«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذه ناقة الله.. " قصة صالح عليه السّلام "
نشر في الوفد يوم 05 - 08 - 2011

في سنة 9 من الهجرة.. كانَ الجيشُ الإسلاميّ بقيادة سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وآله يُواصلُ زَحفَهُ باتّجاهِ منطقةِ تَبُوك، وذلك لمواجهةِ حُشودِ الرُّومانِ العسكرية في شَمالِ شِبهِ الجزيرةِ العربية.
كانت الرِّحلةُ شاقّة جداً.. وكان جنودُ الإسلام يَشعُرونَ بالتَّعبِ والظَّمأ... مِن أجل هذا أمَرَ سيّدُنا محمّد صلّى الله عليه وآله بالتوقّفِ في « وادي القرى » قريباً من منطقةِ تَبُوك.
عَسْكرَ الجيشُ الإسلاميّ قربَ الجِبال، وكانت هناك منطقةٌ أثريّة وخرائبُ وآبارٌ للمياه.
تساءلَ البعضُ عن هذه الآثار، فقيل إنها تَعود إلى قبيلةِ ثَمود التي كانت تَقطِنُ في هذا المكان.
نهى سيّدُنا محمّد صلّى الله عليه وآله المسلمينَ عن شربِ مياهِ تلك الآبار، دَلّهم على عَينٍ قُربَ الجبال... وقالَ لهم إنها العَينُ التي كانت ناقةُ صالح تَشرَبُ منها.
حَذّرَ رسولُ الله محمّد صلّى الله عليه وآله جنودَه من دخولِ تلك الآثار إلاّ للاعتبار من مصيرِ تلك القبييلةِ التي حَلَّت بها اللعنةُ فأصبحت أثراً بَعدَ عَيْن.
فمَن هي قبيلةُ ثَمود ؟ وما هي قصةُ سيّدنا صالح عليه السّلام ؟
في تلك الوِديانِ الفسيحةِ التي تُدعى « وادي القرى » في شَمالِ شبهِ جزيرةِ العرب وفي عصورِ ما قبلَ التاريخ عاشت قبيلةُ ثَمود.
وقبيلةُ ثَمود من القبائل العربية البائدة التي لم يَرِد لها ذِكرٌ في التاريخ الانساني... سوى ما وَرَد من قصّتهم في القرآن الكريم أو في أحاديث سيّدنا محمد صلّى الله عليه وآله.
* * *
ظَهَرت هذه القبيلةُ بعد أن بادَت قبائلُ عادٍ في وادي الأحقاف.
اشتَغل أهلُها بالزراعة، يَحفرون الآبارَ ويَحرِثون الحُقول، ويَنحِتُون بيوتَهم في قلبِ الجبال.. وكانت مَواشيهم ترعى في المُروج بسلام. فازدهرت بساتينُهم ومزارعُهم وأصبحت مُحمّلةً بالثمار.
هكذا كانت تعيش قبيلةُ ثَمود.
وبدلَ أن يَشكُروا الله ويَعبُدوه... طغى الأثرياءُ والمُترَفونَ، واتَّجه أفرادُ تلك القبيلةِ إلى عبادةِ الأوثان مِن دُونِ الله.
وفي تلك الفترة عاشَ سيّدنا صالح عليه السّلام. كان إنساناً طيّباً وحكيماً. وكان الناسُ يُحبّونه كثيراً لِما عُرِف عنه من الخِصال الحَميدة والصفات الحَسَنة... وكانَ بعضُ أفرادِ القبيلة يفكّرونَ بأنّ صالحاً سيكون له شأنٌ ومنزلة، وربّما سَيَرأس قبيلةَ ثَمود القويّة.
اللهُ سبحانه اختارَ سيّدَنا صالح ليكونَ رسولاً إلى قبيلتِه، لينهى الناسَ عن عبادةِ الأوثان ويعبدوا الله وحدَه.
