قال المستشار إبراهيم الهنيدي، وزير العدالة الانتقالية وشئون مجلس النواب، إن مصر عقب ثورتي 25 يناير 2011، و30 يونيه 2013، مرت بمرحلة انتقالية كشفت عن رغبة الشعب المصري العظيم في التغيير والتطوير، وأظهرت إرادته في وأد نظامين استبداديين، والتحول لنظام ديمقراطي بناء يعطي للحقوق والحريات كل حماية، بغية الانطلاق بمصر إلى آفاق المستقبل، ووضعها في إطارها الحقيقي من الحضارة والازدهار. وأضاف الوزير، خلال كلمته اليوم الجمعة، في ورشة عمل بعنوان "الهيئة الدائمة لإدارة الانتخابات في مصر: تنظيمها ومسئولياتها" بمدينة العين السخنة، أنه منذ 3يوليو 2013 تم الاتفاق على خارطة طريق واضحة المعالم لإعداد دستور جديد يتفق والمعايير الدولية لحقوق المواطنين، ويستكمل بناء دولة ديمقراطية حديثة، للتحرر من أخطاء الماضي الأليم، واستنهاض الحاضر، وشق الطريق إلى المستقبل، واستكمال خارطة الطريق معالمها وملامحها بانتخاب رئيس جمهورية للبلاد ثم إجراء انتخابات برلمانية، مشيرًا إلى تحقق الاستحقاقان الأول والثاني بمنتهى النزاهة والشفافية، وفقًا لما رآه المحايدون والمراقبون الدوليون قبل المحليين، وأنه جاري الانتهاء خلال الأسابيع القادمة من الاستحقاق الأخير لخارطة الطريق بإجراء انتخابات البرلمان الجديد. وتابع الهنيدي أن مبدأ الشعب مصدر السلطات مستقر في أدبيات العلوم السياسية وكل النظم الديمقراطية الحديثة، وأن الاعتراف بهذا المبدأ لا يحتاج مجرد النص عليه في وثيقة دستورية خاصة بعد التماسه على أرض الواقع على مدار الأعوام السابقة، مؤكدًا أن الشعب المصري كان ولازال واعيًا لمفهوم النظام الديمقراطي الحقيقي الذي يقوم على أسس قانونية، وأطر مؤسسية وفقًا للقواعد المستقرة في هذا الشأن من خلال تداول سلمي للسلطة عبر انتخابات حرة دورية تنافسية نزيهة تتم من خلال اقتراع سري مباشر وفقًا لقانون عادل تحت إشراف جهات محلية ودولية محايدة ويكون بعدها في مصر معارضة قوية قادرة على كشف أخطاء الحزب أو التيار الفائز بالسلطة، وتقدم البدائل في السياسات والأشخاص، مع ضمان الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين دون تمييز. ولفت الوزير إلى أن الشعب المصري - على اختلاف طوائفه وأنماطه – يؤمن بالديمقراطية طريقاً ومستقبلاً وأسلوب حياة، وبالتعددية السياسي، وبالتداول السلمي للسلطة، موضحًا أن هذه هي المبادئ التي تقوم عليها مصرنا الآن، وتعد هي الركائز الأساسية لتنفيذ الاستحقاق الثالث من خارطة الطريق. وفى السياق ذاته، أكد الوزيرأنه مما لاشك فيه، أن تقدم أي دولة، ومعيار رقيها وازدهارها يكمن في نظامها القانوني ومدي تلبية هذه القوانين لحاجات المجتمع، وكيفية تنظيمها لسلوك أفراده، منوّها بأن سيادة القانون هي أساس الحكم في الدولة، وأنه يتعين من أجل خلق دولة حديثة مزدهرة وضع كل المقومات التي تكفل وحدة النظام القانوني وضمان تطوره، حتى يعبر عن ضمير المجتمع واحتياجاته وقيمه في نظرة تقدمية شاملة تعكس آمال الشعب وتطلعاته وتكفل استمرار حركته وتطوره. وتابع الهنيدي أنه إذا كان القانون بحكم كونه وليد المجتمع يتطور وينمو بتطوره ونموه، ومن ثم فلقد ظهرت الحاجة والضرورة بعد ثورتي 25 يناير 2011 و30 يونيه 2013 إلى الإصلاح التشريعي لمنظومة القوانين القائمة والسارية في مصر حتى تتسق وتتوافق مع المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها البلاد في المرحلة الحالية، وحتى تتفق مع أحكام ونصوص الدستور الحالي لمصر 2014، الأمر الذي دعا الحكومة إلى وضع ذلك نصب عينيها، بعد تحقق الاستحقاق الثاني لخارطة الطريق، ووضع القوانين