها أفضى إلى تحولات سلبية، بل كارثية في بعض الأحيان، ولكنها أدت في مجملها إلى ما يصفه المؤلف بأنه إعادة رسم المعالم - الكونتورات حسب تعبير المؤلف - التي تدفع إلى تصوّر شرق أوسط جديد.
خصوصاً وأن المنطقة، كما توضح سطور الكتاب، لازالت تُراوح مكانها، أو فلنقل تتأرجح ما بين ظاهرة التحول إلى آلية المراجعات، فضلاً عن تعّرضها حتى تاريخه لعوامل شتى منها ما يدفع مسيرة التغيير إلى الأمام، ومنها ما يعوق هذه المسيرة بل إن منها ما يؤدي إلى انحراف هذه المسيرة عن الغايات التي كانت تتوخي تحقيقها.
عن أحداث سوريا وليبيا
من هنا كان بديهياً أن تتوقف فصول هذا الكتاب ملياً، ومن منظور تحليل الأحداث واستقاء عبرتها، عند ما حدث ولايزال يحدث في بلد عربي مشرقي هو سوريا، وما حدث ولايزال يحدث في بلد عربي مغاربي هو ليبيا.
على أن الكتاب يخلص منطقياً إلى ما يراه المؤلف بمثابة قضايا - حاكمة كما قد نتصورها، بمعنى أنها ما برحت تهيمن على المشهد السياسي العام في الشرق الأوسط، وفي هذا الخصوص يركز المؤلف على النقطتين التاليتين:
• أولاً الطاقة (النفط والغاز الطبيعي) والواقع الاقتصادي بشكل عام (الفصل العاشر).
• ثانياً الصراع العربي - الإسرائيلي (الفصل الحادي عشر).
على مهاد هذه الخلفية من اهتمامات مؤلف هذا الكتاب، يعمد الدكتور ريتشارد يونغز إلى انتهاج أسلوب المتابعة التحليلية لمواقف غرب أوروبا تجاه تلك الأحداث والتطورات: نلاحظ مثلاً تركيزه على تونس سواء بحكم كونها البلد العربي الرائد في مجال تحولات السنوات الخمس الأخيرة حين شهدت ما وُصف بأنه «ثورة الياسمين» التي اندلعت مع اندلاع الحريق الذي أشعله الشاب بوعزيزي في أسواق المدينة، ثم باعتبارها البلد الذي أوشك أن ينهي خارطة طريق التحولات التي أعقبت إزاحة النظام القديم.
هنا يرصد الكتاب تطورات المشهد التونسي، موضحاً أن هناك من أفراد الشعب في البلد العربي – المغاربي من لايزالون متشككين في جدوى مآلات هذه التطورات، وهو ما يشهد به – كما يلاحظ الكتاب - انخفاض حجم الإقبال على صناديق الاقتراع سواء في اختيارات الرئاسة أو في انتخابات مجلس النواب. عند هذا الموضع من الكتاب تتحول بوصلة اهتمام المؤلف إلى الاتحاد الأوروبي.
وهنا يوجه الكتاب انتقاداته إلى هذه المنظومة التي تضم، كما هو معروف، دول الغرب الأوروبي حيث يقول: لا يملك أكثر المحللين تعاطفاً سوى الاعتراف بأن الحكومات الأوروبية فشلت في الارتقاء إلى مستوى التحديات التي أصبح يجسدها شرق أوسط جديد أعيد رسم معالمه بصورة جذرية.
مؤثرات الحقبة الاستعمارية
والحاصل، كما توضح طروحات هذا الكتاب، أن قوى وفعاليات كثيرة ظلت تحاول التأثير في مجريات الأمور في المنطقة حتى منذ انتهاء الحقبة الاستعمارية، وهي فترة السيطرة الاستغلالية التي دامت في بعض أنحاء الشرق الأوسط إلى عقد الستينات من القرن العشرين.
على أن الأهداف التي ظلت هذه القوى - من غرب أوروبا بالذات – تحاول التوصل إليها، كانت متباينة من دولة إلى أخرى حسب المصالح الخاصة لكل دولة، حتى ولو كان يضمها – كما ألمحنا - منظومة جامعة تحمل عنوان الاتحاد الأوروبي.
وقد كان هناك دول تسعى إلى تأمين حدودها المتوسطية في الجنوب الأوروبي بالذات - من خلال توسيع آفاق التعاطي مع ما ظل يجري عبر السنوات الخمس الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط، ولم يكن الأمر مقتصراً على حكاية أمن الحدود، أو فلنقل أمن الثغور كما يقول المصطلح العربي الكلاسيكي، بقدر ما ضمت هذه الأهداف جهوداً ترمي إلى تحجيم وترشيد تيارات الهجرات المتدفقة إلى أوروبا وأصقاعها الجنوبية بالذات، وكانت ناشئة عن منطقة الشرق الأوسط في بعديْها العربي والإفريقي على السواء.
وفي هذا الإطار عادت قوى عدة من المنطقة كي تمارس ما رأته فرصاً سانحة للتأثير في المشهد السياسي الذي أسفرت عنه ديناميات ظاهرة الربيع العربي.
وفي مقدمة هذه القوى – كما يوضح المؤلف - كانت تركيا التي عاودت تحركها على صعيد الشرق الأوسط في محاولة ترمي إلى استثمار، أو إعادة استثمار، تاريخ طويل وحافل من علاقات أنقرة وإسطنبول مع أقطار المشرق والمغرب العربي، وهو تاريخ يمتد بداهة إلى أول سنة تعاطت فيه تركيا العثمانية مع الشرق الأوسط العربي المسلم، وكانت بالتحديد سنة 1516 للميلاد.