سيّدنا صالح كان يَعرِفُ أنّ عبادةَ الأوثان مُتأصِّلة في قلوبهم؛ لأنها عبادةُ الآباءِ والأجداد.. وكان يَعرِفُ أنّ زُعَماءَ القبيلةِ أُناسٌ مُفسِدون لا يُحبّون الخير... وهم يَبطِشون بكلِّ مَن يدعو الناسَ إلى الانصرافِ عن عبادةِ الأصنام.
ولكن سيّدنا صالح عليه السّلام هو نبيُّ الله ورسولُه وهو لا يخاف أحداً غير الله عزّوجلّ.
لهذا أعلَنَ سيّدُنا صالح دعوتَهُ وبَشّر برسالته، ومِن هُنا بدأ الصراع.
بدأ الخيرُ صراعَهُ ضدَّ الشرّ، وبدأ النبيُّ المؤمنُ صراعَهُ ضدَّ الأشرارِ الكافرين.
وكان في قبيلةِ ثَمود تِسعةُ رجالٍ أقوياء، وكانوا جميعاً يُفسِدون في الأرضِ ولا يُصلِحون.
كانوا يَكرَهونَ الخَير ويَميلون إلى الشرّ.
الصخرةُ المقدّسة
ذاتَ يومٍ.. ذهبَ أفرادُ القبيلةِ إلى صخرةٍ كبيرة في الجبل كانوا يَعبُدونها منذ زمنٍ بعيد.. الأطفالُ كانوا يشاهدونَ آباءهم يعبدونَ تلك الصخرةَ فعَبَدوها مِثلَهُم.. وعندما كَبروا ظلّوا يعبدونها أيضاً.
الصخرةُ أصبحت مقدّسةً لدى القبيلة.. الناسُ يَذبَحونَ عندها الخِراف.. ويُقدّمون لها القَرابين، ويَطلبون منها الرزقَ والبركة!!
ورأى صالح عليه السّلام ما يفعلُ قومُه، فحزَنَ من أجلهم.. لهذا ذهبَ إليهم عند الصخرةِ المقدّسة!!
قالَ لهم سيّدُنا صالح: يا قوم، اعبُدوا الله، ما لَكُم من إلهٍ غيرِه.
قالَ بعضُهم: كيف نَعبدُه وحدَه ؟!
قال صالح عليه السّلام: لأنّه هو الذي خَلَقَكُم وهو الذي يَرزُقُكم.
قالوا: إن الله بَعيدٌ عنّا ونحن لا نَستطيعُ أن نَسأله.. لهذا فنحن نعبدُ بعضَ مخلوقاتهِ الشريفة.. وهو قد فَوّضَها أمرَنا، فنحن نتقرّبُ إليها حتّى يَرضى عنا.
قالَ صالح عليه السّلام بحزنٍ: يا قوم، إنّ الله هو الذي أنشأكُم وهو الذي أرسَلَني إليكُم لِتَعبُدوه وحدَه ولا تُشرِكوا بعبادتهِ أحَداً..
يا قوم، استغفِروا ربَّكُم ثُمَّ تُوبوا إليه إن ربّي قريبٌ مُجيب.
قالوا: « يا صالحُ قد كُنتَ فينا مَرْجُوّاً ».. كنا نأمَلُ أن نُفيدَ مِن عقلِك وحِكمتِك.. وها أنت تأتينا بالأعاجيب.. كيف تَدْعونا أن نَترُكَ الآلهة.. كيف تَدْعونا إلى أن نَترُكَ ما كانَ يَعبُدُ آباؤنا وأجدادُنا ؟!
لقد أصبَحنا نَشُكُّ في أمرك.. لقد جُنِنتَ يا صالح!!
قالَ صالح عليه السّلام: لقد أرسَلَني الله إليكم لتعبدوه، وأنا لا أطلبُ على ذلك أجراً من أحدٍ ولا أعبُدُ أحداً إلاّ الله الذي خَلَقني.
قالوا: إذا كنتَ حقّاً رسولاً مِن الله تَستطَيعُ أن تُخرِجَ لنا مِن قلبِ هذه الصخرةِ الصمّاءِ ناقةً عَشْراء.