والتشريعات المصرية، مع مراعاة أهمية إعادة دراستها وبحثها وصياغتها الصياغة المثلي، التي تسمو فيها المبادئ التي نظمها الدستور المصري الجديد، وما طالبت به القوى الشعبية في ثورتي مصر المجيدتين. وأكد الوزير أن نشاء اللجنة العليا للإصلاح التشريعي بموجب قرار جمهوري صدر في يوليو 2014 جاء من أجل تنفيذ تلك المطالب، حيث كان على رأس اختصاص تلك اللجنة إعداد دراسة وبحث جميع مشروعات القوانين والقرارات الجمهورية، وقرارات رئيس مجلس الوزراء، وتوحيد الموضوعات المتجانسة فيها، وإزالة التعارض فيما بينها وتيسير وتسهيل سبل التقاضي والوصول للعدالة الناجزة، معتبرًا أن قانون الهيئة الوطنية للانتخابات يعد من ضمن القوانين المعروضة الآن على اللجنة العليا؛ لصياغته في ضوء النصوص الحاكمة المتعلقة بها الواردة في الدستور، وعلى ضوء التشريعات المقارنة والتجارب العالمية في هذا المجال، بما يتناسب مع الطبيعة الفريدة والشخصية المتفردة للمجتمع المصري. وأضاف الهنيدي أنه إذا كانت الديمقراطيات لا تولد إلا من رحم الشعوب، والتي تعبر عنها من خلال انتخابات حرة نزيهة، فإن المتبع في مختلف دول العالم أن تتولى أجهزة دائمة الإشراف على الانتخابات والاستفتاءات، وهي إما أجهزة حكومية أو مستقلة أو مختلطة، مشيرًا إلى أن الاتجاه السائد الآن في الديمقراطيات الحديثة هو اضطلاع كيانات مستقلة بإدارة الاستفتاءات والانتخابات بمختلف أنواعها، والتي تتوافر لها الاستقلالية والديمومة والحيدة، بما من شأنه بناء جسور الثقة بين الناخب والجهة المسئولة عن العملية الانتخابية وتعزيز المصداقية في كل أعمالها وما تعلنه من نتائج. ولفت الوزير إلى أنه على رغم ما شهدته الإدارة الانتخابية في مصر في الآونة الأخيرة من تطور ملحوظ، إلا أنه نظرًا لعدم وجود كيان واحد دائم يضطلع بمهام تلك الإدارة فإن العملية الانتخابية مازالت تعاني من بعض المثالب، أهمها تغيير تشكيل الإدارة الانتخابية والأمانة الفنية من فترة إلى أخرى وفقًا لتغير شخص من يتولى المنصب، فضلاً عن عدم وجود هيكل إداري دائم مما أدى إلي صعوبة إعداد كوادر متخصصة مدربة والافتقار إلى تراكم الخبرات. وتابع الهنيدي أنه بعد ثورتي الخامس والعشرين من يناير 2011 والثلاثين من يونيو 2013، انضمت مصر إلى مصاف الدول التي تسعى إلى تحقيق الديمقراطية لبناء مستقبلها، ومن هنا جاء دستور البلاد ليحمل بين نصوصه قواعد جديدة لإعادة الانتخابات والاستفتاءات في مصر لأول مرة في تاريخها من خلال إنشاء هيئة وطنية مستقلة للانتخابات، مؤكدًا أنه إذا كان الشعب المصري- وبعد الاستفتاء على الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية- قد نجح في إنجاز استحقاقين رئيسين من استحقاقات خارطة المستقبل كما أسلفنا، فقد بقى الاستحقاق الثالث والذي لا يقل أهمية عنهما، وهو الانتخابات النيابية والذي يبدأ بعده مباشرة عمل الهيئة الوطنية للانتخابات ككيان دائم ومستقل في إدارة أي انتخابات أو استفتاءات قادمة، بل وإن اقتضت الضرورة إلى إجراء أي انتخاب أو استفتاء قبل تلك الانتخابات فستتولى الهيئة إدارته والإشراف عليه. وذكر الهنيدي أنه إذا كان الدستور المصري قد وضح في المواد 208، 209، 210 منه الملامح الأساسية لهذه الهيئة، بتحديد اختصاصاتها ومجلس إدارتها وجهازها التنفيذي، وتنظيم الطعون على قراراتها، فإن قانون إنشائها، المنظور مشروعه حاليًا أمام اللجنة العليا للإصلاح التشريعي، إبان صورة مفصلة دقيقة لتلك الملامح، محددًا لها، وأنه سوف يعرض هذا المشروع فور الانتهاء منه على البرلمان القادم؛ لإصداره وفقًا للمادة 121/4 من الدستور الجديد.