وبعدها ظلت علاقات التعاطي متواصلة بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وحتى حلول سنوات العقدين الأول والثاني من القرن العشرين.
وفي المواضع الأخيرة من الكتاب، يكاد المؤلف يسلّم بما سبق وأن أبدته أوروبا الغربية من مظاهر المؤازرة والتفهّم للأوضاع التي أسفرت عنها ظاهرة الربيع العربي، لكن المقولات شبه الختامية لا تلبث أن تعترف بأن التأييد الأوروبي أصبح خاضعاً لحالات من المراجعة أو التريث أو التحفظ.
دور ضئيل لأوروبا في حفز الانتفاضات
النقطة التي تهم القارئ العربي في سياق هذا الموضوع إنما تتمثل في الاعتراف الموضوعي الذي يسجله المؤلف ويفنّد فيه الدعاوى التي تنسب إلى غرب أوروبا بعضاً من الفضل في تحولات الشرق الأوسط التي حمل بعضها – كما هو معروف - وصف «الربيع العربي».
وهنا يضيف المؤلف قائلاً: إن الاتحاد الأوروبي قام بدور أكثر من ضئيل في حفز الانتفاضات الاجتماعية التي شهدها العالم العربي، وعلى النقيض من ذلك، فإنه بات مطالباً بأن يرسم استراتيجيات جديدة يتسنى معها الاستجابة لعمليات الإصلاح الجارية حالياً في منطقة الشرق الأوسط، وهي العملية التي بدأت (في رأي المؤلف) في سنة 2010.
متغيرات السلب والإيجاب لاتزال تغمر المنطقة
يري مؤلف كتاب "أوروبا في الشرق الأوسط"، أن مثل هذه العوامل، في حال اقترانها وتفاعل مكوناتها وتبلور النتائج التي أسفرت عنها، أدت في نهاية المطاف إلى عزوف أطراف اليقظة العربية على نحو ما يقول تعبير المؤلف - عن تمهيد السبيل إلى تعاون يجمع في إطار من التواؤم الحقيقي بين الطرفين العربي والأوروبي ويؤدي إلى بناء تفاهم مجتمعي عبر البحر الأبيض المتوسط.
هنا أيضاً يؤكد المؤلف أهمية أن تتدارس أوروبا الغربية، بأسلوب التعمق والتأني الموضوعي - تطورات ومآلات الأمور الحالية في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً وأن متغيرات السلب والإيجاب لاتزال تغمرها وتؤثر في سياساتها ما بين العراق شرقاً إلى تونس غرباً.
وما بين سوريا شمالاً إلى اليمن جنوباً، فضلاً عن مصر بحكم موقعها المتوسط في المركز الجغرافي، ثم موقعها المتوسطي إلى جنوبي البحر الأبيض، كل هذه التطورات سوف يكون لها تأثيرها البالغ في المصالح الاستراتيجية والاقتصادية لدول غرب أوروبا.
وبمعنى أن انشغال المنطقة الأوروبية بأمور المنطقة الشرق أوسطية لن يكون مقتصراً على الاهتمام السياسي أو الانشغال الأكاديمي بقدر ما أنه يظل - في تأكيد الكتاب أيضاً - عاملاً حاسماً إن لم يكن حيوياً في تطورات الأمور على صعيد الاتحاد الأوروبي نفسه عبر المستقبل القريب والبعيد على السواء.
هنا أيضاً يقف المؤلف عند نقطة مهمة من حيث تطورات النفوذ أو التأثير الأوروبي في مجريات الأمور في منطقة الشرق الأوسط: يذهب إلى أن راسمي السياسات في بروكسل - مقر الاتحاد الأوروبي أو في عواصم هذه الدولة الأوروبية أو تلك - كان عليهم أن يدركوا أن نفوذ هذا الكيان الغرب - أوروبي أصبح مستضعفاً، سواء بفعل تطورات – تعقيدات ظاهرة الربيع العربي أو من حيث اقتران عواقب هذه الظاهرة مع المشكلات المالية التي ما برحت تواجهها العملة الأوروبية الموحدة بسبب أزمة 2008 المالية، تلك التي مازالت تحمل عنوان أزمة اليورو.
المؤلف في سطور
عمل الدكتور ريتشارد يونغز كبيراً للباحثين في المؤسسة الإسبانية للعلاقات الدولية والحوار في مدريد، وهو أصلاً من الأساتذة المحاضرين في قسم العلوم السياسية والدراسات الدولية بجامعة وورويك بالمملكة المتحدة. وقد التحق المؤلف أيضاً باحثاً في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي.
وسبق له أن كان زميلاً باحثاً في مؤسسة ماري كوري التابعة للاتحاد الأوروبي في المعهد النرويجي للعلاقات الدولية، فضلاً عن سابق خدمته في موقع كبير المحللين السياسيين بوزارة الخارجية البريطانية في لندن. كما عمل خلال عامي 2012 و2013 كبيراً للباحثين السياسيين في أكاديمية - عبر الأطلسي في العاصمة الأميركية واشنطن.
عدد الصفحات: 240 صفحة
الناشر: مطبعة جامعة أكسفورد، لندن، 2015
نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.