قال لهم النبيُّ صالح عليه السّلام: إنّ الله قادرٌ على كل شيء وهو الذي خَلَقنا جميعاً من هذا التراب.
قالوا: إنّا لا نؤمنُ برسالتِك حتى تُخرِج لنا ناقةً من قلبِ هذه الصخرة.
وصاحَ بعضُهم: نعم... وأن تكونَ عَشْراء..
أيْ في بَطنِها حَمل.
قالَ سيّدُنا صالح: سأدعو الله، فإذا فَعَل ذلك فهل تُوحّدون الله وتؤمنون بأني رسولٌ منه إليكم ؟
قالوا: نعم يا صالح، فمتى المَوعد ؟
قال لهم صالح عليه السّلام: غداً في هذا المكان.
هذه ناقةُ الله
معَ أوّلِ خيوطِ الفجر.. انطلَقَ صالحٌ صوبَ الجبلِ، حيث تُوجَدُ الصخرة الكبيرة.
إنّ ما سيفعلُه صالح عليه السّلام ليس أمراً سهلاً!! كيف يُمكن للجبلِ أن يَتمَخَّض عن ناقة ؟!
كيف يُمكن لهذه الصخرةِ الصمّاءِ أن تَتَشقَّقَ فتَخرُجَ منها ناقةٌ عَشراء ؟!
اجتَمَعت قبيلةُ ثَمود بأسرها عند الجبل... كان بعضُهم يُشكِّك، وكانَ بعضٌ ينظر إلى الجبل، وآخرون كانوا يُراقبون ما يفعله صالح من بعيد.
رأوَا صالحاً ينظرُ إلى السماء الزرقاء، ويُتَمتِمُ بكلماتٍ، كان ينظر بخشوعٍ وضَراعة، وكانوا يَرَون يدَيه تُشيرانِ إلى الجبلِ وإلى قبيلةِ ثمود.
أدركوا أنّ صالحاً يتضرّع إلى ربِّه يطلبُ منه آيةً على صِدقِ رسالته.
كان يطلب شيئاً عجيباً! يطلب ناقةً عشراء، أي مضى على حَملِها عشرةُ أشهُر تَخرُج من قلب الجبل...
سَيطَرت رهبةُ المكان على الجُموع وهي تُراقب صالحاً وتنظر إلى الجبل بصخوره الصمّاء.
جَثا سيّدنا صالح، ودَمِعَت عَيناهُ وهو يَطلبُ آيةً من ربّه، فلعلّ قومَه يَهتدون... يَعودون إلى فِطرتِهم فيعبدون الله وحده.
فجأة نهَضَ صالح، وأشار بإصبعه إلى نقطةٍ في الجبل..
سَمِع أفراد القبيلة جميعُهم صوتاً مَهيباً... صوتاً يُشبه تَشقُّقَ الصُّخور.. كان الصوتُ قويّاً مُدَوّياً.
تساقَطَت بعضُ الصخور إلى أسفلِ الوادي... ومِن بين الغُبار الخفيف ظهَرَت ناقةٌ جميلةٌ رائعة.
كانت ناقةً عَشراء حقّاً..
الناقةُ كانت وديعةً جدّاً يُحبّها المرء لأوّل نظرة.
سَجَدَ سيّدُنا صالح لله شُكراً وتعظيماً... إنها قدرةُ الله المُطلَقةُ التي تقول للشيء: كن، فيكون.
طأطأ أفرادُ القبيلةِ رؤوسَهُم إجلالاً، وسَجَدَ بعضُهم لله..
ها هُم يَرَونَ آيةً عظيمة.. أمامَ أعيُنِهم.. إنّ ما قاله صالح هو الحقّ.. إنّ الله واحدٌ لا شريكَ له.
كانوا قليلين، ولكنّ إيمانَهم كانَ إيماناً ثابتاً ثباتَ الجبل الذي خَرجَت من قلبه الناقة.
كلُّ أفرادِ القبيلة كانوا يَنظُرونَ بانبهارٍ إلى تلك المعجزة..
أصبَحَت الناقةُ رمَزاً لرسالةِ صالح.
أصبَحَت رمزاً للتوحيدِ في مُقابِل الوَثَنيّة.
الفَصيلُ الصَّغيرُ
مَرَّت ثلاثةُ أيام وأنجَبَت الناقةُ فَصيلاً جَميلاً محبوباً..
كان يُرافِقُ أُمّه دائماً يَلعَبُ قُربَها في وَداعةٍ، وكانت أُمّه ترعاه بِحَنان..
أصبَحَت الناقةُ وفَصيلُها الوديعُ رَمزاً للمحبّة والرحمة.
كلمّا شاهَدَها أحدٌ قال: هذه ناقةُ صالح.
ولكنّ سيّدنا صالحاً قالَ لهم: هذه ناقةُ الله... إنّها آيةُ السماء.. وإيّاكم أن تُؤذوها أو تمَسُّوها بِسُوءٍ، سوف تَحِلُّ بكم لعنةُ الله إذا فَعَلتم ذلك.
وتَمُرّ الأيّامُ والناقةُ تعيشُ في تلك الوديانِ الفسيحةِ.. تأكُل من أعشابِ الوادي، وتقصد بعضَ العُيونِ فتشرب الماء وتَرتَوي..
كانت تَهَبُ اللبنَ لكلّ النّاس... وكان لَبَنُها طيّباً مُبارَكاً.
الصِّراع
أصبَحَت قبيلةُ ثمود جَبهتَينِ مُتَصارعتَين.
جبهة الإيمان، وجبهة الأوثان..
في كلِّ يوم كانَ الكفّارُ يؤذون المؤمنينَ، يَسخَرونَ من إيمانهم، يقولون لهم: هل حَقّاً أنّكم تُؤمنون بأنّ صالحاً رسولٌ من الله ؟!
وكانَ المؤمنونَ يقولون: نعم إنّنا نؤمن برسالتهِ وبما جاء به من عند الله ولا نعبد غير الله.
عندها يقول الكافرون بعناد: إنّنا بما آمنتم به كافرون!
كانوا يُعلنون بصراحةٍ كُفرَهُم برسالةِ الله.
كانوا أثرياءَ أبطَرَتْهُمُ النعمةُ.. كانوا يتَصوّرون أنّهم أقوياء جداً.
وكان أكثرَهُم كُفراً تِسعَةُ رجالٍ قُساةِ القُلوب.. ليس في نُفوسِهِم رحمةٌ لأحد..
لا يعرفون شيئاً سوى مَصالحهم.. أدركوا أنّ صالحاً سيكونُ خَطَراً على نُفوذِهم.. لهذا حَقَدوا عليه.
حَقَدوا على الناقة؛ لأنها أصبَحَت رمزاً لنبوّة صالح وصدقِ رسالته.
المؤامرة
ذاتَ ليلةٍ وبعد أن نامَ الناسُ.. اجتمَعَ أولئك الرجالُ التسعةُ.. راحوا يأكلون الطَّعام بِشَراهَة... أكلَوا حتى امتلأت بُطونُهم.
ثمّ راحُوا يَشربونَ الخمرَ حتى سَكِروا.. أصبَحَت عيونُهم حمراء... كانوا يَتحدّثون عن شيء واحد، هو خَطَرُ النبيّ صالح..
تساءلوا: ماذا نفعل ؟ كيف نتخلّصُ من صالح ؟
قالَ أحدُهم: الأفضلُ أن نتخلّص من ناقته.
قالَ آخر: نَعَم، نَقتلُها، إنها الدَّليلُ على رسالتهِ... وعندما نَقتُلها سيكونُ ضَعيفاً أمامنا..
قالَ ثالث: ونَقتلُه هو الآخر.
وقالَ الرابعُ: ومَن الذي يَقتلُها ؟
الرجلُ الخامسُ قالَ: نَعَم، مَن الذي يستطيعُ قَتلَها ؟
قالَ الرجلُ السادس: أنا أعرفُ من يُمكِنهُ قَتلُها.
سألَ الرجلُ السابعُ: مَن هو ؟
تساءل الجميعُ: مَن هو ؟
قالَ الرجلُ: إنه قِيدارُ الشَّقيّ.
صاحَ الجميعُ: نَعَم، قِيدارُ الذي لا يَرحَمُ أحداً.
الجريمة
بَرقت العيونُ بالغدرِ والجريمة والقتل.. وخرجَ أحدُهم ليستدعي قيدارَ الشَّقي.
كانَ الوقتُ بعد مُنتَصفِ الليل.. وجاء قيدارُ يحملُ معه سيفَ الغدر..
سَكِرَ قيدارُ واحْمَرّت عَيناه.. كان هو الآخر يَحقِدُ على الناقة.. إنّها رمزُ الخير وهو يَكره الخير.. كان مخلوقاً شَقيّاً شرّيراً، والشرّيرُ لا يُحبّ الخير..
وعندما أغرَوهُ بالمالِ نهَضَ لينفّذَ جريمتَه.
قالَ المتآمرونَ: إلى أين يا قيدار ؟
قالَ قيدار: سأقتُلُها الليلة.
قالَ الرجالُ التسعةُ المُفسِدون: كلاّ انتظرْ حتى يطلعَ الفجر.. وعندما تذهبُ الناقة إلى الينبوعِ فإنّك تستطيعُ قَتلَها بسهولة.
طَلَع الفجرُ.. وكان قيدارُ الشّقيُّ قد أمضى الليلَ كلّه يسَكر ويُعَربِد.
أصبَح وجهُه مَخيفاً.. أصبحَ أكثرَ حُمرةً، وكانت عُروقُ وجههِ زرقاءَ فأصبح وجهَه مُرعِباً.. لو رآه إنسانٌ في تلك الحالةِ لَعَرف أن قيدار سَيَرتكبُ جريمة!
استَيقظَت الناقةُ، واستيقَظ فَصيلُها الوديعُ.. وانطَلَقا إلى النَّبعِ ليشرَبا الماء..
كان الفصيلُ سعيداً يَمرَح.. وكانت الشمسُ قد أشرَقَت قليلاً، فبَدَت المُروجُ الخُضرُ مَلاعِبَ جميلة.
كان فَصيلُ الناقة يُحبُّ اللعبَ في تلك المُروجِ الخضراء، وكانت أمّه تأخُذه إلى هناك كلَّ صباح..
ولكنْ ماذا حَدَث ذلك الصباح ؟ لماذا لم يَذهَبِ الفَصيلُ الصغيرُ ليلعب ؟
ماذا يرى ؟!
شَعَر بالخوف.. نَعَم، لقد ظَهَر قيدارُ الشَّقيُّ بوجهِه المُخيف.. ظَهَر فجأةً واعترَضَ طريقَهُما.
كانَ في يَدِه سيفٌ... أرادت الأُمُّ ان تبتَعد، ولكن قيدار بادَرَها بضربةٍ غادرة.. هَوَتِ الناقةُ المسكينةُ فوق الأرض.
وعاجَلَها قيدارُ ليطعنها في رَقَبتها... كانت تَنظُر بحزنٍ إلى فَصيلها... تُريدُ أن تَقول له: أُنْجُ بنفسِك. كانَ الفَصيلُ خائفاً مذعوراً فَرّ باتّجاه الجبل.
جاء الرجالُ التسعةُ وراحوا يَطعنونَ الناقَة بالسكاكين والخناجر.. وراحت الدِّماءُ تَسيل، تُلوّنُ الأرضَ وتصبغُ الصُّخور.
الطفولة البريئة
لَم يَكْتَفِ المجرمونَ من قبيلةِ ثمود بما فَعَلوه... كانت أيديهم مُلطَّخةً بدماء الناقةِ البَريئة.. وراحَ الوَثَنيّون يَتخَطّفون لَحمَها مثلَ الذّئاب المُتَوحِّشة..
لَم يَكتفوا بذلك، وراحوا يُطاردون الفَصيل الصغير. كان ما يزال طفلاً.. كان خائفاً مذعوراً.. راح يَتَسلّقُ صُخورَ الجبل.
كانَ يبحثُ عن مَلجأ من هذهِ الوحوِش التي تُطارده... وحوشٌ أشرَسُ من الذئاب.
وقَفَ طفلُ الناقةِ الصغير فوق قِمّةِ الجبل ينظرُ إلى أُمّه التي مَزَّقتها السكاكين، وينظر إلى المُجرمين بأيديهم الخناجرُ وهم يَتَسلّقون الجبلَ لقتله.
لم يكن هناكَ من طريقٍ للنجاة... نَظَر إلى السماء وَرَغا.. رَغا ثلاثَ مرّاتٍ قبل أن يَطعنَهُ أحدُ الوثنيّين بسكّينٍ حادّة..
وقَع الفصيلُ الصغيرُ فوق الصخور.. ونَزَفت دِماؤه لِتصبَغَ الصخورَ بلونٍ أحمرَ رائق.
انهالَ عليهِ المجرمونَ بالسَّكاكينِ الحادّةِ ومَزَّقوه بوحشيّة. حتّى الذئابُ كانت أرحمَ من أولئك القتلةِ الكافرين.
الانتقام الإلهي
استَيقَظ سيّدنا صالح والمؤمنون على هَوْلِ الجريمة... ومضى صالح والذين آمنوا ليشاهدوا ما حَلّ بناقةِ الله.
لَم يَجِدوا سِوى الدماءِ تُلوّن الأرضَ وقمّةَ الجبل..
ظَهَرت غيومٌ سَوداء في الأُفق.. وأصبَحَ الجوُّ مَشحوناً بالخَطَر.
فَرَّت كلُّ الأشياءِ الجميلة.. فهؤلاء الأشرارُ لا يُحِبّونَ الخيرَ.. قَتَلوا حيواناً وديعاً يَهَبهُم اللَّبنَ كلَّ يوم..
قَتَلوا الناقةَ؛ لأنها آيةُ الله والدليلُ على صدقِ رسالةِ صالح.
قالَ سيّدنا صالح لهم: تَمَتَّعوا في داركم ثلاثةَ أيّام فقط.. لَسَوف يَحِلُّ بِكمُ العذابُ لأنّكم قومٌ ظالمون... تَكفُرونَ برسالةِ اللهِ وتَقتلونَ ناقةَ اللهِ ولا تُحبّون الخير.
لَم يَعتذر أهلُ ثمود.. لم يَتُوبوا بل فَكّروا أيضاً بقتلِ سيّدنا صالح.. فكّروا بقتلِ أُسرته أيضاً.
مرّةً أخرى اجتَمعوا وقرّروا أن يُهاجِموا منزلَ صالح ليقتلوه هو الآخر، وبعدها يُمكِنهُم قَهرُ المؤمنينَ المُستضعَفين..
ولكنْ ماذا حصل ؟
قبلَ أن يُنفّذوا جريمتَهم الأُخرى حَدَث شيءٌ رَهيب.. كانَت الغيومُ السوداءُ تَتجمّعُ في السماء.. حَجَبَت النجومَ والقمرَ والكواكبَ، وغَرَقت الوِديانُ والجبالُ في ظُلمةٍ كثيفة.
وفي منتصفِ تلك الليلة..
إنقَضَّتْ صاعقةٌ سماويّةٌ جبّارة دَمَّرت قبيلةَ ثَمود.. فقد استَيقَظَ الظالمونَ على صَيحةٍ مُدوّيةٍ انخَلَعت لها القلوبُ، وكانت الصَّواعقُ المُدمِّرةُ تَنقَضُّ على مَضاربِ تلك القبيلةِ المُجرمة فتَهاوَت القصورُ والمنازلُ، وامتلأت الوِديانُ ناراً..
لَم يَنْجُ أحدٌ سوى سيّدنا صالح والذينَ آمنوا معه.
وهكذا كانت نهايةُ قبيلةِ ثمود.. فلَم تُشرِقْ شمسُ اليومِ الرابع من قَتلِ الناقةِ، إلاّ على خرائبِ أُولئك الظالمين، فأصبَحوا في ديارِهم جاثمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.